Sunday 27th july,2003 11259العدد الأحد 27 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أصبح عضواً في لجنة المكافحة أصبح عضواً في لجنة المكافحة
ابن إمام المسجد الذي جرفته المخدرات ثم هزمها محذراً من مخاطرها
أدعو المتعافين إلى نبذ الجرح والمبادرة بنصح إخوانهم الشباب
كانت حياتنا الأسرية مستقرة ولكن قرناء السوء خدعوني

  * الجوف - صالح النازل:
ضمن الحملة التي نظمتها إدارة مكافحة المخدرات بالجوف مؤخراً عُقدت ندوات ومحاضرات في الأجهزة الأمنية والإدارات الحكومية والمدارس وقد جندت إدارة مكافحة المخدرات بالجوف كافة الإمكانات والطاقات المتاحة مادية وبشرية .ومن الكوادر البشرية التي نذرت نفسها لهذا الغرض الشاب س. ق الذي قدم من المنطقة الشرقية للغرض ذاته
ونحن في «الجزيرة» نشكره ونثمن له شجاعته وروحه الوطنية بالنيابة عن الجميع حيث انه نفض عن نفسه غبار الماضي وترك الخجل جانباً وساهم من خلال تجربته المؤلمة في نشر الوعي بين طلاب المدارس محذراً إياهم من مغبة الوقوع في مستنقع المخدرات والشكر موصول لسعادة مدير إدارة مكافحة المخدرات بمنطقة الجوف المقدم خالد بن عيد الجهني الذي استضافنا في مكتبه ورتّب هذا اللقاء مبدياً استعداده التام للمساعدة في كل ما من شأنه محاربة المخدرات والقضاء عليها مقدماً الدعوة للجميع بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات من خلال هاتف البلاغات (995) مؤكداً على سرّية البلاغ وعدم مساءلة الشخص صاحب البلاغ.
تصورات خاطئة
* بداية نرحب بك يا أخ س.ق معنا في هذا اللقاء ونسألك متى كانت البداية مع المخدرات وكيف كانت؟
- حقيقة كانت البداية في أيام الدراسة في مرحلة ما بين المتوسطة والثانوية فعند دخول الثانوية اختلف كل شيء من حولي الأصدقاء، ومبنى المدرسة، والمدرسون فكانت البداية في تلك السن الحرجة وهي فترة المراهقة أمّا كيف كانت؟
فالأمر يتعلق كوني في البداية كان لدي تصور خاطئ وللأسف لم اكتشف هذا التصور الخاطئ إلا متأخراً وهو أن من يتعاطى المخدرات يعتبر في نظري شخصاً له هيئة مختلفة وأن له طريقة خاصة في الكلام تختلف عن الآخرين، كنت اعتقد أنه إنسان واضح ولا يمكن أن تُغش فيه ولذلك خُدعت في أصدقاء كانوا يتعاطون المخدرات وأنا كنت أعتقد أنهم طبيعيون.
* كيف كانت حياتك قبل استعمال المخدرات؟ وهل كانت لديك ظروف أسرية؟
- كنت أصلي ولكن غير مواظب وكان والدي إمام مسجد وأنا من أسرة محافظة ولكن الأصدقاء لهم دور كبير فيما حصل ولا توجد أسباب عائلية كانفصال الوالدين مثلاً أو اضطرابات داخل الأسرة، فأسرتي يوجد بها مناخ عائلي ممتاز وكان التعامل بيننا طيباً جداً وكان توجيه الأسرة لنا كأبناء مستمراً وجيداً وليس لديهم تفرقة بيننا كاخوان ولا أستطيع القول إن هناك سبباً داخل الاسرة دفعني لهذا السلوك ولكن السبب يكمن في كوني آنذاك أبحث عن انتماء معين لشيء معين لا استطيع شرحه وكنت أجهله في تلك الأيام.
أذكر على سبيل المثال بأنه كان عندي أصحاب وكنت أحب أن أكون أنا المميز فيهم فإذا كان هناك مجال للحديث أكون أنا المتحدث بينهم وإذا كان هناك تمرين رياضي أكون أنا الذي في المقدمة.
* هل ذلك الشعور كان حقيقة أم وهماً؟
- بل كان وهماً ولكن هذا إحساسي في تلك الفترة بأن أظهر نفسي في أحسن صورة وكنت أحب أن أضفي جواً من المرح على البيت وكنت فرحاً عندما أضفي على أسرتي هذا الجو علماً بأني كنت متفوقاً في دراستي ومجتهداً وكنت محبوباً لدى المدرسين ولكن لا أدري آنذاك عندما عرضت علي ا لمادة المخدرة لم أكن شجاعاً وأقول لا وقد يكون لدي في ذلك الوقت خلل لا أعرفه.
خدمات مجانية
* كيف كنت تحصل على المخدرات بعد أن تعوّدت عليها في ذلك العمر؟ وكذلك التمويل الكافي لشراء المخدرات؟
- في البداية لا يوجد شخص يستخدم المخدرات بشكل فردي وهي في بداية الأمر تعرض بالمجان وهذه الطريقة مستمرة إلى الآن وأنا أحذر كل شاب بأن المخدرات في البداية تعرض مجاناً بيد أنني للأسف لم أسأل نفسي آنذاك لماذا كانت تُعطى لي مجاناً وكنت أعتقد أن هذا العمل هو مجرد وفاء من هذا الصديق أو ذاك، أما بالنسبة للتمويل فكنت اقترض المال من اخواني وأبناء عمومتي وأقربائي أو جيراننا معتمداً على سمعة أسرتي الطيبة والتي تحظى بمكانة حسنة في الحي وكان الجميع يتسابقون لخدمتها من خلالي وهم لا يعرفون أنني كنت أقترض لشراء السم.
* كيف كان تأثيرها على سير حياتك؟
التحقت أيامها بالسلك العسكري وبصراحة لدي نقطة مهمة أود أن تؤخذ بعين الاعتبار بأن الأفراد العسكريين مستهدفون بالدرجة الأولى من قبل مروّجي المخدرات حيث ان الشاب العسكري لديه دخل مادي جيد وظروف عمله قد تتطلب مجهوداً مضاعفاً والبعض منهم يعتقد أنها تساعده على أداء عمله بشكل أفضل ومن خلال عملي بالسلك العسكري تعرفت على أشخاص من مناطق مختلفة من المملكة وكنا نخرج في عطلة نهاية الأسبوع في رحلات وكانت المخدرات هي الرفيق لنا وقد أثر ذلك علي وفصلت من عملي لكثرة غيابي حيث كنت أسهر في الليل وأنام طول النهار وعلى هذا الاساس خسرت وظيفتي ومصدر رزقي.
الأعراض الانسحابية
* يتحدث المختصون دائماً عن الأعراض الانسحابية لمدمن المخدرات هل لك أن توضح لنا هذه الأعراض لتكون عبرة للغير؟
- يعتقد الكثير وأنا كنت منهم بأنه من السهل جداً التوقف عن تعاطي المخدرات بينما هناك أعراض نتيجة للانقطاع يتعرض لها المتعاطي وهي التي كانت تدفعني للبحث عن المخدرات بأي ثمن لأتعاطى مرة بعد مرة وأنا في قرارة نفسي أبغض ذلك وأعرف أن ذلك مرفوض من قبل الدين والمجتمع والأسرة ولكن كلما حاولت الامتناع أتعرض لتلك الأعراض الانسحابية التي كانت تدفعني أحياناً لمحاولة الانتحار مثل ضيق التنفس واضطرابات في ا لجهاز الهضمي وتشنجات وكان غذائي غير منظم ونومي كان قلقاً وكنت أشعر دائما بخمول عام وكسل.
* كيف قررت الإقلاع عن تعاطي المخدرات؟
- لا يوجد شخص يتعاطى المخدرات وهو راض عنها وهي مرفوضة كما قلت سابقاً دينياً واجتماعياً ولها تأثيرات يشعر بها المتعاطي ويعاني منها كل من هو حوله ولكن المخرج بالنسبة له قد يكون مجهولاً والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن المتعاطي هو إلى متى؟
إلى أن قررت أنه لابد من وقفة وبأي ثمن والحمد لله وفقت في هذا الأمر بمساعدة الآخرين جزاهم الله خيراً.
* بعد أن منّ الله تعالى عليك بالهداية كيف ترى نفسك؟
- بعد أن منّ الله سبحانه وتعالى علي بالتوبة والتوقف عن تعاطي هذا السم بعد امتثالي للبرامج العلاجية أشعر وكأني ولدت من جديد وأنا الآن في كامل عافيتي ولله الحمد وبهذه المناسبة أشكر القائمين على مستشفى الأمل بالدمام وعلى رأسهم مدير المستشفى محمد الزهراني فقد قدموا لي خدمة جليلة وجهداً طيباً ووقفوا معي وساعدوني حتي تمكنت من تجاوز هذه المرحلة ولله الحمد.
مشاركات توعوية
* هل شاركت في ندوات توعوية أخرى قبل مجيئك إلى الجوف؟
- نعم شاركت في كثير من المحاضرات التوعوية وأنا الآن عضو في اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات نجوب مناطق المملكة ونلقي المحاضرات على طلاب المدارس إيماناً منّا في اللجنة بأن هذا الشاب هو أخي وابن أخي وابن جلدتي ووطني وقد جربت هذا الشيء ولا أحب ذلك لشبابنا وألاّ يتعرضوا لما تعرضت له من تجربة مريرة.
* كيف ترى مدى تجاوب الشباب مع هذه البرامج والمحاضرات؟
- نحن نحتاج إلى نشر الوعي وبعض الشباب لديهم جهل بهذه الأمور والبعض يدرك أن المخدرات مستنقع من الوحل وهي تقود إلى الضياع والدمار، والدولة رعاها الله لم تقصّر فقد أنشأت الكثير من المراكز لهذا الشأن، والمشكلة التي تواجهنا أن هناك شريحة من المجتمع ترى بأن عقد مثل هذه الندوات والحديث عن المخدرات أمر غير مستحب وهذا خطأ والبعض يرى في الأمر حرجاً خصوصاً على من يتكلم عن تجربته السابقة عن المخدرات وهي مرض لابد من استئصاله والتعامل مع المدمن لابد أن يكون على أساس أنه حالة مرضية يجب معالجتها ولا أنكر في هذا الصدد بأن نظرة الآخرين لي بأني إنسان سيئ جعلت مدة التعاطي تزيد وبالتالي زادت فترة العلاج وللأسف هذه النظرة قائمة وفي نفس الوقت هي قاصرة فالشخص المتعاطي لا يستطيع معالجة نفسه بنفسه لذلك لابد من الأخذ بيده وانتشاله مما هو فيه، والآن ولله الحمد وبجهود الدولة رعاها الله أصبح لدينا أكثر من خمسة آلاف متعافٍ.
* بعد أن تجاوزت تلك الفترة القاسية في حياتك هل راودتك نفسك للعودة إلى تعاطي المخدرات؟
- لله الحمد والمنّة ليس لدي نيّة على الاطلاق والمسلم لا يلدغ من جحر مرتين، وهناك نقطة أريد توضيحها وهي أن الشخص بعد فترة التوقف يشعر بحالة من الاشتياق للمادة التي تعود عليها قد تؤدي إلى انتكاسة ولكن بمتابعة البرامج العلاجية والتثقيفية وقبل ذلك قوة الإرادة لدى الشخص وبتقوية الوازع الديني كل هذه العوامل تساعد المتعافي على عدم العودة بعد أن عافاه الله، كما أن الاهتمام بالمتعافي من قبل الدولة خصوصاً أنه يشعر بفراغ كبير حيث إنه غالباً يكون قد فصل من عمله وأسرته قد تكون لا ترغب فيه كثيراً فقد توجهت توجهاً كريماً على أساس أن هذا الشخص جزء من المجتمع ولابد أن يعامل كعضو نافع فبدأوا بفتح باب الوظائف لهم وساعدوهم في الحصول على وظائف جديدة أو بإعادتهم إلى أعمالهم السابقة ومساعدتهم في تكوين أسرة نافعة وهذا شيء جميل نسأل الله أن يثيبهم عليه.
* بعد هذه التجربة المريرة ماذا تود أن تقول للشباب؟
- نحن نسمع الكثير من النصائح ولكن لا نعمل بها وأنا أطلب من الشباب تجربة هذه النصائح والاستماع وحده لا يكفي بل على الشاب أن يعيها أولاً ويطبّقها لأن النصيحة عادة تقدم من خبرة وتجربة وواقع ملموس وأنا من الذين عاشوا ذلك الواقع وأتمنى من كل شاب أن يعطي نفسه فرصة للتفكير قبل الإقدام على أي عمل وأقول لهم ناصحاً الحذر كل الحذر من طريقة عرض المخدرات حيث إنه من غير المعقول أن يأتيك شخص ويقول لك هذه مخدرات وانك باستعمالها سوف تدمن عليها بل العكس فهو يزينها لك ويسميها بأجمل الألقاب إلى أن تقع فلا تستطيع النهوض وأهمس في أذن أخي الشاب قائلاً إذا رضيت لنفسك أن تكون فريسة فاجعل من نفسك فريسة صعبة المراس وعليك أن تدرك أخي الشاب النهاية قبل البداية.
* ماذا تحب أن تضيف في نهاية هذا اللقاء؟
- أنا أقدم شكري لك وللإخوان في إدارة مكافحة المخدرات وعلى رأسهم مدير الإدارة المقدم خالد الجهني وذلك بإتاحة الفرصة لي بزيارة منطقة الجوف حيث إن لدي إيماناً كاملاً بأني صاحب رسالة وعليّ أن أؤديها رغم أن الكثير من المتعافين يرفض هذا الأمر ويشعر بالحرج من المشاركة في مثل هذه البرامج، حيث أرى لزاماً علي أن أقف أمام إخواني الطلاب وأقول لهم احذروا، كما أتقدم بالشكر الجزيل لسعادة اللواء سلطان الحارثي مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وسعادة سكرتير اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات عبدالاله الشريف فهؤلاء لهم الفضل بعد الله في هدايتي كما أخص بالشكر سعادة مدير مستشفى الأمل بالدمام محمد الزهراني الذي احتضن آلاف المتعاطين ويساعدهم بتفانٍ منقطع النظير ولديه استعداد لتبني مثل هذه الحالات ومساعدتهم في إيجاد وظائف وفي هذه المناسبة أتمنى من كل شخص متعاطٍ ولديه الرغبة في العلاج أن يتوجه إلى مستشفيات الأمل ويرى صدق كلامي من عدمه حيث إنني أعتبر نفسي تجربة حية وشاهداً على ما أقول فلا تتردد يا من جربت أكثر من نوع من المخدرات ولأكثر من مرة فالمانع أن تجرب طريقة واحدة للعلاج.
وأختم بالقول: (إذا كانت الهاوية بخطوات لماذا لا يكون النجاح أيضاً بخطوات).

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved