Tuesday 29th july,2003 11261العدد الثلاثاء 29 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ثقافة الموهبة واستثمار المستقبل ثقافة الموهبة واستثمار المستقبل
د. محسن بن عبدالرحمن المحسن*

في زمن الأسئلة المشروعة يمكن أن نتساءل بعفوية صادقة: هل نملك حقاً مواهب وقدرات؟ هل لدينا موهوبون وموهوبات أم أن الموهبة أصبحت جزءاً من إرث سابق نتابكى عليه أم تحولت إلى شعارات عامة مجردة هي فقط لإثبات الحضور والتباهي بها أمام الآخرين؟ هل لدينا برامج متخصصة تُعنى بالموهبة وأصحاب المواهب والقدرات؟ وإن كانت موجودة فأين هي؟ وأين الإعلام عنها؟ وما حجمها أمام التنافس العربي وليس الدولي؟ هل لدينا سياسات أسريةوتربوية طويلة المدى لإنتاج مواهب وقدرات؟ هل لدينا برامج إعلامية ترعى وتتبنى الموهوبين والموهوبات؟ أجزم بأن نوع هذه الأسئلة كثير جداً، يمكن اختصاره بسؤال واحد وهو: ما حجم ثقافة الموهبة لدينا؟
ثقافة الموهبة أعني بها التهيئة المقصودة للمناخات التي يمكن أن تنمو فيها الموهبة، وتتوالد فيه من غير خوف أو قلق، الثقافة التي يمكن أن تنتج لنا موهوبين وموهوبات نفتخر بهم محلياً ودولياً، يمكن أن يساهموا في صياغة مستقبل دولة وأمة، ثقافة الموهبة هي التي يمكن أن نخطط لها كمجتمع وأن نقرأ مستقبل المجتمع من خلالها، ثقافة الموهبة يعني أن يتحول جزء من نشاطنا الثقافي إلى الحديث عن الموهبة وعالمها وظروف نشأتها وكيفية بنائها داخل كل أسرة وكل مدرسة وكل محضن تربوي، ونعني بها أن تكون الموهبة والاهتمام بها وبالموهوبين جزءاً من حياتنا العامة ومن أفكارنا واهتماماتنا وأن تحظى برامجنا التربوية والتعليمية بمزيد عناية ورعاية بها، وأن تتوجه وسائل الإعلام نحو صناعة الموهبة وتوظيفها التوظيف المناسب لقدراتها، وأن نشاهد الملتقيات وورش العمل التي تعنى بالموهوبات والموهوبين تضج بها المنتديات التربوية، ثقافة الموهبة يعني أن تكثر التساؤلات حول ماهية الموهبة؟ وكيف يمكن التعرف عليها؟ وما عوائق الموهبة؟ أسئلة تربوية على شاكلة: كيف يمكن أن أنمي الموهبة لدى أبنائي؟ وأين مراكز تنمية المواهب والقدرات؟
إن انتشار هذه الأسئلة يدل على مستوى ثقافة المجتمع ومؤسساته ومدى عنايته بالموهبة وصناعتها والتخطيط لها مستقبلاً، إن ثقافة الموهبة هدف كل مجتمع وكل أمة وكل حضارة، لكن لا بد من بذل الجهد واستفراغه في تحقيق ذلك، ولا يمكن أن نرى هذا الجهد من غير رؤية مشتركة وعمل جماعي منظم، فالموهبة هي المولد الحقيقي لثقافة كل أمة وكل حضارة، واستثمار المواهب يعني استثمار المستقبل والمشاركة في صناعته بكل قوة، وحينما تغيب قدرات أمة عن خلق موهوبين وموهوبات فهي أمة مقبلة على سنين عجاف في الصراع الحضاري، وهي أمة تعاني من عجز داخلي مستتر يقرض ويقوض مكتسباتها مع الزمن لتستقيظ على تيه حضاري!
ومع ذلك فلابد من طرح مبدأ التشاؤم بعيداً ونحن نربي في أبنائنا ثقافة الموهبة ونسعى لتجذيرها في مجتمعنا، فالتفاؤل شرط نفسي مهم في عملية صناعة الموهبة، وأنى لثقافة أن تنجح في تفويج مبدعين أو موهوبين وهي مصابة بمرض داخلي عنوانه الهزيمة النفسية!
إن بناء الداخل شرط أساس لبناء الخارج، فالشعور بالثقة والأمن النفسي والبعد عن الاحباطات والقلق مفردات مهمة في تكوين مناخ الموهبة وصناعتها.
أجزم بأن المواهب والقدرات متناثرة على خارطة هذا البلد لكنها مستترة خلف حواجز متعددة بأشكال وألوان متباينة، عشرات المواهب والقدرات هنا وهناك لكنها تتطلع إلى الفرصة السانحة لإعلان ميلادها، وتنتظر من يأذن لها بنثر إبداعاتها وقدراتها وترجمتها إلى تنمية شاملة تفيد مجتمعها ووطنها، والتحدي الحقيقي هو في استكشاف تلك المواهب وإبرازها، فنحن أحوج إلى تقنين آليات البحث والكشف عنهم، نحن نحتاج إلى فريق «كشافة» مجموعة من الكشافين والكشافات يجوبون المدارس والمنتديات الثقافية والتربوية بحثاً عن المواهب وأصحاب القدرات المتميزة.
دعونا نؤسس لعمل جماعي يساند المؤسسات الأخرى في صناعة الموهبة، يبدأ بالأسرة والمدرسة وينتهي بوسائل الإعلام المختلفة بحثاً عن تلك المواهب ودعماً وتشجيعاً لها وإبرازاً لقدراتها ومواهبها، ولنجعل لنا يوماً إعلامياً تتبناه إحدى صحفنا القائمة كل سنة يتحدث فيه الإعلاميون والتربويون وأصحاب الخبرات والتجارب عن الموهبة وبنائها وعوائقها وتقويم برامجها وتشجيع المواهب والقدرات، وليكن يوم الموهبة هذا يوم للجميع رجالاً ونساء، ودعونا ننتظر عوائد واستثمارات هذا اليوم في مستقبل حياتنا القادمة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved