Friday 8th august,2003 11271العدد الجمعة 10 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة قصيرة قصة قصيرة
القصاص
منيرة مرزوق البقمي

في مستشفى الامراض النفسية والعصبية، كانت عايدة تقبع في ركن السرير بلا حراك وعيناها تحدقان في الفراغ، ولولا تنفسها لبدت وكأنها تمثال.. ثم لا تلبث ان تنظر حولها بعينين جاحظتين، ينتابها الخوف.. العذاب.. ويتسرب الى قلبها وصدرها وجسدها بأكمله، فيقشعر بدنها وترتعش اناملها وتستسلم لعذاب الضمير فتتحول شيئا فشيئا الى حطام.. الكل في المستشفى يعرف حكايتها.. قبل ايام بدت ابتسامة ماكرة على شفتي عايدة الرفيعتين وهي تنظر الى التلميذة التي طأطأت رأسها امام هذه المعلمة المتسلطة المستبدة خجلا من اهمالها.. وراحت تحدق بالارض ولكنها لم تلبث الا ان ارتجفت حينما شدتها معلمتها القاسية بقوة قائلة: لن ينفع مع تلميذة بليدة مثلك الا المكوث بقية الحصص في مخازن الكتب بين العناكب والفئران.. سارت عايدة بخطى سريعة وهي تجر الصغيرة خلفها والتي كانت تحاول مواكبة خطوات معلمتها. فتحت عايدة احد المخازن ودفعت بالصغيرة داخله واقفلت الباب لتدس المفتاح في جيب تنورتها بدون ادنى احساس بالرأفة.
كانت سعادة المعلمات الغامرة بيوم الاربعاء لا توصف، وهن ينتظرنه على احر من الجمر، فالجو الشديد البرودة يجبر معظم الاسر في المنطقة على الذهاب للمشتى الذي يبعد اكثر من مائتي ميل عن القرية وذلك لقضاء عطلة نهاية الاسبوع متمتعين بالدفء واشعة الشمس التي لم يروها منذ ايام، وكانت عايدة على اهبة الاستعداد ايضا للذهاب الى المشتى بعد نهاية الدوام مباشرة.. استمتعت عايدة بوقتها فتنزهت في الحدائق والاسواق والمطاعم وقد انساها الشيطان امر التلميذة المسكينة والتي قلبت الدنيا بحثا عنها فانتشرت الدوريات والمروحيات في كل مكان.. وتم اعتقال بواب المدرسة الذي بداالذعر على وجهه اذ انه في موقع المسؤولية.. وكانت عايدة في هذه الاثناء تستعد لغسيل الملابس عندما وجدت المفتاح في جيب التنورة التي كانت ترتديها.. فصرخت بقوة وقد تذكرت التلميذة التي لا يعلم احد سواها بوجودها في المخازن النائية عن المبنى الرئيسي للمدرسة.. اخبرت زوجها الذي ادرك خطورة الوضع وبادر الى اصطحابها عائدين الى القرية.. كان وجه عايدة شديد الشحوب وهي تلعن تلك الفكرة الشيطانية التي اعترتها وترجو ان تكون الفتاة بخير.. تسارعت دقات قلبها عندما وصلت الى بيت الحارس بعد الظهر والذي كان معتقلا في هذه الاثناء.. فاتجهت برفقة زوجها الى مركز الشرطة الوحيد بالقرية طالبة العون والمساعدة لتجد الحارس امامها وبيده المفتاح.
اتجهت كالمجنونة الى المخازن والذعر ينهشها ويجتاح كيانها فكانت اصابعها تخطىء موقع ثقب المفتاح ولكنها سقطت على الارض منهارة وقد غشي عليها عندما تمكنت من فتح الباب ورأت ما رأت.. ذهل رجال الشرطة الذين رافقوها من ذلك المنظر الذي رأته ورأوه، في حين تسمر زوجها مكانه وزوجته ما تزال ملقاة على الارض، في حين اقبل احد رجال الاسعاف الذي وصل لاحقا حاملا الطفلة التي فارقت الحياة وبدت جاحظة العينين وقد تحولت بعض خصلات شعرها الى اللون الابيض، لقد كان منظرها مقززا مما يدل على معاناة الصغيرة مع النوبات الفزع والهلع قبل مفارقتها للحياة.. وفجأة.. اخترقت اذانهم صرخات اهل الطفلة الذين وصلوا للتو، التفت والدها مرددا بهستريا «مات؟!» فرد عليه الضابط والذي يعرف تماما ان هذه هي ابنته الوحيدة بين ستة أولاد «وحد الله يا رجل» ولكن والد الطفلة صرخ بصوت اقرب الى البكاء «القاتل يقتل».. اسرة الطفلة المسكينة ينتظرون النظر في القضية مطالبين بالقصاص.. اما عايدة فلا تزال نزيلة مستشفى الامراض النفسية وقد اصابها تشتت عقلي مفرط وفقد للنطق.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved