Saturday 16th august,2003 11279العدد السبت 18 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
الكتابة عن المطر
عبدالله بن بخيت

طلب مني أحد الطلبة الجامعيين أن أكتب له موضوعاً عن المطر، شرط أن يقوم الموضوع على الصوت والصورة، أي أن أعبر عن صوت المطر الساقط وصورته مستخدماً التعابير والكلمات التي توحي بذلك وحدد طول الموضوع بصفحة ونصف.
فهو ككثير من الطلبة في المملكة لا يعرف كيف يكتب اسمه فضلاً أن يكتب موضوعاً عن المطر فوافقت لأنه من باب التواضع الزائف لو قلت له إنني لا أعرف أن أكتب عن المطر، فكل إنسان لا بد أن يعرف كيف يكتب عن المطر إذا كان يعرف كيف يكتب أصلا، لكن القضية لا تتصل بالكتابة ذاتها ولكن بالقارئ نفسه، فإذا كنت تكتب لقراء كثر لا يعرفون بعضهم بعضاً فالأمر سهل لكن هذا المقال موجه لقارئ واحد فقط وهو أستاذه الجامعي ولابد أن تعرف ميوله ورغباته وتوجهاته ومستواه حتى تستطيع أن تصل إلى العلامة المطلوبة.
سألت الطالب هل هو مثقف؟ استغرب سؤالي كيف يكون أستاذاً جامعياً ولا يصير في الوقت نفسه مثقفاً فقلت له (هذا بلا أبوك يا عقاب)، مشكلتنا كلها تكمن في هذه النقطة بالتحديد، حسب وجهة نظر الطالب أي أستاذ جامعي لا بد أن يكون مثقفاً، قلت هذا صحيح من حيث المبدأ ولكن ليس على الاطلاق.
فدخلنا في حوار حول تعريف كلمة مثقف، طبعا كأكثر الطلبة الجامعيين لا يعرف كيف يحاور لا يعرف كيف يحلل الكلمات فهو يعرف معنى كلمة (مثقف يعني مثقف) كمن نقول: فسر الماء بعد جهد بالماء، ثم خلص بذكائه لا بوعيه إلى أن المثقف هو من يقرأ الكتب ولديه مكتبة في منزله، في الأخير حلفت له أنني لا أعرف ما الذي تعنيه كلمة مثقف بالضبط ولكنها كلمة تحوم حول الجامعة وحول الكتب وحول الفهم وحول السياسة وحول الفكر وحول المجتمع وحول المياه وبالتالي لها علاقة بصورة أو أخرى بالمطر، فإذا كان أستاذك يحوم هذه الأشياء كلها أثناء محاضراته فسوف نعده مثقفاً ونكتب موضوع المطر موجها لإنسان مثقف، أما إذا كان يحوم حول فكرة واحدة أو يروج لإيدولوجيا واحدة مستلبا بها شكلا ومضموناً فسنكتب موضوع المطر لقارئ إمعة بغض النظر عن شهادته.
لم يفهم الطالب وجهة نظري ولم أستطع أن أوضحها له بالصورة التي تجعلني أعرف كيف أكتب موضوعاً عن المطر يؤمن له درجة النجاح، فقلت له إن أفضل طريقة هو أن نعزل المطر عن امتداداته ونحشره في الماء وفي البرق والرعد ونعود إلى أيام الابتدائية نحدد خيالنا بما تطوله أيادينا الصغيرة، فالعالم هو هذا الذي ينتصب أمامنا وما وراءه غير موجود، فقال كمن يعبر عن كثير من الطلبة الجامعيين: يا رجال اكتب عن المطر، المطر في الرياض والمطر في لندن والمطر عند المثقف والمطر عند الإمعة كله مطر في مطر، بس خلنا نأخذ علامة النجاح، فقلت له من أجل هذا الهدف أحاول أن أعرف هل أستاذك مثقف أم إمعة، أنا أدور وأحور حول أستاذك حتى أؤمن لك درجة النجاح المطلوبة، فإذا كان مثقفاً فسنكتب بحرية، أما إذا كان مؤدلجا فسوف نأخذ أفكاره ووجهات نظره ونحشوها في مقال مع تكرار كلمة مطر، فالإنسان المؤدلج عليك أن تكتب له ما يريد هو لا ما تريده أنت، أما أن تخدعه وتفوز بالعلامة وتتحول إلى مخادع عندما تتخرج أو أن تتحول في النهاية إلى إمعة مثله، أخيراً فهم الطالب وجهة نظري فكتبنا عن المطر وحققنا درجة النجاح المطلوبة رغم أنني نسيت الكتابة الإنشائية منذ زمن بعيد.
ملاحظة: المؤدلج هو الإنسان الذي يظن أن أفكاره التي يؤمن بها هي التي سوف تصلح العالم وأن أفكار الآخرين يجب محاربتها حتى بالسلاح.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved