Tuesday 1st july,2003 11233العدد الثلاثاء 1 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوافذ نوافذ
الحقيقة المطلقة
أميمة الخميس

(حوالي عام 1200 ميلادي شعرت البابوية الكاثولكية بأن المقاطعة الكاثارية «أحد المذاهب المتفرعة عن المسيحية ووصمتها الكنيسة في روما بالهرطقة» في فرنسا وجيوبها المتفرقة في معظم أرجاء الغرب المسيحي، باتت تشكل خطرا حقيقياً عليها، فأعد البابا لحملة عسكرية دعاها بالحملة الصليبية الألبينية، ووجهها إلى جنوب فرنسا عام 1209م، كان قوام الحملة ثلاثين ألفا من الفرسان والمشاة انحدروا من الشمال الأوروبي كالإعصار نحو مقاطعة الكاثارية، و كان أجرهم ما يحصلون عليه من أسلاب وغنائم إضافة إلى صك الغفران ومكان لهم في الجنة، أحرق الصليبيون الجدد الأرض ومسحوا المدن الآمنة فسووها بالتراب وأفنوا عن بكرة أبيهم تقريباً في مدينة يبزرس وحدها جرى قتل خمسة عشر ألف نسمة بين ر جل وطفل وامرأة، ناهيك عن عدد القتلى في عشرات المدن ومئات القرى، ويروي أحد مؤرخي تلك الحملة أن قائدها سأل ممثل البابا لديه عن الكيفية التي يميز بها الهراطقة من غيرهم بالمدن المفتوحة قبل إعمال السيف بهم، فأجابه: اقتلهم جميعا واترك الله أن يميز رعيته بينهم. وقد أرسل هذا الممثل البابوي في تقريره إلى الحبر الأعظم يقول: إن السيف لم يميز ضحاياه تبعا للسن أو الجنس أو المكانة الاجتماعية).
هذا المشهد الموحش لم يكن كذلك بنظر أبطاله، بل كانوا يعيشون حالة من الغياب والدروشة والإقصاء الكلي للعقل، وأحلوا بدلا منه حلم بالجنة التي سيصعدون لها فوق سلم من جثث الآخرين، أولئك كانوا على يقين بالجنة وصكوك الغفران تدفئ جيوبهم، أولئك كانوا يزعمون امتلاكهم الحقيقة المطلقة دون الآخرين، أخذتهم العزة والقوة فأزالوا قرى باسم حقيقتهم الخاصة.
والذين قاموا بتفجيرات الرياض، كذلك كانوا يظنون بأنهم يقومون بعمل مقدس سيرتفعون به إلى الجنان فوق جثث الأطفال والنساء، وأشلاء الأبرياء، تحت لوثة امتلاك الحقيقة وحدهم دون الآخرين وحدهم يحكمون ويقصون ويقتلون من خلالها، دون العالمين، الحقيقة التي تأتي ملوثة بالدماء والأشلاء.
وإبليس أيضاً أبى واستكبر، وسعى في الأرض فسادا على حين ظن امتلاكه حقيقته الخاصة التي كرس نفسه من أجلها كشيء مطلق ونهائي، الشياطين وحدهم هم الذين يدمرون ويقتلون ويسحلون من أجل حقيقتهم الخاصة.
تعالى الله عما يصفون علواً كبيرا

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved