Saturday 2nd august,2003 11265العدد السبت 4 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأمن أهم مطالب الحياة الأمن أهم مطالب الحياة
د. زيد بن محمد الرماني/ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

يعتبر الأمن من أهم مطالب الحياة، بل لا تتحقق أهم مطالبها إلا بتوفره، حيث يعتبر ضرورة لكل جهد بشري، فردي أو جماعي، لتحقيق المصالح العامة للجميع.
والتاريخ الإنساني يدل على أن تحقيق الأمن للأفراد والجماعات الانسانية، كان غاية بعيدة المنال، في فترات طويلة من التاريخ، وأن الأمن لم ينبسط على الناس في المعمورة الا خلال فترات قليلة.
فالحرب والقتال بين البشر، ظاهرة اجتماعية لم تختف حتى الآن، وكان تغير الدول والامبراطيوريات قديما ونشأتها وضعفها وانتهاؤها، مرتبطاً في الغالب بالحروب ونتائجها.
إن الأمن معنى شامل في حياة الإنسان ولا يتوفر الأمن للانسان بمجرد ضمان أمنه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج الى الأمن على عقيدته التي يؤمن بها وعلى هويته الفكرية والثقافية وعلى موارد حياته المادية.
يقول د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي في كتابه «الأمن في حياة الناس»: إن تكامل عناصر الأمن في مجتمع معين، هو البداية الحقيقية للمستقبل الأفضل، وتوفر عناصر الأمن الديني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وبقاؤه في المجتمع، ضمان له لاستعادة أمنه الخارجي حتى لو فقده بصفة مؤقتة.
*، ويقول عز وجل: {وّإذً جّعّلًنّا البّيًتّ مّثّابّةْ لٌَلنَّاسٌ وّأّمًنْا} *البقرة: 125*، ويقول سبحانه: {وّضّرّبّ اللَّهٍ مّثّلاْ قّرًيّةْ كّانّتً آمٌنّةْ مٍَطًمّئٌنَّةْ} *النحل: 112*.
فالأمن على نفس الانسان وعلى سلامة بدنه من العلل والأمن على الرزق، هو الأمن الشامل الذي أوجز الإحاطة به وتعريفه حديث رسوله الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» رواه البخاري رحمه الله في الأدب المفرد.
إن الفطرة الإنسانية تقتضي الاجتماع، ومتى وجد جماعة من الناس، تعيّن أن تقوم فيهم سلطة حاكمة ترى مصالحهم، وتعمل من اجل بقائهم وتقدمهم وتحجز بين افرادهم حين تختلف المصالح.فالمسلم يحتاج في إقامة دينه وأداء شعائره والأمن على نفسه وعرضه وماله إلى مجتمع آمن، حتى ولو كان يعيش في بلد ومجتمع غير مسلم. فالأمن من أول مطالب الانسان في حياته.
إذ يحتاج الفرد في حياته الى الامن على نفسه ودينه وعرضه وماله.
لذا، جعلت الشريعة السمحة الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها.
فأنزلت الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، منزلة الضرورة التي لا تستقيم الحياة الا بها.وجعلت حاجات الانسان التي تُيسر حياته في مرتبة تالية (مرتبة الحاجات).
وأفسحت مجالاً تكتمل به حياة الإنسان، فيما عدته من الكماليات والتحسينات.
فلا شك، أن أمن الإنسان لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت له ضرورات الحياة هذا في أي مجتمع يعيش فيه.
إن الأمن الفردي أي أمن الانسان على نفسه وماله وعرضه، ضد أي اعتداء يقع عليه من غيره، مكفول عن طريق تطبيق الأحكام الشرعية، التي تحمي الأنفس والأعراض والأموال.وولي الأمر مسؤول عن اقامة حدود الله حماية للأفراد، ومنعاً لإنتشار الفساد وشيوع المنكر في المجتمع.
إن المجتمع المسلم محتاج للأمن الاجتماعي، بحيث يكون المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» متفق عليه.
وفي مجال الأمن الاقتصادي، نجد الإسلام يحض على العمل ويدعو الى اتقانه، حتى يصبح عمل المسلم متميزاً عن عمل غيره يقول صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» رواه البيهقي في الشعب.
وقد وجّه الإسلام إلى العدل في التوزيع، فلا يحرم عاجز وضعيف من ضرورات حياته وحاجاته الأساسية، وكذا أن يكون الاستهلاك قصداً، بحيث لا إسراف ولا تبذير وأن يعطى الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، وأن يوفر المجتمع مقومات كفايته من أجل أمن اقتصادي حقيقي واكتفاء ذاتي واستقرار اقتصادي.
والأمن الثقافي مطلب لأفراد المجتمع المسلم بحيث يعيش الناس في بلادهم آمنين على أصالتهم وعلى ثقافتهم المستمدة من دينهم. فلابد من تحصين أفراد المجتمع ضد الملوثات الفكرية والغزو الثقافي والتغريب والمفاهيمي.
ومن دلائل روعة الإسلام، أن الأمن لم يقتصر على المسلمين، بل ان غير المسلمين كان لهم نصيبهم من الأمن على انفسهم وأعراضهم وأموالهم.
ولم يقتصر الأمن في الإسلام على حماية من يعيش في مجتمع مسلم، في حياته الدائمة والمستقرة بين أسرته وفي مقر عمله الذي يتكسب منه وهي حالة الذميين.
وإنما تجاوزت ذلك إلى حماية المخالف في الدين، الذي يحضر الى بلاد المسلمين للعمل أو التجارة او لشأن من الشؤون المباحة، بإذن من ولي الأمر، ويكون حضوره مؤقتاً بانتهاء العمل، أو قضاء المصلحة التي يبتغيها.
هذا هو الأمن على الأنفس والأبدان والأموال والأعراض، حين يتعامل المسلم مع غيره في شؤون الحياة وحتى حين يعاشر المسلم زوجته الكتابية التي تصبح من أقرب الناس إليه.
ولقد أدرك الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، منذ توحيد المملكة على يده ان الأمن من أهم مطالب الانسان.
فقدجاء في إحدى خطبه، ما يجعل هذا المعنى واضحا جليا، حيث يقول:
«إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون، لذلك أطلب من الجميع ان يخلدوا للراحة والطمأنينة، وإني احذر الجميع من نزغات الشيطان، ولاسترسال وراء الاهواء التي ينتج عنها افساد الأمن في هذه البلاد، فإني لا أراعي في هذا الباب صغيراً ولا كبيراً، وليحذر كل انسان أن تكون العبرة فيه لغيره».وقد أشاد كثير من الباحثين وحتى من غير المسلمين بنجاح الملك المؤسس رحمه الله في حفظ أمن المملكة على اتساع أطرافها وتعدد مناطقها.
كما أشادت بالامن في المملكة العربية السعودية كثير من المؤتمرات العلمية والأمنية التي انعقدت على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.
وكان لجهد الملوك من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله، أثره الكبير في استقرار الأمن، وتقدم البلاد في جميع المجالات، فقد تابعوا جميعاً رسالة تحقيق الأمن والاستقرار بكل عناية واهتمام.
وقد شهد المؤتمر الثاني والثمانون لرؤساء الشرطة في العالم، والذي عقد بمدينة ميامي بأمريكا أن المملكة العربية السعودية هي أقل دول العالم جريمة وأكثرها أمنا.
فالأمن في مفهوم الدولة السعودية يشمل الفرد والمجتمع، والحماية من المبادئ والتيارات الهدامة وأصحاب البدع والأهواء.
يقول الملك عبدالعزيز رحمه الله في مدينة الطائف عام 1351هـ: أحذركم من أمرين: «الإلحاد في الدين والخروج عن الإسلام في هذه البلاد المقدسة».
والأمر الثاني: السفهاء الذين يسوّل لهم الشيطان بعض الأمور المخلة بأمن البلاد وراحتها..».
يتضح في الدولة السعودية مفهوم الأمن بأوسع معانيه، أمن الفرد على نفسه وعرضه وماله، وأمن المجتمع على دينه وقيمه الخلقية والاجتماعية، وأمن المسلمين حين يحتاجون إلى المساعدة حتى في خارج المملكة العربية السعودية.وللأسف فإنه في عهد حقوق الإنسان، الذي تعترف فيه كثير من المجتمعات بكرامته وحقه في الحياة وفي التكافل الاجتماعي والمشاركة العامة، تنتهك الأعراض وتسلب الأموال، ويشتد ساعد عصابات الاجرام، وتقف كثير من الحكومات عاجزة عن التصدي للفساد المستشري: جرائم غسيل الأموال القذرة جرائم الاغتصاب، جرائم السرقة والقتل والبغاء والرشوة، جرائم المخدرات.
ومن الاحصاءات المؤكدة لتوافر الأمن في المملكة العربية السعودية ومحدودية الجرائم، الاحصاء السنوي للجرائم في المملكة والذي أظهر ان عدد الجرائم في جملته عدد قليل، بالنسبة لعدد السكان، وإقامة أعداد كبيرة من الوافدين للعمل من مختلف الجنسيات.
وأن مرتكبي هذه الجرائم، هم من الأفراد، وأن الجريمة في السعودية جريمة فردية، وليست من جرائم التنظيمات الاجرامية أو العصابات.
في حين نقرأ أن جريمة قتل تقع كل عدة دقائق أو عدة ساعات، في بعض بلاد العالم المتقدم، وأن عدد الضحايا في القتل العمد يبلغ آلاف الأنفس.
إن قلة عدد الجرائم في المملكة وضآلة عدد الجرائم الخطيرة مثل قتل النفس والخطف أو الحريق المتعمد لا يرجع الى الجهد الأمني وحده، مع عظم الجهود المبذولة من اجهزة الأمن والمسؤولين فيها.
وإنما يرجع قبل ذلك الى توفيق الله، ثم الى الترغيب في الهداية والترهيب من الغواية، والتزام الدولة السعودية بالاسلام وتطبيق أحكامه، وقيامها بالدعوة إلى فضائله، والتزام شعب المملكة في جملته بأحكام الدين الإسلامي وآدابه، وما تسهم به الهيئات والأجهزة المختصة في حفظ المجتمع وأمنه.
إن أهم الامور التي يتأسس عليها الأمن في المجتمع المسلم، تطبيق الشريعة الاسلامية.
ذلك أن المجتمع المسلم مكلف بالحفاظ على الديِّن الذي هو أول الضرورات وأهمها في حياة المسلم.
وتطبيق الشريعة يعني أن ولي الأمر والسلطات الحكومية يتبعون المنهج الآلهي..
إن الشريعة الإسلامية تحقق العدل في علاقات الأفراد فيما بينهم وفي علاقة الحكام بالمحكومين.
ومن شأن اختيار المنهج الإلهي نظاماً اجتماعياً أنه يجنّب المجتمع التفرق والانقسام والتمزق، الذي يحدث عند اختيار منهج آخر من وضع البشر.
ومما يحقق الأمن في المجتمع المسلم أمر تظهر أهميته في العصر الحديث، لاسيما في بعض البلاد الاسلامية، ألا وهو بيان وسطية الإسلام، والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومواجهة التطرف والغلو، والإرهاب المتستر بالدِّين.وختاماً أقول إنّ أحكام الشريعة الإسلامية حين تطبق في جميع مجالات الحياة، نظاما اجتماعيا، تضمن للمجتمع أمنه الخارجي والداخلي.
إذ ان قواعد الشريعة فيما يتعلق بأمن المجتمع الخارجي تفرض أن يُعد المجتمع العدة للدفاع عن نفسه.
والأمن الداخلي تكفله أحكام الشرع الاسلامي المتعلقة بحرمة الأنفس والاعراض والأموال فيما بين الناس، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved