Friday 18th july,2003 11250العدد الجمعة 18 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بيض صنائعنا بيض صنائعنا
نواف آل الشيخ

بعد الضجة التي أثارها «هنتجتون Samyel Huntigton» عن صدام الحضارات الذي جعل منه اكتشاف العصر جاءت أحداث «11 سبتمبر» في الولايات المتحدة وكأنها حصر لهذا الصدام بين الإسلام وبقية الحضارات البشرية المعاصرة وبدا وكأن ذلك مسلمة منطقية يجب علينا إرضاء الأسد الجريح واتقاء لسطوته أن نثبت نقيضها بشيء غير الإدانة والشجب اللذين اعتدنا عليهما أو التبرع بالدم وتقديم التعازي الرسمية. ورغم كل الندوات والمحاضرات التي حاولنا بها أن نؤصل لمفهوم حوار الحضارات كمشروع بديل للصدام الذي لسنا مؤهلين له إلا أننا لم نخرج عن دائرة الجدل إلا إلى دائرة الصراع البيني وكأن الغاية أن نبرأ من تهمة الحضارة الواحدة فكان من المنطقي أن تفشل دعوتنا إلى حوار لم نستطع أولاً أن نحدد من يمثلنا على طاولته.
وكان من الطبيعي أيضاً أن نعجز عن إقناع الآخر أننا أتباع أول داعية إلى كلمة سواء بين الديانات هي العدل والحرية وبقي خطابنا موجهاً إلينا يستعرض فيه المفكرون أمامنا قدرتهم على المحاضرة وتبادل الاتهامات والزعيق عبر وسائل الإعلام.
لقد أعقب هذه المرحلة من الحوار مرحلة أكثر خطورة هي مرحلة الصدام ليس كطرف واحد مع الآخر ولكن فيما بيننا كأطراف متعددة يحاول كل طرف اللجوء إلى الآخر والتقرب إليه مستنصراً به على أخيه اللدود وجاء مصطلح الحرب على الإرهاب ميداناً فسيحاً للتباري في إثبات الولاءات وتقديم التنازلات وغطاءً جيداً للصراع الأخوي وتصفية الخصوم السياسيين وأصبح مصطلح النظام العالمي الجديد مبرراً مريحاً للتفاخر بوجود رعايا يهود في مجتمع من مجتمعاتنا نستطيع من خلال تكريمهم وتوفير أوضاع معيشية جيدة لهم أن نعرضهم على شاشات التلفزيون شاهداً على تحضرنا وبراءتنا من الإرهاب واحترامنا لحقوق الإنسان بعد أن كنا نفاخر باضطهادهم معتبرين ذلك شهادة على النضال ضد الاستعمار والإخلاص للقضية الفلسطينية.
وهكذا نظل كحمار الساقية ندور في حلقة مفرغة اسمها الآخر الذي جعلنا علاقتنا به شراً مستطيراً يقتلنا الولاء له كما قتلنا الحرب عليه خصوماً وأن التجارب قد اثبتت أن أكثر شيء نخلص فيه هو صراعاتنا الداخلية فلا نكتفي فيها بما تستدعيه ضرورات أي مرحلة انتقالية بين توجهين متضادين وإنما نستدعي كل أحقادنا وضراوتنا ونجند كل طاقاتنا في تجذيرها أسساً للأجيال القادمة من خلال وسائل الإعلام والثقافة والمناهج التربوية ويُخضع كل طرف مرجعياتنا الدينية والفكرية لتتسق مع توجهه المرحلي جاعلاً من تصوره الشخصي ديناً وحقاً ومصلحة عليا وما سواه خيانة للأمة وإضراراً بمصالحها وخروجاً عن الدين أو جهل به وكل يصف الثاني أنه أخطر على الأمة من أعدائها وسرعان ما توزع الاتهامات والمطالبات بأقصى العقوبات ويسقط الضحايا بالآلاف.
ما أريده هو ألا يكون تحولنا إلى مصطلحات جديدة ونتائج مكررة أو أكثر سلبية وإنما تحولاً إستراتيجياً يعفي أبناءنا من تكرار ما تعلمناه وآباؤنا عن مقومات الوحدة العربية ونحن نسمع أخبار حروب الأشقاء أو الأهمية الإستراتيجية لموقع نعجز عن حمايته أو الحديث عن ثرواتنا الطبيعية بدءاً بنفط الخليج وحتى زيتون الشام ونحن نستورد كل شيء من رغيف الخبز وحتى الطبشور الذي نكتب به العبارة على السبورة ونستشهد على عظمتنا بعدل عمر وفتوحات قتيبة وطارق واختراع الخوارزمي للصفر واكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية.
لنحاول ألا يقرأ أبناؤنا تعليلات جديدة لإخفاقات وهزائم جديدة كما قرأنا أن الحدود صنعه الاستعمار الذي ولدنا بعد رحيله وألا يصدقوا كما صدقنا أن الأسلحة الفاسدة هي سبب هزيمة الجيوش العربية البطلة في 48 وأن برلنتي عبدالحميد نكستنا في 67 وأن شارون سفاح صبرا وشاتيلا وصدام حسين بطل النصر والسلام.
وألا يضطروا للهتاف في طابور الصباح للعلم الأبيض فوق رؤوسهم.
بيض صنائعنا.. فقط.
باعتبار أن بقية البيت كذب وعبارات إرهابية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved