Friday 8th august,2003 11271العدد الجمعة 10 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سوء تفاهم سوء تفاهم
باسل السويركي

بداية تخيل، -آسف- أعرف أنك لن تستطيع أن تتخيل، لأن المخبرين يسكنون في عقلك وأقمار المراقبة مسلطة على قلبك، وجسدك مسجون في لقمة عيشك.
إذا تصور! أعتذر إليك لأنه لن يكون بمقدورك أن تتصور كم ستكون فرحاً عندما تفوز بأربع صور شخصية، واحدة للجواز أو الهوية والثانية لتستلم الغذاء من الجمعية والثالثة لاسرائيل الفتية والرابعة لتتحسر على شبابك عند قدوم ساعة المنية.
لكن ما الحل؟ حاول أن تنام نومة ذهنية، وأغلق عينيك برفق حتى لا تزعج الأنظمة الهزلية، ثم إياك أن تتقلب في نومك فهذا دليل على أنك لم تنم بعد، وإذا حلمت بكابوس فإياك أن تستيقظ فقد يكون ذلك فيلماً لم يشاهده أحد قبلك ولن يراه أحد بعدك، وأحمد الله على أنه لم يطلب منك دفع ثمن تذكرة لدخول سينما الأفلام أو الأحلام والمشاهدة كانت بالمجان، وما عليك إلا أن تعيش حياتك لحظة بلحظة وسيكون لك نصيب الأسد في مشاهدة ما لذ وطاب، من موت الأحبة والأصحاب.
صدقني أيها القارئ أنا لم أعد أفهم ما أقول، لكن أمهلني لحظة من وقتك.
تخيل أو تصور أو عش كابوساً يقتحم عليك باب بيتك في شكلهم بشر وفي الأصل هم وحوش في ملامحهم آدمية وفي الأصل هم قتلة النبيين، في تاريخهم تأويل وعلى خراب ديارنا يقيمون العزف والتطبيل، وفي عقر دارك يقيمون يشربون ويأكلون، بظلمهم يتغنون وبسفك دماء أختك الصغيرة يحتفلون وفي أوطاننا يتكاثرون ويتناسلون بالله عليك ما أنت بصانع؟ هل ستكون عاملاً لديهم في أحد المصانع؟ بالطبع لن تقبل بهذا! ولماذا؟ لأنك صجية في زمن الوحوش الآدمية والذئاب البشرية، لأنك في صفحات الزمن حواشٍ، والحواشي في أسفل الكتب الأدبية، آخر ما تكتب، وأنت مازلت تكتب، والكل يشاهد ولا أحد منهم شاهد على كل تلك المذابح والمشاهد.
هل تتذكر يوم رحل جدي وجدك وسوط اسرائيل يمعن في ظهره؟ هل تعرف ذلك (الثور) الذي يرعى كيف وصل إلى بلادنا؟ ومن منحه الحق هنا! بالطبع لن تعرف لأن اللصوص تقاسموا الغنيمة وفلسطين لم يسلم أهلها ولم يعد بها أرض سليمة، والغريب في الأمر أن صاحب الحق ينسى فاعل الجريمة.
قل أيها الزمان مقولتك القديمة «ما ضاع حق وراءه مطالب»، ودعونا الآن من التصفيق لأبطال الملاعب، وتذكروا ان للقدس جرحاً نازفاً من تلك المخالب.
لكن وللأسف لم نعد بخفي حنين على طول الدرب، بل كان حنين حافيا يقف على رأس طريق الهزيمة، جنين تلك النسمة الحرة في زمن السكون ، تلك الشوكة في حلق بني صهيون، ماذا تبقى يا لسان (الضاد) الضياع بدأ منذ الأجداد، والخراب والدمار طال كل الأحفاد.. وأنتم لا دخل لكم لأن الأمر مجرد مناوشات بالأيدي والأحذية حتى لو خرجت رصاصة فلم تكن بقصد، والأمر لايستحق إسال المد، فكلها مئات السنين وسنضع لاسرائيل حدا.
من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب التهمت اسرائيل الأخضر واليابس، وبقي الكل في بيته وهو جالس، فهذا قدر الله في الأرض وماهو واقع واقع (واللي فات مات) وداعاً لآهات الأمهات، فلم يعد في القلب صوت ينادي لأنه لم يعد أحرار في بلادي وهمنا صار تقبيل الرؤوس والأيادي.
ماذا جنينا بعد التطبيع شربنا كؤوس الذل وحفظنا دروس التركيع، سبع عجاف أكلن أطفالنا وسرقن البسمة من أفواهنا، ماذا تبقى؟ كرامتنا تسير عارية بين حلبات المعابر، وجندي أجرب يقف فوق رؤوس الطوابير ويكابر، ونحن أهل الدار نحمل على أكتافنا المقابر ونسلم رقابنا ونرشف كأس المهانة قبل الموت وموتنا في صمتنا هادر، يا لهذه المهازل.
قم يابني، عرض القدس خائف، وأمام بابي يا صلاح ذئب يغازل، يا لسان العرب كم قتلتني وأنا في مدحك نازل، فما جنيت سوى الموت وهدم المنازل، ثم كنت أشري نفسي لأحيا يا لسان (البهادل)، لكنني بعد اليوم أيقنت ان السكوت من ذهب وأن الهروب من تحت وطأتك كل المراجل، وأقف الآن لأقرأ عليكم الفاتحة فزمانكم زمن الكذب والتوابل يا موتى في مقابر التنابل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved