|
|
الدخان مشكلة اجتماعية خطيرة فقد استعبد كثير من الناس واستذل نفوسهم واحتل قلوبهم واستعمر جيوبهم وتملك أمرهم وسمم دماءهم وقوض أجسامهم واستولى على حريتهم أينما توجهوا وتحكم فيهم أينما ساروا فبعد أن كان غذاءهم وشرابهم الذي يستمدون منه الطاقة والحرارة هو الطعام والماء فاستبدلوا عنهما السجائر الضارة للصحة والمخسرة للجيب ناسين أنهم يخربون بناء قلوبهم ويسممون بوبائه دماءهم ويسدون بوابله رئاتهم ويحطمون بمعوله أجسامهم ويبيدون صحتهم وقواهم ويذبلون شبابهم ويتحولون وهم في أول العمر وريعان الشباب إلى شيوخ عاجزين وهياكل منهوكين ومرضى محطمين ولايكاد الواحد يملك نفسه فلا يستطيع أن يستمتع بطعام ولا منام ولا يملك أن يصبر عن الدخان ساعة من نهار ولا يقدر أن يزاول عمله أو يواصل سعيه أو ينهض بأمر من الأمور إلا إذا شرب هذا الدخان الذي هو أقرب إلى الحرام الخبيث منه إلى الحلال الطيب المباح والذي فيه من الاضرار والاخطار ما لا يستطيع أن يحصيه إنسان فهو نبت سيىء غالي الثمن كريه الرائحة والمذاق منتن للفم ومضر بالاسنان فتاك بالرئة مهلك للكبد مؤثر على الأعصاب مسمم للدماء يأكل عمر الإنسان ويحطم حياته ويسلبه أجمل ما يعتز به ألا وهما الصحة والمال فما أقبحها من عادة سيئة وما أبغضه من تقليد يضر بالصغير ويفتك بالكبير ويؤذي الأفراد والجماعات إذ يسلبهم معنى الراحة ولذة النعمة ومتعة الطمأنينة والهدوء فلكل هذه المعاني والصفات السيئة حرمه الدين ونفر من شربه وتعاطيه الطب، وحذر من تناوله العلماء والفقهاء لأنه من أهم أسباب ضياع المال ومن أكبر عوامل التبذير والتفريط ولأنه عبث ساقط ولغو لا فائدة فيه أو منه ولأنه يفتح عيون الأولاد وهم أكبادنا تمشي على الأرض على القدوة السيئة والأسوة الضارة والمثل الحقير فاذا أبصر الابن والده وهو لا يبدأ يومه إلا بشرب الدخان ولا يختمه إلا بشرب الدخان ولا يحيي ضيوفه الاعزاء ولا يكرم أصدقاءه المحبين إلا بشرب الدخان وإذا أبصر الابن أباه كذلك ظن أن الدخان شيء جميل وكبير وأن فيه من اللذائذ والمتع والمنافع الجمة والفوائد الكثيرة ما لا يخطر لأي إنسان على بال وإلا فلماذا يحرص عليه أبوه كل هذا الحرص ويبذل في سبيل شرائه كل هذا المال ويجعله رفيقه المؤنس وقرينه المخلص وصديقه الحميم في الليل والنهار والعمل والفراغ والحل والترحال بل لا يتركه في عسر ولا يسر أو في الفقر أو الغنى أو في الصحة أو المرض أو في ساعات الجد أو الهزل ولا ينساه في شدة ولا رخاء ولا يهمله في سعة ولا ضيق وآنذاك تميل نفس الابن وينشغل به حسه ثم لا يلبث حتى يشربه ويتعاطاه في السر تارة وفي العلانية تارة أخرى مرة بماله ومرة بمال غيره وثالثة بدون ثمن ولا مال وعند ذلك يغضب الوالد على ولده وتأخذه العزة بالاثم ويتبرم لشربه إياه ويعده من المخالفين والعاقين ثم يكثر من زجره والدعاء عليه ويبالغ في تأنيبه وتوبيخه وذمه أمام الناس فلو فكر قليلاً وتأمل كثيراً ورجع إلى نفسه طويلاً لأنصف هذا الابن المظلوم من نفسه وشخصه ولعلم أنه هو الذي أرشده إليه ودله عليه وفي وضح النهار فقد كان لابنه الصغير بئس القدوة وانه كان في ذلك المجال استاذه الأول ومعلمه الوحيد ومدرسه المثالي فليس على الابن حرج إذا قلد والده وليس عليه من بأس إذا سار على نهج أبيه ولذلك نهى الدين الآباء على ألا يكونوا قدوة سيئة لأبنائهم وأسوة دنيئة لخلفهم وأمرهم أن يرشدوهم في حياتهم إلى خير سبيل وأقوم طريق وأن يأخذوا بأيديهم إلى كل نافع مفيد ويحولوا بينهم وبين كل ضار دنيء وكل قبيح مرذول فليربوهم على الفضيلة والخلق الكريم والرجولة ومحاسن الأقوال والأفعال والسماحة والتواضع ومحبة الناس والرفعة والشهامة وهل أتاك نبأ الداهية، الدهياء والنكبة النكباء والعار الكبير والشر المستطير والوقاحة المتناهية والسخافة المتدنية وقلة الحياء التي لا مثيل لها في كل زمان ومكان إذ لا يقبل لها عذر ولا يقاومها نصح ولا يحاربها نظام أو قانون تلك هي تعاطي كثير من النساء في بعض المجتمعات العربية والإسلامية لهذا النبات الخبيث: الدخان فبعد أن كان المصلحون يحاربون هذه العادة المرذولة بين الرجال أصبحت متفشية كذلك بين النساء «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» فأينما اتجهت وحيثما حللت تجد المرأة قابضة على السيجارة مداولة لها بين أصابعها وفمها بكل وقاحة ناسية أن هذا الدخان أول شيء يذبل جمالها ويطفئ سحرها ويجر عليها الكثير من المتاعب والآلام في مقدمتها نعمة الأنوثة التي بدونها لا تصبح المرأة شيئاً مذكوراً ولا غير مذكور فهو ينتن ريحها ويشوه شفتيها ويطفئ بريق أسنانها ويخشن صوتها ويفتك برئتيها ويسيء نضارتها إن كانت بكراً ويضر بجنينها إن كانت حاملاً ويضعفها عن واجباتها إن كانت أماً ويعجل بها إلى المشيب إن كانت في زمن الشباب وميعة الصبا ويجعلها أقرب إلى الرجال منها إلى النساء فقلما يحفل بها رجل أو تهتم بها امرأة اللهم إلا على سبيل التهكم والتفكه والسخرية والاستهزاء فليعلم الرجال والنساء أن الله لم يحرم علينا نافعاً ولم يحرم علينا مفيداً ولم يبعدنا عن منابع السعادة والهناء بل قربنا سبحانه وتعالى إلى كل خير وبر وفضيلة وسمعة حسنة وذكر عطر وخلق كريم فيجب على العرب والمسلمين محاربة هذه العادة السيئة والمشكلة الاجتماعية الخطيرة الحقيرة والفعلة القذرة المرذولة وليفكروا فيما هم فيه من بلاء ووباء وليبحثوا عن علاج لهذا المرض الذي أصبح اليوم أعضل داء فليفتشوا عن كل دواء وعلاج واجتهدوا في هذا ما استطعتم لكي تحرروا أنفسكم من عدو قاهر ولص ماكر ومرض عضال واعلموا انكم إذا تحررتم من الدخان سلمت أجسامكم من كثير من العلل وستبرأ أبدانكم من كثير من الآفات وستصفو أرواحكم وتسلم صدوركم فتصبحون من الأصحاء الأقوياء والعقلاء الأشداء فتفتح لهم الحياة ذراعيها وتمد لهم كفيها فتمنحهم من الحياة والسعادة ما يشتهون وفوق ما يشتهون فليعقدوا النية على تركه وهجره بعزيمة صادقة وهمة موفقة وتصميم أكيد وتخيلوا ما سوف تتمتعون به بعد تركه من صحة وعافية وما سوف تدخرونه بعد ذلك من مال وما سوف تتمتعون به من حرية وما سوف تظفرون به من مدح وثناء وإجلال وتقدير وحب واحترام من أهليكم وأبنائكم وأزواجكم واحبابكم الذين يكنون لكم كل خير وسعادة وسرور ومحبة وفضيلة وحبور وكل تقدير واجلال واحترام ومما يزيد الدهشة ويضاعف الحيرة أن ترى جمعاً غفيراً ممن أنيطت بهم مسئولية تربية الشباب وتوجيه العامة كالمدرسين والأطباء ورؤساء الدوائر والمؤسسات نراهم يمارسون هذه الظاهرة الضارة على مرأى من طلابهم ومراجعيهم وربما أمام أولادهم وذويهم وتظهر هذه الظاهرة السيئة في نفس الوقت الذي تتوالى فيه النشرات وتتعاقب فيه التقارير الطبية العالمية المتخصصة محذرة الناس من التدخين ببيان أضراره العديدة وعواقبه الوخيمة مقرونة بالاحصائيات الدقيقة عن ضحاياه في كل عام والاكتشافات الجديدة المتوالية المشخصة للأمراض الخطيرة بل والمستعصية الناتجة عنه ومطالبة الجهات المسئولة في أنحاء العالم ببذل الجهود الجبارة لمحاربته مع غيره من المخدرات بكل وسيلة لتقي شعوبها من شره وتحول بينها وبين مخاطره. |
![]()
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |