Wednesday 20th august,2003 11283العدد الاربعاء 22 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عندما يتحول التعصب إلى عقيدة موروثة! عندما يتحول التعصب إلى عقيدة موروثة!
د. محسن بن عبد الرحمن المحسن

كيف تنظر الشعوب بعضها لبعض؟ بمعنى آخر ما موقف الشعب السعودي مثلا من الشعب الأمريكي وليست السياسة الأمريكية؟ كيف ننظر إلى الشعب الياباني أيضاً؟ هل نقبل على سبيل الافتراض أن نصادق أي يهودي في الأرض أو نتعامل معه في تجارة أو أن نقبله كعضو في جماعة؟ هل نساكن أو نتعايش مثلاً مع رجل ألماني في غرفة واحدة لفترة من الزمن؟ كيف ننظر للشعوب الأخرى بغض النظر عن ثقافتها أو جنسها أو لغتها؟ ما طبيعة الصورة النمطية التي نرسمها نحن تجاه الشعوب الأخرى؟ وكيف نقيم علاقتنا معهم؟ ومن يصنع هذه الصورة؟ هل السياسة/ الثقافة/ الدين تساهم من قريب أو من بعيد في رسم ملامح هذه الصورة؟ وما تأثير هذه النظرة بالتالي على رجل الشارع العادي/ رجل الأعمال/ المثقف/ السياسي؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها تحدد اتجاهات العلاقات بين الشعوب، وقد كانت بالفعل محل دراسات علمية كثيرة تناولت العديد من هذه المحاور.
أحد مفاتيح الإجابة على هذه الإشكالية يدور حول مفهوم يكاد يكون مفهوماً عالمياً ألا وهو التعصب، ومدى تأثر المجتمع أو ثقافة المجتمع به، وهو محور مهم يحدد هذه النظرة سلباً أو إيجاباً، وإشكاليته داخل المجتمعات قديمة وتتجدد مع الأحداث، ونظن لفترة من الزمن أنه اختفى لكن ما يلبث أن يظهر مرة أخرى دون مقدمات وبأشكال متعددة، منها التعصب الديني، والتعصب المذهبي أو التعصب الطائفي، والتعصب القبلي، والتعصب العائلي، وهناك أيضاً تعصب ضد الوافدين بشكل عام أو ضد القادمين من بلاد أو جنسيات معينة، وهذه الأشكال من التعصب قد تجد ما يدعمها ويغذيها في فكر وثقافة هذا المجتمع أو ذاك، كما تعتبر مناخات الاستبداد الفكري والثقافي منابع ومنابت للتعصب، ولعل الكواكبي عندما ألف كتابه طبائع الاستبداد كانت مخيلته تموج بصور ونماذج للتعصب التقطتها ذاكرته من هنا وهناك، لأن الاستبداد نتيجة طبيعية ومحصلة نهائية للتعصب، أو لنقل إن التعصب إحدى المقدمات الفكرية للاستبداد، أو نوع من التهيئة النفسية له، فالمتعصب شخصية استبدادية ينتقل من فضاء الفكر ورحابته إلى فرض فكرته أو رأيه أو منهجه من خلال رؤية أحادية بل يستميت في نشرها،وبذلك تنتفي عنده أي آلية للحوار أو الجدل أو الاختلاف أو مجرد المعارضة، وقد يتحول التعصب مع الزمن لعقيدة موروثة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل من غير رؤية علمية أو تبرير عقلي مقبول، وتصبح هذه العقيدة الدخيلة ضمن التركيب العضوي لتلك الثقافة، وقد وصف مرة غوستاف لوبون الغرب بهذه الصفة عند حديثه عن نظرة الغرب للإسلام، وهناك متطرفون في كثير من الثقافات يرون أن بعض الشعوب تتمتع بخيرات وموارد طبيعية وأراضٍ خصبة ومقومات حياة لا يستحقها هذا الشعب أو ذاك لأنه شعب خامل أو متخلف أو غير متحضر، وهناك من يعتقد أن جنساً واحداً في الأرض هو الأفضل والأقوى، وهو فقط الذي يستحق السيادة والريادة، الألمان كانوا يدعون أنهم أبناء سلالة فريدة وأنهم أصحاب عرق آري متميز ولا تزال ألمانيا تلد مع الزمن حركات عنصرية تعيد انتاج هذا التعصب مرة أخرى، واليهود نموذج آخر وقديم لهذا التعالي البشع على الجنس البشري، وسوف تجد بالتتبع صدى لمثل هذه الصور يتردد في كثير من ثقافات الأرض ومجتمعاتها.
قواميس العلوم الاجتماعية تعرّف التعصب بأنه أحكام مسبقة أو اتخاذ مواقف معادية تجاه فئة أو مجموعة أو شعب دون أخذ وقت كافٍ للحكم الصحيح أو البحث عن المعلومة الصحيحة، والاتكاء فقط على معلومات عامة وعابرة عند اصدارالحكم تجاه فئة أو شعب بعينه، كما أن التعصب هو خضوع تام لمفاهيم أو ثقافة الجماعة على حساب التأمل الفردي، أو هو محاولة لعدم تحكيم العقل وسحب أحكام عامة صنعتها الثقافة المحيطة والارتماء في أحضانها والاستسلام التام لمعتقداتها وآرائها، وقد عبّر عن ذلك دريد بن الصمة ببيته الشهير:


وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد

من أشهر وأقدم الدراسات التي تناولت الحديث عن نظرة الشعوب بعضها لبعض، دراسة بوجاردس أجراه في منتصف عام 1925م على عينة من الشعب الأمريكي بلغت 1725 شخصية، وكانت الدراسة تستفسر عن مجموعة من القضايا الاجتماعية من أبرزها قضية الزواج والسكنى والصداقة مع أربع فئات من الشعوب، وهم الألمان والإنجليز واليهود والزنوج، طبعاً كان الإنجليز في المرتبة الأولى ثم جاء الألمان ثم اليهود وأخيراً الزنوج، الغريب أن الباحث أجرى هذه الدراسة بعد عشرين عاما ولم تكن هناك اختلافات كبيرة في نظرة واتجاه الشعب الأمريكي نحو هذه الشعوب، مما يلمح إلى أن هذه النظرة جاءت نتيجة للعوامل الثقافية المحيطة، وأنها مترسخة بفعل ثقافي وعبر وسائل التنشئة الاجتماعية المختلفة، وفي دراسة أخرى لمعرفة اتجاهات مجموعة من طلاب جامعة برنستون نحو تحديد بعض السمات التي تناسب بعض الشعوب، وكان مما جاء في الدراسة، أن الألمان علميون ومجدون، واليهود مرتزقة ومجدون، والزنوج كسالى وخرافيون ومرحون، والإيطاليون فنانون ومندفعون، والإنجليز أذكياء وتقليديون، وفي دراسة عربية أجريت على مجموعة من الطلاب المصريين والسودانيين واتجاهاتهم نحو بعض الشعوب، أظهرت أن الشعب الإسرائيلي هو أكثر الشعوب كراهية، وأن الشعب الفلسطيني والشعب الياباني هما أكثرها حباً لهم.الحروب قد تغير من طبيعة هذه الاتجاهات، وهنا تبرز دراسة أخرى نحو اتجاهات الشعب الهندي من الصينيين، وقد أجريت الدراسة قبل النزاع بين الدولتين في منتصف القرن الماضي، وكانت الصورة إيجابية، بينما تغيرت الصورة تماماً بعد الحرب إلى صورة سلبية تماماً، الحروب الأمريكية الأخيرة في العراق وقبلها في أفغانستان نماذج أخرى تحتاج إلى استقراء علمي أيضاً لمعرفة مواقف هذه الشعوب ونظرتها للشعب الأمريكي قبل الحرب وبعدها.
التطرف الديني قد يغذي مثل هذا السلوك وينفخ فيه، والأمثلة على هذا كثيرة ففي الهند مثلاً يكاد التعصب الديني لا يتوقف لحظة واحدة بين الطوائف الدينية هناك، وفي ايرلندا مثال من نوع آخر للصراع الطائفي بين الكاثوليك والبروتستانت، وهي صورة مصغرة لفترة تاريخية مظلمة للتعصب الغربي في العصور الوسطى والعصور الحديثة داخل الديانة الواحدة، حيث بدأ هذا الصراع عندما انقسم العالم النصراني إلى قسمين كاثوليكي وآخر بروتستاني، وقامت بينهما ما يعرف بحروب الأديان الشهيرة، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الطرفين، وأشهر حادثة تاريخية كانت "سانت بارتيليمي" عندما قامت مجموعات كاثوليكية بحملات واسعة النطاق في الأرياف الفرنسية بحثاً عن كل من يدين بالمذهب البروتستاني، فقتلوا منهم أكثر من خمسة آلاف في بضعة أيام، واضطرالكثير منهم إلى الهرب إلى بلاد أخرى، وفي الولايات المتحدة مثال آخر على ذلك وهو ما يبثه زعماء التحالف المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة من أمثال فرانكلين غراهام صاحب العبارة المشهورة "إله الإسلام ليس إلهنا والإسلام دين شرير" وبات روبرتسون مرشح الرئاسة في الثمانينات الميلادية ويدير مؤسسات تنصيرية متعددة، وله برنامج مشهور بعنوان نادي السبعمائة، وهو برنامج يبث روح التعصب والحقد على الثقافة العربية وعلى الإسلام والمسلمين، بل تهجم أكثر من مرة على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه رمز للقتل والدمار، وهناك أيضاً جيري فالويل أحد الأعضاء الفاعلين في الحزب وممن يعرف بولائه الصريح لإسرائيل، وعدائه المستميت للثقافة العربية والإسلامية، ودانيال بايبس وهو شخصية عنصرية تجري هذه الأيام حملات مكثفة من قبل بعض العرب والمسلمين في الولايات المتحدة لعدم ترشيحه كعضو في جمعية السلام الدولية، هذه الشخصيات تمثل في الحقيقة نماذج عصرية تستغل وسائل الإعلام ومؤسساتها الخاصة في بث التعصب الديني والفكري المقيت في دولة متحضرة تدعي أنها تصدر قيم الحضارة والديمقراطية للشعوب الأخرى!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved