Friday 11th july,2003 11243العدد الجمعة 11 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الشباب والأفكار الخاطئة (2/2) الشباب والأفكار الخاطئة (2/2)
د. محمد بن سعد الشويعر

في الحديث السابق عن رعاية الاسلام للأولاد، واهتمام مبادئه وتعاليمه بتمكين الأسس التي تؤصل الجذور الأخلاقية والعقيدة، في الناشئة، حتى تنمو معهم طبعاً لا تطبَّعاً، ولا تقليداً، وحصناً يقيهم الله به من قرناء السوء ودعاة الارهاب، وترويع الآمنين، والافساد وقتل الأبرياء.. أو تكفير المسلمين وولاة الأمر.
لأن العقيدة إذا تمكنت، كانت أمكن من التحصينات الطبية، واللقاحات ضد الأمراض المعدية، فهذه أسباب بشرية حسب الاجتهاد والتجربة، أما ما جاء عن الله وعن رسوله، فلاشك فيه ولا مراء، لأنه صدق وحق..ويؤصل الجذور التي تبنى عليها الشخصية العارفة بما لها وما عليها.
وقد حملت الأوامر الشرعية، ولاة الأمر في تعهد هذه البذرة خطوة خطوة، حتى تعطي ثمارها اليافعة: طيباً في العطاء، ونفعاً للنفس وللأمة.. فكانت المسؤولية الأولى والعظمى في يد الأبوين، منذ بدء الاقتران ببعضهما مثلما يختار الفلاح الأرض الصالحة الزراعية، وقبل غرس البذور، لأنه يتطلع الى نتيجة تنفعه وتكافئ تعبه.
فالوالدان مثلما يهتمان بغذاء أبنائهما وكسائهما وصحتهما، لأن في هذا بناء الجسد، فإن هناك مهمة عظمى، ومسؤولية كبيرة، أمام الله أولاً. وأمام الأمانة التي حملّها الله لهما نحو الأبناء، وهذه المسؤولية في بناء الروح تمسكاً بهذا الدين، وترسيخاً لتعاليمه، وما تعنيه هذه التعاليم من أهمية أخلاقية، وسلوك ومنهج في جميع التصرفات.. فالروح إذا ارتبطت بخالقها، ونميّت عندها المخافة من الله، والحرص على كل عمل يرضيه.. فإنها تؤثر في الجسد وأعماله، والفكر وسلامته، فلا تعمل إلا الخير، ولا تدعو إلا اليه. ولذا فإنها لا توجه الجسد الى عمل.. يبغضه الله، وينهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم:«فالمؤمن أخ المؤمن، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» «وكل المؤمن على المؤمن حرام دمه وماله وعرضه»، والله يأمر بطاعة ولي الأمر، وينهى عن الفحشاء والمنكر والضرر وترويع المؤمن، أو تكفيره والإضرار به.
وكذلك لا توجه هذه الروح الفكر إلا الى الأمور الحسنة، فينغفل عن تلقي كل فكر وافد، لا تأييد عليه من قول الله، ولا قول رسوله صلى الله عليه وسلم، بحيث ان الاحساس الديني المتمكن من فؤاد الشباب قد جعلها الله وقاية لموطن احساسه، يميّز به بين الفكر الخاطئ الوافد، فينفر منه، وبين الفكر السليم، الذي تدعو اليه مبادئ دين الاسلام، فيرتاح لها القلب، وتطمئن اليها النفس.
وهذا من واجب الوالدين، ثم من يحيط بالشباب، من أقارب ومعلمين وغيرهم، حتى يتعاون المجتمع في بناء فكر الشباب، وتنمية الخير عندهم، كما أنّ على العلماء دوراً كبيراً في المناقشة الهادئة والاكتفاء بالدليل العقلي والنقلي لإزالة الأفكار الخاطئة.
لقد عرف عند سلف هذه الأمة، ونمي في مجتمعاتنا الى عهد قريب، قبل أن نبتلى بوسائل الاعلام، وطرق المعرفة المتعددة المسارب، أن كل فرد في المجتمع الصغير ذلك الوقت، يؤدب شباب ذلك المجتمع، وكل جار يأمر وينهى بل يضرب أولاد جيرانه. إذا رأى منهم تصرفاً غير مستحسن، أو عملاً مشيناً..
ويفرح والدا الشاب، ويشكران لمن ساعدهما في توجيه فلذة كبديهما، لأن المجتمع أسرة مترابطة كل يهتم بما عليه وما له، وما يهم مجتمعه أخذاً من الحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً» والحديث: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وأهل الذكر هم العلماء الربانيون، وليسوا علماء السوء الذين يفتون بغير ما أنزل الله.
ولمّا كان دور الآباء والأمهات، هو الأهم والأعظم، في مراقبة الشباب ورعايتهم، وتأصيل الخير في نفوسهم، فإن هذا الدور لا يقتصر على عمر معين، بل كل ما نما الجسم زاد الاهتمام، لأنه تحت السمع والبصر، يجب مراقبة وقته كيف يقضيه، ورفيقه الذي يصاحبه، وتصرفاته كيف تتم.. ومن ثمَّ محضه النّصح وابعاده عن المسارب التي تبدأ صغيرة، ثم تكبر مع التراخي وعدم المبالاة.
فالله سبحانه قد جعل المهابة في قلب كل ابن أو بنت من الوالدين، ولا يتمردان على هذه المهابة، إلاّ كان الوالدان أو أحدهما ليس على مستوى المسؤولية، أو ليس بقدوة صالحة: لا بقوله اللّسانَّي،ولا بتصرفاته العملية، ولا بالتزامه الديني.. مما يجب معه توجيه الوالدين، وتبصيرهما بنقاط الضعف في نفسيهما، حتى يستقيما فيصلح أولادهما بذلك.
حينئذ يأتي دور آخر في الولاية وحسن التوجيه، وهي المدرسة، والأقارب والجيران، ورجال الحسبة، ثم تكبر المسؤولية شيئاً فشيئاً، حتى ترتفع الى ولي أمر المسلمين، الذي قال فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه: يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقرآن، ويقول فيه احمد بن حنبل: لو كان لي دعوة مستجابة لوجهتها لولي الأمر.
إننا في عصر كثرت فيه الشرور، وزادت فيه المغريات، وتظافر أعداء الاسلام، على أمة الاسلام، وخاصة في هذه البلاد التي منَّ الله عليها بالاسلام، وحماية وخدمة الحرمين الشريفين، مع تطبيق شرع الله عبادة وحكماً.. فكبر ذلك على أعداء الله وأعداء دينه، فأرادوا لها الكيد في التلبيس على الشباب، وبلبلة أفكارهم، فالأعداء حاسدون، والشباب مغرورون، فكان الواجب على الجميع والقادرين خاصة فكراً وعلماً ودراية إبانة ما ينير أذهان الشباب وعمّا يراد بهم وبأمتهم، وتعبئة أذهانهم بحصانة دينية علمية وفكرية، ليعرفوا دورهم، وليميّزوا بين الحق والباطل.
ذكاء امرأة:
ذكر ابن الجوزي في كتابه الأذكياء: أن الحجاج بن يوسف جاء الى الوليد بن عبدالملك، فبينما هو يتحدث ويقول: فعلت بأهل العراق وفعلت، أقبلت جارية فنادت الوليد ثم انصرفت، فقال الوليد للحجاج: أتدري ما قالت الجارية؟ قال: لا. قلت: أرسلتني اليك أم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان القول ان مجالستك هذا الاعرابي، هو في سلامة، وأنت في غلالة غرر، فأرسلت اليها إنه الحجاج بن يوسف فراعها ذلك، وقالت: والله لأن يخلو بك ملك الموت، أحب اليَّ من أن يخلو بك الحجاج، وقد قتل أحباء الله، وأهل طاعته ظلماً وعدواناً. فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين إنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانه، لا تطلعهن على سرك، ولا تستعملهن بأكثر من الملاينة ولا تكثرن مجالستهن، صغاراً وذلاّ، ثم نهض فخرج.
فدخل الوليد على أم البنين وأخبرها بمقالته.. فقالت: إني أحب أن تأمره بالتسليم عليَّ، فسيبلغك بالذي يكون بيني وبينه، فغدا الحجاج على الوليد، فقال له: أنتِ أم البنين.. فقال: أعفني يا أمير المومنين. قال: فلتفعلنّ.. فأتاها فحجبته طويلاً، ثم أذنت له، ثم قالت له: يا حجاج أنت تفتخر على أمير المؤمنين بقتل ابن الزبير وابن الأشعث، أما والله لولا أن الله علم أنك أهون خلقه عليه، ما ابتلاك بقتل ابن ذات النطاقين، ابن حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن الأشعث.
فلعمري لقد استجلى عليك حتى عَجْعَجْت، ووالى عليك الدار حتى عويت، فلولا أن أمير المؤمنين نادى في أهل اليمن، وأنت في ضيق من القرن، فأظلتك رماحهم، وعلاك كفاحهم، لكنت مأسوراً، قد أخذ الذي فيه عيناك، وأمّا ما أشرت على أمير المؤمنين بقطع لذّاته وبلوغ أوطاره من نسائه، فإن يكن يلدن مثل أمير المؤمنين فغير مجيب، وإن كنّ يلدن مثل، ولدت أمك، من ضعف الغريزية، وقبح المنظر في الخلق والخُلق، يالكع فما أحقه أن يقتدى بقولك، قاتل الله الذي يقول فيك:


أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصّافر
هلاّ برزت الى غزالة في الوغي
قد كان قلبك في جناحي طائر
فخرج ودخل الوليد، فلما

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved