Saturday 2nd august,2003 11265العدد السبت 4 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مَنْ للمياه إذا أهدرت؟! مَنْ للمياه إذا أهدرت؟!
محمد حمد العبودي /الرياض

استطاع الإنسان في معظم الأزمنة والعصور، وفي حقبة طويلة من تاريخ حياته، أن يعيش بلا كهرباء وأن يزاول أعماله بلا هاتف وأن يتنقل بلا وقود، وأن يطبخ بلا غاز وأن يمخر عباب البحر بلا عبارات أو سفن ضخمة تسيرها الآلة، لكنه لم يستطع يوماً ما أن يعيش بلا ماء.
قال تعالى {وّجّعّلًنّا مٌنّ المّاءٌ كٍلَّ شّيًءُ حّيَُ} الأنبياء، وفي عصرنا هذا فتح الله على بني آدم من المبتكرات، وسخر له من عجائب الصناعات، وحباه من جديد التقنيات ما وفر له المياه ثرة عذبة في كل مكان وزمان، يرفل في وفرتها، ويتقلب في أفيائها، ويشرب من نميرها، ويستحم من صنابيرها، ويتمتع بخريرها وسلسبيلها، ويسعد باستمرارها وبقائها.
غير أن السواد الأعظم من الناس لم يقدروا هذه النعمة حق قدرها، ولم يعرفوا حجم هذا الفضل الجزيل، ولم يدركوا عظم هذا الخير الفضيل، فانساقوا وراء أهوائهم، ودرجوا خلف أنفسهم الأمارة بالسوء يهدرون بلا هوادة وينزفون بلا تعقل ويفتحون حنفيات الماء بأيديهم لا بعقولهم، لأنهم لم يعانوا يوماً واحداً من شح المياه، ولم يرجعوا بالذاكرة إلى الوراء، يوم أن كان الماء يجلب إلى البيوت بالقدور أو الصفائح بواسطة النساء أو الشباب، وينزع من الآبار بالدلاء والأسقية.
إن علينا أن نعرف نعمة الله علينا ونحمده على ما سخر لنا من أساليب التحلية والتبريد والتسخين، وما رزقنا من وسائل التخزين وآلات الرفع والمحابس والتوزيع، وما يستعمل في البيوت من تقنيات الفلترة والتنقية، حيث إن باستطاعة الفرد أن يتناول الماء بجميع حالاته إما مبرداً وإما مغلياً وإما بين ذلك قواماً في لحظات قليلة ودقائق معدودة حتى أصبح صنع كوب من الشاي لا يتجاوز دقيقة واحدة، وأصبح في مقدور المرء أن يستحم بالماء المناسب في جميع الأوقات وتحت أي طقس ولله الحمد.
لقد ارتضت شريحة من بني البشر على نفسها أن تسرف ولو على حساب الآخرين، فراح بعضهم يغسل السيارة عند باب بيته أو داخل الفناء بالمياه العذبة المحلاة، وبعضهم يسقي مزرعته بلا حساب مما يشرب الناس، وسعى بعضهم إلى غسل الأفنية والأرصفة بل والشارع المقابل لمنزله بالماء النمير في ظل غياب الرقيب والضمير.
ويترك بعضهم صنابير الحدائق ودورات المياه العامة والخاصة تنزف بكل برود وتتدفق بلا حدود.
أما الإهمال في صيانة العوامات والمفاتيح وصناديق الطرد وسدادات الإقفال، والتسربات المائية الخفية والظاهرة فحدث ولا حرج، حيث تجد وأنت تسير في بعض الأحياء ما يشبه الأمطار مما ينبعث من المكيفات الصحراوية التي مر عليها عشرات السنين دون صيانة أو من عدادات المياه القديمة أو المقسمات الحديدية، التي أكلها الصدأ، أو من الخزانات المشتركة في الوحدات السكنية التي لا تجد من يعلق الجرس، ناهيك عن مواسير الزائد من الخزانات التي تُنسى ليلاً فتملأ الأحياء وتشكل في الأراضي الخالية من العمران بحيرات صغيرة وجداول مثيرة.
إننا إن لم نتعاون مع المسؤولين حول هذا المرفق الحيوي الهام فسنجد أنفسنا أمام مشكلة صعبة، وسوف نندم ولات ساعة مندم على الإهمال والإهدار، وسنضرب كفا على كف على النتيجة التي صنعناها بأنفسنا ولأنفسنا.
أيها الآباء ويا أيتها الأمهات يا من حملكم الله الأمانة ووضع على عاتقكم المسؤولية خذوا على أيدي المسرفين، وأرشدوا ورشدوا قبل أن يحصل ما لا تحمد عقباه، وقبل أن نأكل حصاد أيدينا وقبل أن يكون ترشيد الماء أمراً مفروضاً علينا.
وفي هذا الصدد فلا بد أن أتطرق إلى ما يدور في خلد بعض المواطنين أو الوافدين من أن الاهتمام بأي مرفق خاص محصور على من وُلُوا أمره وأن دورهم هو الاستفادة وقضاء الحاجة فقط، وهذا يعني أنه لا ناقة له ولا جمل حينما يمر على الصنابير المهملة أو يشاهد شلالات المياه تتدفق من المنازل، أو يعبر قناة من الماء سببها تلف في إحدى مواسير الحي هل نريد من الدكتور غازي أن يمر على كل حي ويغلق حنفياته المفتوحة؟
هل نترك لأحد موظفي مصلحة المياه والصرف الصحي أن يصون مواطيرنا أو مواسيرنا؟
إننا لم نعف القائمين على الماء من مسؤولياتهم الجسيمة ومتابعاتهم الدائمة والتشديد على المهملين والمسرفين لكننا إذا وضعنا أيدينا في أيديهم حول هذا المرفق الحيوي الهام نتج عن ذلك سبب هام يكفل استمرار انسياب المياه وتوفرها في كل بيت، ويخدم المصلحة العامة لشعب هذا البلد الأمين والوافدين إليه، حفظ الله وطننا من كل سوء وأدام علينا نعمه الظاهرة والباطنة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved