Thursday 17th july,2003 11249العدد الخميس 17 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نحو تنمية إبداعية للطفل ..أو مطالب الأطفال نحو تنمية إبداعية للطفل ..أو مطالب الأطفال
د. فوزية أبو خالد (*)

ربما لم يقل لنا أحد ولا حتى بياجيه واريكسون في تعريفهما لمراحل الطفولة، ولو قال لنا لما صدقناه ونحن في ذروة الانهماك في تربية الاطفال بأن الطفولة تمر راكضة كرفة هدب. كما كنا لا نصدق يوم كانت تضيق الثياب على شحنات المراهقة في أجسادنا الغضة، وتتفشى بثور حب الشباب على بشرة وجوهنا النحاسية بملامحها النزقة، ونجد لذة لئيمة في استغضاب الكبار ومخالفة سلطات مألوفهم، بأن يوما آخر سيأتي لنكتشف ان اصطخاب الموج ليس الا بروقاً مارقة في مواسم العمر وليعرف الاهل بلوعة ان العصافير الضاجة على الاغصان لا تلبث ان تغادر الشجرة أسرع مما كان متوقعا.
قبل ان تتسرب الطفولة فتكمن تحت جلودنا او تفر من أيدينا نشب على اطراف اصابعنا نجوس بقلق وفرح سري تباشير الفتوة على الغصن، لنستعجل الصبا فيحين الصبا وقبل ان نلتفت ونفك كل حروفه، تشب فينا الاشواق او تدفعنا الأيدي لنترك ذلك المطل الخطر، فنشرئب من جديد نستعجل الشباب، يحل الشباب فننشغل في اشعال واطفاء نار نستوقد بها وفجأة نجد انفسنا وحدنا والأسئلة.
فماذا لو لعبنا بعقارب الساعة قليلا وأصدقنا أنفسنا بعض الاسئلة باكرا او على الاقل قبل أن يفوت الأوان وتركض طفولة أطفالنا مبتعدة عنا كما ابتعدت طفولتنا، ونحن لم نتركهم يجربون حرية التحليق في سماء الابداع والأدب ولم ندعهم يزهون بحركة الريش على الاجنحة. فهل يمكن ان يمد كل واحد منا يده الى ساعته ونبدأ اللعب.
فبدون اللعب لن نستطيع ان ننجح في طرح هذا الموضوع الذي يحاول الاقتراب من اقتراح فضاء لحوار التنمية الابداعية للطفل. اذ لا يمكن ان يجتمع موضوع الابداع والطفولة دون ان يكون اللعب قاسماً مشتركاً بين هذين الأفقين، اللذين يصعب ان نقترب منهما ونحن مكبلين بقانون الجاذبية او سلطة القالب والمسلمات فكما ان اللعب بمعنى الانطلاق الجسدي والعقلي، القدرة على التخيل والحركة والابتكار من مادة بسيطة، عنصر مهم من عناصر الطفولة فكذلك اللعب عنصر من عناصر الابداع. فالابداع الادبي مثلا لم يكن ليكون لولا ان فنانا او أديبا موهوبا أو شاعرا يمد يده الى اللغة والى خام الخيال او قماشة الواقع وفصل أجنحة طار بها بعيدا وحملنا معه.. بما يصح معه ما قاله عالم الاجتماع هاربرت سبنسر بأن اللعب أصل الفنون.
اما الأسئلة الجادة التي نطرحها على هامش رغوة الابداع في أدب الأطفال وأود أن نتوصل الى بلورتها في موضوعنا هذا من خلال لعبة الطفولة والابداع معا فهي الأسئلة التالية:
* أمام انتشار ورواج مصطلح أدب الطفل، هل هناك حقا ما يمكن ان نسميه أو نطلق عليه أدب الطفل.
* ما هو أدب الطفل وما المقصود بأدب الطفل؟
* أي المراحل العمرية من عمر الانسان هي الأنسب والأخصب لزرع بذرة الأدب في حياة الانسان؟
* هل الطفولة بمراحلها العمرية المتعددة كما عرفها بياجيه وأريكسون، المرحلة الأولية «2 - 4»، المرحلة المتوسطة «3 - 6»، مرحلة الطفولة المتأخرة «7 الى 11» وعند آخرين الى 14، هي مرحلة مناسبة لتقديم الادب الى الطفل؟
* هل هناك أدب معين لكل مرحلة من مراحل الطفولة؟
* هل الأدب والفنون للانسان عموما وفي مرحلة الطفولة خصوصا ضرورة .. أم .. ترف..؟
* هل ننظر الى أدب الطفل على أنه وظيفة نفعية في حياة أطفالنا .. ام أن أدب الطفل كشكل من أشكال الفن هو قيمة جمالية وحياتية مستقل بذاته أي هل أدب الطفل للمتعة أو المنفعة؟
* بمعنى، هل المضمون القيمي والأخلاقي شرط لازم من شروط انتاج أدب ابداعي للطفل.. أم.. أن أدب الطفل يتساوى في ذلك مع الأدب بمفهومه الانساني العام.. حيث تكون الجودة الفنية هي شرط أدب الطفل لا محتواه الخلقي والقيمي بالضرورة؟
* هل لأدب الطفل علاقة بتطوير الذائقة الجمالية وحب الحياة عند الأطفال بما يؤهلهم للتفاعل مع الآداب الوطنية والعالمية الكلاسيكي منها والمعاصر؟
* ما هي أدواتنا المعرفية «آباء وأمهات ومربيين» تمكننا من خلق علاقة حميمة وحيوية بين أطفالنا وبين الأدب ولتأسيس اتجاه ايجابي عند الأطفال نحو القراءة الحرة في حاضرهم الطفولي وفي مستقبل أيامهم؟
وأخيراً:
هل وكيف يمكن أن ننمي أطفالنا تنمية ابداعية من خلال أدب الطفل..؟ انني لا أطرح هذه الأسئلة لأقدم اجابات جامعة مانعة عنها ولكني أطرحها لفتح شهية التفكير والحوار حول الموضوع نحو تنمية ابداعية لاطفالنا من خلال الادب.
وفي رأيي أن تحول وزارة الاعلام الى وزارة للثقافة والاعلام يضع على عاتقها مسؤولية مباشرة نحو ثقافة الطفل. لا لتكون ثقافة الطفل ثقافة ملحقة بثقافة الكبار أو بالفلاشات الاعلامية ولكن بالاتجاه المتعمد الذي يدعمه التخطيط المدروس والعمل الجماعي لتكوين ثقافة مستقلة بالطفل. لقد لمسنا توجها سابقاً لجمعية الثقافة في التركيز مؤخرا على ثقافة الطفل من خلال سلسلة المحاضرات التي اقامتها الجمعية العام الماضي بمركز الملك عبد العزيز الثقافي، بمشاركة عدد من المهتمات بالشأن التربوي والثقافي للطفل كمحاضرة الأستاذة اسماء الخميس عن العلاقة العاطفية والعقلية بين الطفل والجدة والجد، ومحاضرة د. سهام السويغ عن الطفل والقراءة ومحاضرة د. حسناء القنعير عن الطفولة والاعلانات التجارية. هذا بالاضافة الى مطبوعات الطفل ومجلته ويمكن ان يكون لوزارة الاعلام والثقافة اضافات هامة في مجال الطفولة اليوم. وهذا ما أضعه هنا في صيغة مطالب قابلة باذن الله للتحقيق بقليل من العمل الملتزم بشأن ثقافة الطفل.. ومن هذه المطالب:
* اقامة مركز بحثي يعنى بدراسة ثقافة الطفل وربطها باطار ثقافتنا العربية الاسلامية لئلا تكون ثقافة الطفل نهبا لتيارات الاستهلاك وسلوكياته المفرغة من اي محتوى ثقافي جاد. مع الانفتاح على التجارب العالمية بشرقها وغربها التي سبقتنا في مجال الاهتمام الابداعي وليس الاستهلاكي بثقافة الطفل.
* ايجاد مطبوعات ثقافية وليس مطبوعة واحدة لمختلف الفئات العمرية للأطفال يقوم الأطفال «بنات وأولاد» بتحريرها بأنفسهم. ويعبرون فيها عن مرح الطفولة وأسئلتها. كما في التجربة المبكرة التي اشرف عليها الاستاذ سعد الدوسري بمجلة اليمامة حين كان الاطفال انفسهم يعدون الصفحات الخاصة بثقافة الطفل.
* تنشيط النشاط المسرحي والتشكيلي الموجه للأطفال وبمشاركة الاطفال انفسهم وباشراف توجيهي وليس املائياً كما كتبت عن هذا التطلع بتفصيل اكثر تشويقا الاستاذة أنوار ابو خالد في زاويتها الاسبوعية «أخيلة الطفولة» بجريدة الرياض.
* ايجاد لجنة للتخطيط لانشطة الطفل الثقافية بصورة مرحة على مدار السنة على ألا تقتصر عضوية مثل هذه اللجنة كما يجري عادة في اللجان المماثلة على أصحاب الالقاب الاكاديمية. وفي هذا لابد ان يكون الاطفال أنفسهم أعضاء في هذه اللجنة وكذلك الشباب الصغار والآباء والامهات دون ان يمنع ذلك من تطعيمها ببعض المهتمين والمهتمات بثقافة الطفل تربويا وابداعيا مع ملاحظة الا تكون عضوية دائمة بل عضوية تتجدد بتجدد أمواج الاطفال وافواجهم الجديدة عاما بعد عام.
* العمل على وضع برنامج لقراءة الطفل لا يقتصر على المدن بل يشمل القرى والمناطق البعيدة. مثل قافلة قراءة الطفل التي استطاعت في مصر ان توجد مكتبة متنقلة على مدار العام وان كانت تكثف نشاطها في اشهر الصيف فتدور مختلف المحافظات لتعمم كتاب الطفل على جميع الاطفال بأسعار مغرية وبأساليب ترغب الطفل في القراءة وتغريه بها سواء في مجال الثقافة العلمية أو الادبية أو التراثية والتاريخية والسيرة النبوية.
* اقامة مهرجانات للطفولة غير تلك المهرجانات التجارية الاستهلاكية المهلكة ويبدو لي ان للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تجربة جميلة في الأعياد والمناسبات لاقامة مهرجانات للطفولة، تجمع بين معارف التراث وأساليب العابه القديمة وبين الثقافة المعاصرة من مسرح العرائس الى اللعب بالصلصال. وقد تابعت وعدد من الاطفال بعض تلك التجربة في مهرجان الطفولة الذي اشرفت عليه بمشاركة عدد كبير من الاطفال «اعدادا وتنفيذا وحضورا» الاستاذة مشاعل البكر العام الماضي.
* الاستفادة من رأس المال المحلي ومن مبادرات الأفراد في تجسير الفجوة بين الطفولة وبين الحق في ثقافة جادة ومرحة في نفس الوقت. ولو لاحظنا تجربة «عالم ديزني» بفلوريدا و«ديزن لاند» بلوس انجلس وفي مواقعها العالمية الجديدة بأوروبا أو سواها فاننا سنلحظ انها تقوم على هرم مرتفع ومتعدد الأبعاد من التراث القصصي والثقافي العالمي وليس الامريكي وحده وان كانت الآلية الرأسمالية قد نزعت بعضه من سياقه الحضاري وأدخلته في السياق القيمي والجمالي للحضارة الغربية ومثال واحد لذلك «علاء الدين» أو« السندباد» وبغض النظر عن موقفي النقدي من بعض هذا التوجه الا انني اذكره هنا في سياق تقديم ثقافة الطفل وأدب الطفل للأطفال في اطر غير تقليدية تمدهم بالمعرفة في عربات من المرح والمتعة والقدرة على التخيل واللعب ومسابقة الريح والاحصنة المجنحة .
وقد رأيت مع مطلع هذا الصيف مبادرة تستاهل التثمين وتستحق الالتفاف حولها وتطويرها جاءت من «الحكير لاند» وباصرار وعمل دؤوب من الشابات المشرفات هناك كالأخوات نورة العجمي واعتدال الناجم وهي مبادرة اخراج ثقافة الطفل من قمقمها وادخالها الى ملاعب الصغار.
وبعد فقائمة المقترحات والتمنيات قد لا تنتهي طالما اني اكتب هذا الموضوع وحولي باقة كبيرة من الاطفال لا تكف عن المشاكسة وتذكيري بمزيد من النقاط والمطالب. وليس لي الا ان اضم صوتي الى اصوات العصافير وهي تطالب وزارة الثقافة والاعلام بشيء غير الفتات نحو تنمية ابداعية للطفل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved