Sunday 7th september,2003 11301العدد الأحد 10 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أرقام في البطالة تعيد الاقتصاديين إلى النظريات بعد التحليل أرقام في البطالة تعيد الاقتصاديين إلى النظريات بعد التحليل
زيادة 58 ألف عامل وافد عوضاً عن خفضهم إلى 320 ألفاً وفق الخطة الخمسية السادسة
82% نسبة العمالة الوافدة في القطاع الخاص حسب أكثر الإحصائيات تحفظاً
أبو حليقة: يجب نقل مكاتب العمل إلى الإنترنت وإيجاد رقم مجاني لتلقي مكالمات العاطلين

تحقيق حسين الشبيلي
استضافت «الجزيرة» في الحلقة الأولى ضمن تحقيقها حول البطالة الواقع والمأمول جلسة مصغرة لمجلس الشورى تحدث أعضاؤها بشفافية معهودة وقدموا اقتراحات من شأنها تفعيل الجهود نحو مستقبل أفضل. اليوم نستكمل ما بدأناه ونعرج على الجانب الاقتصادي بلقائنا الاقتصاديين فإلى الحلقة.
* انشاء بنك معلوماتي للسجلات، تأسيس لجنة وطنية للبطالة، استغلال التوطين، ترشيد الاستقدام، نقل مكاتب العمل إلى الانترنت، استقلالية الصحف عن القطاع الخاص والمزيد من الأفكار ضمن أجندة الاقتصاديين. لم تعد المشكلة لدينا غياب النظريات أو قلة الاقتراحات ولكن المشكلة في آلية التطبيق. أرقام متشابكة يحاول ضيوف «الجزيرة» حلها ومعادلات لا تفتقر للمسائل الحسابية وتنعكس علينا نتائجها وتظهر ضمن ميزانياتنا. فعوضاً عن انخفاض العمالة الوافدة في الخطة الخمسية السادسة إلى 320 ألفاً زادت 58 ألفاً بمعنى حدوث عجز في ظل نمو 380 ألف فرصة عمل خلال 5 سنوات وهو ما يمثل فشلاً في تحقيق مسافة الخطة.
رؤى ضيقة حول اعتبار وجود وافد في عمل ما هو فرصة للسعودة بل تبسيط مخل لمفهوم البطالة لا يضع حلاً عملياً مع تزايد أعداد الوافدين في سوق العمل. وعلى ضوء ذلك نجد لزاماً في «الجزيرة» استضافة الاقتصاديين من منطلق المفهوم السائد النظرية ثم التطبيق.. فإلى رؤى ضيوفنا..
بداية تحدث الاقتصادي المعروف الدكتور إحسان أبو حليقة عن غياب معدلات مؤشرات البطالة قائلاً يجب ايجادها وأن تقاس على فترات انتقال متقاربة سنوية أو ربع سنوية فالمعدل يمثل تدفق داخلين جدد إلى سوق العمل وقدرة هذا السوق على استيعابهم من خلال تطور الطلب على الأيدي العاملة وملاحظة تغير هذا المعدل من شهر إلى شهر وكل ما يطرأ عليه.
وأضاف الدكتور أبو حليقة: ان من خلال القياس الدقيق والميداني يمكن الوصول إلى معدل البطالة أما التخمين فقد يسبب نوعاً من اللبس في قضية غاية في الحساسية وهي توفر فرص العمل فتوفر المعلومة الدقيقة يعني توفر قوت للباحثين ومدى نجاح السياسات الاقتصادية في البلد ويكاد أن يكون من أكثر المؤشرات أهمية في العالم.
ولذلك فالقياس يجب أن يكون من ضمن مسؤوليات مكاتب العمل في المملكة وأن تكون هي النقطة الأولى لتلقي الباحثين عن عمل وأن يكون أيضاً النقطة التي يلتقي فيها الباحث عن عمل والمنشآت التي تبحث عن موظف من خلال هذا الالتقاء سيتم اتاحة الفرصة لمكاتب العمل لإصدار الاحصائيات والبيانات المؤكدة عن فرص العمل المتاحة في جميع مناطق المملكة وهذه لها دلالات كبيرة عند المحللين والخبراء الاقتصاديين.
وأشار الدكتور أبو حليقة في معرض حديثه إلى أن هناك رابطاً منطقياً بين الاستقدام والبطالة في أوساط السعوديين وهذا تنبه له المخطط في الخطة الخمسية الخامسة وكان شديد الوضوح في الخطة السادسة وأكثر وضوحاً في الخطة السابعة فكلمة السعودة في سوق العمل تقوم على مرتكزين أساسيين في سوق العمل أولهما تقليص عدد العمالة الوافدة والآخر زيادة عدد العمالة من السعوديين إذا تحقق شق ولم يتحقق الآخر لم تتحقق أهداف السعودة كاملة.
وإذا ما أخذنا الخطة الخمسية السادسة فإنه واضح جداً ما يجب أن نعمله لكن لم نطبقه فالخطة تقول: يجب إحلال «320» ألف وظيفة «يحل المواطن مكان الأجنبي فيها» على مدى 5 سنوات ولكن الذي حدث عقب انقضاء الخطة الخمسية السادسة عوضاً عن أن تنخفض العمالة الوافدة «320» ألف زادت «58» ألفاً بمعنى حدث عجز عن تحقيق الهدف بنحو «380» ألف فرصة عمل خلال 5 سنوات وهذا ابتعاد كبير عن مسافة الخطة الواضحة التي تؤكد على تقليص العمالة الوافدة عاماً بعد عام، حالياً الخطة الخمسية السابعة تقول كالتالي: يجب تقليص عدد الوافدين بنسبة قدرها «25 ،2%» سنوياً هل نفذ هذا الأمر؟ الاجابة لا.
علينا أن ندرك أن كل الخطط هي وثائق ملزمة واجبة التنفيذ في حال عدم التنفيذ يجب علينا أن نسأل لماذا؟ قد يكون هناك أسباب وجيهة وقد لا تكون لكن يجب أن نسأل لماذا؟ ونستخلص الدروس المستفادة ونعمل على تقليص الصعاب حتى لا تستمر الظاهرة عاماً بعد عام إذاً لماذا لا نطرح الأسئلة الصعبة ونحاول مواجهتها حتى نكسر حدة البطالة؟
علينا أن نقول ان المعول والتحدي الكبير هو على القطاع الخاص في توظيف السعوديين واتاحة فرصة أكبر لعمل المرأة والسبب يأتي من الحقائق التالية: عدد الوظائف المدنية الحكومية تقارب المليون فمنها حوالي «180» ألف وظيفة مشغولة بالوافدين فنحن نتحدث عن أقل من «20%» من غير السعوديين هذا الوضع مقلوب في القطاع الخاص الاعتماد يكاد أن يكون كلياً وهيكلياً على العمالة الوافدة وأقول ذلك ليس من باب الاتهام والانتقاص بالعكس القطاع الخاص السعودي أثبت دائماً أنه مهتم بشأن الاقتصاد بالبلد من ناحية أخرى إذا ما نظرنا إلى توظيف المرأة السعودية نرى أن مساهمتها بالقطاع الحكومي أكثر من 25% عند الحديث عن مشاركتها في القطاع الخاص فهي في حدود «5%» فقط أيضاً علينا السعي لإدخال توازن بحيث تكون مساهمة السعوديين متصاعدة وبوتيرة متسارعة وهذا يتطلب تعاوناً من الحكومة والقطاع الخاص وإذا أردنا أن نتتبع سياسات السعودة يجب علينا أن نقدم كل الدعم والمساعدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وان ينظر لها كشريك ضروري لإنجاح هدفنا جميعاً ومسعى الحكومة لزيادة الاعتماد على السعوديين.
وفي المقابل يجب على مكتب العمل أن يصبح مكتب عمل افتراضياً وينتقل على الانترنت وخصوصاً أن المملكة هي عبارة عن قارة مترامية الأطراف يجب أن تتاح لمن هو في مكان بعيد أن يسجل بدون أن ينتقل ويبذل جهداً حتى يبحث عن عمل ويتم توجيهه من خلال الانترنت أو من خلال خطوط هاتفية ساخنة متاحة للجميع بحيث يكون خط هاتفي مجاني «800» فنحن نتحدث عن مساعدة أشخاص لا يعملون وعاطلون عن العمل ليس للواحد منهم مصدر دخل ليتحمل تكاليف الارتحال من منطقة إلى أخرى أو أقرب مكتب عمل مما سيكلفه ما لا يقدر عليه.
وأخيراً أطالب بايجاد مركز وطني لتلقي المكالمات والتعامل معها في سبيل خدمة طالبي العمل وتوفير وظائف للقضاء على هاجس البطالة.
من جانبه تناول الكاتب الاقتصادي الدكتور عبدالله الفوزان نقاطاً ذات تأثير قوي واعتبرها خفية يقول الدكتور الفوزان: إذا أردت أن تقاوم البطالة فنشط السعودة وإذا أردت أن تفعل السعودة فقاوم البطالة فهما قضيتان متشابكتان متدافعتان لهما حضور قوي الآن في ساحتنا الاجتماعية والاقتصادية.
ولأنني أكتب الآن مع آخرين سيكتبون عن البطالة في صحيفة «الجزيرة» فإني أفضل أن أتناول زاوية صغيرة وقد تكون بعيدة وخفية ربما لا يراها أحد مع أنها بالغة الأثر والتأثير في بقاء البطالة وتعثر السعودة وهي تلك الهزيمة الواضحة لصحفنا أمام سطوة بعض مؤسسات القطاع الخاص لدينا التي لازالت تقاوم السعودة هرباً من المزيد من التكاليف مثل البنوك والشركات الكبرى فهذه البنوك والشركات ا لآن في منأى عن النقد المباشر الفاعل الذي يسمي الأشياء بأسمائها لأنها تهدد الصحف التي تفعل ذلك بحجب الاعلانات عنها، ولأن الإعلانات هي عصب الحياة فإنها ترفع يدها بالراية البيضاء أمام البنوك والشركات وترى السلبيات وتصمت مفرطة حتى لا تفقد الإعلانات وهذا الضعف الفاضح الذي عليه الصحف الآن ليس حتمياً إذ بإمكانها أن تتخلص منه وترفع رايتها الخضراء أمام البنوك والشركات وتنحاز لمصلحة الوطن وتصحح كل تلك السلبيات الكبيرة وكل تلك العوائق والحواجز العديدة التي تضعها البنوك والشركات أحياناً في وجه السعودة لتعرقل مسيرتها، إذ ان الصحف تستطيع أن تعقد اجتماعاً بينها تتفق فيه على إعلان الحرب الجماعية على السلبيات وتنسق فيما بينها وتكف نهائياً عن التسابق على مجاملة أصحاب الإعلانات الذين يؤثرون بإعلاناتهم، ومتى حصل هذا الموقف القوي الواضح فإن الشركات والبنوك ستفقد ورقة الضغط التي تستخدمها الآن فهي تحتاج الصحف ولا بد أن تعلن فيها وليس لديها خيار آخر، وإذا وجدت أن ورقة الضغط لديها قد احترقت فسترميها وستتأثر بالنقد النزيه المخلص وتنحاز مضطرة للمصلحة الوطنية وتساهم مساهمة فعالة في تفعيل السعودة ومحاربة البطالة.
وقدم رجل الأعمال والاقتصادي الأستاذ عبدالله الحمود جملة اقتراحات اعتبرها خطوات استراتيجية بعيدة المدى لتحقيق السعودة يقول الأستاذ الحمود: إن أكثر ما يؤرق المجتمعات نشوء البطالة في بلادها، وهذا الداء حينما يحل، واجب التصدي له من قبل الدولة، بكل ما تستطع من شجاعة وقدرة، لأن التساهل مع هذا الداء، مؤداة التفاقم والتكاثر، وهذا ما ينجم عنه من سلبيات تعود على المجتمع بالضرر، اجتماعياً وأمنياً، ومفهوم البطالة لدى العديد من المجتمعات يتركز على نمط واحد، وهو ما يسمى بالبطالة المستديمة، أو الاجبارية، بمعنى توافر أعداد من القادرين والراغبين في العمل دون عمل، وهذا غير صحيح، فالبطالة حينما تحل في أي مجتمع فإنها لا تلقي بظلالها نحو نوع أو شكل واحد فحسب، فهي حينما تحل يتفرع منها أنواع عديدة، ربما تصل هذه الأنواع في تعدادها إلى خمسة أقسام وهي «البطالة المستديمة أو الاجبارية - البطالة المؤقتة - البطالة النوعية أو الهيكلية - البطالة المقنعة - البطالة الاختيارية».
وإذا ما أردنا أن نسعى جاهدين إلى مكافحة البطالة عامة، فلا بد لنا من وجهة نظري من تحرك جاد نحو رسم سياسة وطنية واضحة المعامل، نرسي من خلالها قواعد متينة، ونكون بعيدين كل البعد عن الحلول الوقتية والعاطفية، عند عزمنا انتهاج تلك السياسة، والعلاج الأمثل أن نكون عمليين أكثر من منظرين، وأن نخطو خطوات ذات استراتيجيات واضحة وبعيدة الأمد من أهمها:
1- انشاء قواعد معلوماتية غنية، يتوافر فيها كل ما يهم ويعنى بشؤون العمل والعمال وعلى الأخص أعداد العمالة الوافدة، والمهن القادمين بها، وإذا أمكن المهن التي يزاولونها فعلياً، وتكون محدثة بشكل مستمر وبتقنية عالية المستوى.
2- انشاء بنك معلوماتي يحتضن سجلات وظيفية آلية، عن كل عامل وطالب عمل سعودي، يتضمن أسماء وبيانات العمالة الوطنية التي على رأس العمل ومهنهم والأعمال التي يزاولونها فعلياً، وتلك التي استقالت أو فصلت من أعمالها، وعدد طالبي العمل ومؤهلاتهم وخبراتهم ورغباتهم الوظيفية، ومنح طرفيات حاسوبية من هذا البنك لدى الغرف التجارية الصناعية والمنشآت الاقتصادية الراغبة في اقتناء هذه الطرفيات، للاستفادة مما يحتويه هذا البنك من معلومات وفيرة، ومنح صلاحيات محددة للغرف التجارية الصناعية، وأفرع القطاع الخاص الذين يملكون هذه الطرفيات، ومن أهم المكتسبات التي سوف تجنى من هذا البنك، معرفة عدد طالبي العمل الحقيقيين والوظائف الشاغرة لدى القطاع الخاص، والحد من ظاهرة التسرب أو الدوران الوظيفي والتي أصبحت قضية تلوح في الأفق، ويمكن لمثل هذه المشاريع التي لا شك إن في تأسيسها وتشغيلها يتطلب الأمر معه إلى رصد مبالغ مالية باهظة، بأن يتم تنفيذها وتسويقها تجارياً بواسطة احدى المنشآت الوطنية، حفاظاً على استمرارية اقامة هذه الخدمة تقنياً بين أيدي الجميع ويمكن ضبط وتقنين هذا العمل فنياً تحت اشراف ورقابة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، مع منح صلاحيات محددة من قبلها للجهات المستفيدة سواء عند عملية إدراج أو أخذ المعلومة.
3- إعداد دراسات وبحوث علمية من خلال تأسيس لجنة وطنية مشتركة بها القطاعان العام والخاص، تحت اشراف مجلس القوى العاملة، لايجاد آليات ذات منهاج علمي صرف لتصنيف طلبات طالبي العمل حاضراً أو مستقبلاً وذلك عند ادراجهم في قائمة العمال الذين لا يعملون وصولاً إلى المعرفة الحقيقية عن مقدار نسبة البطالة في المملكة واخراج هذه النسبة في نصف سنوية، خصوصاً عند إعداد الميزانية العامة للدولة، وتصنيف من يقع تحت مظلة البطالة بالمفهوم العلمي والعالمي تحت الفروع التي ينطوي عليها كل عاطل عن العمل.
4- جعل نظام العمل والعمال نظاماً مواكباً ومسايراً للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، وأن يعاد النظر فيه بعد كل عقد من الزمن.
5- إعادة هيكلة عامة وفاعلة لسوق العمل، وبما يحتوي من عمالة مواطنة ووافدة، والسعي نحو رسم خطط مستقبلية ذات مراحل للاحتياج الفعلي من العمالة الوافدة.
وكشف رئيس دار الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز داغستاني عن وجه آخر لمشكلة البطالة فتحدث ل«الجزيرة» قائلاً على الرغم من تفاوت تقديرات معدل البطالة في الاقتصاد السعودي، والاختلاف حول نوعيتها، إلا أنه لا يمكن اغفال وجودها بشكل يفرز نوعاً من القلق وما يصاحبه من مخاوف اجتماعية وأمنية، وإن كانت البطالة تعكس في الأصل مشكلة اقتصادية، وتأخذ البطالة في الاقصتاد السعودي نمطاً غير تقليدي، إذ هي ظاهرة تتزامن مع وجود عمالة وافدة يتجاوز عددها سبعة ملايين شخص وتتزايد عاماً بعد عام، ولهذا فإن ما يسمى بسياسة أو اجراءات السعودة، أو توطين الوظائف والأعمال، هو الوجه الآخر لمعالجة مشكلة البطالة، وهذا الربط يتبناه الذين ينفون فكرة وجود البطالة في اقتصاد يستخدم عمالة وافدة باعتبارهم أن أي وظيفة يشغلها وافد أو أي عمل يقوم به وافد هو فرصة توظيف أو عمل يجب أن تكون متاحة للسعودي، وهذا رأي فيه تبسيط مخل جداً بمشكلة البطالة ويعتمد على رؤية ضيقة لمفهوم البطالة ولا يضع حلاً عملياً لها في ظل صعوبة التخلص من العمالة الوافدة خاصة في الأجل القصير، ناهيك عن الاتجاه المتزايد لتواجدها في سوق العمل السعودي.
من هذا المنطلق يمكن ارجاع بداية مشكلة البطالة في الاقتصاد السعودي إلى اعتبارها أحد افرازات فترة الطفرة التي أسهمت أولاً في زيادة الطلب على العمالة الوافدة وثانياً في تغير سلوك المواطن السعودي نحو بعض الوظائف والأعمال والابتعاد عنها بحجة أنها غير لائقة، على الرغم من أنها كانت تمارس من قبله من قبل مثل أعمال البناء وبعض المهن الحرفية أو الخدمية، هذا الواقع الذي أفرزته فترة الطفرة سحب من سوق العمل السعودي أعمالاً ووظائف ومهناً كان بالإمكان أن تستوعب عدداً كبيراً من الباحثين عن عمل الآن، وإذا نظرنا إلى الأمور من منظار النسبة، فلعل نسبة البطالة في الاناث تكون أكبر من الذكور، مما يفاقم من الآثار الاجتماعية لمشكلة البطالة.
ويبدو أن انحسار فرص التوظيف في القطاع العام قد ربط معالجة مشكلة البطالة بالقطاع الخاص باعتباره الموظف المحتمل من ناحية وباعتبار تركز العمالة الوافدة فيه، وتشير الأرقام إلى أن نسبة العاملين غير السعوديين في القطاع العام في حدود 12% معظمهم يعملون في مجالي التعليم والصحة، في حين تمثل العمالة الوافدة في القطاع الخاص نسبة 82% وفق أكثر الاحصاءات تحفظاً، وإن كانت مثل هذه الاحصاءات عموماً غير دقيقة أصلاً.
في هذا المناخ الذي يسود سوق العمل السعودي وتختلف فيه مكونات السوق ومرونة الطلب على العمالة الوافدة والعمالة السعودية، لا يبدو أن معادلة التوازن تميل لصالح العمالة السعودية لعدة أسباب لعل من أهمها تكلفة العمالة الوافدة واستعدادها للعمل تحت أي ظروف ومناخ عمل، ولهذا فإن هناك خللاً في عنصر المنافسة في السوق لا يخدم العامل السعودي، بالاضافة إلى بعض العوامل الاجتماعية التي يبدو أن المجتمع لم يعد قادراً على تجاوزها بسهولة مفضلاً معاناة البطالة على تفهم ومقارعة الواقع والتكيف معه، بمعنى أن المعيار الاقتصادي قد لا يحكم محددات البطالة بمفرده، وهذا ما لا يجب إغفاله.
ولعل هذا الواقع الذي يجب أن نعترف به ونتصرف على أساسه في الأجل القصير، يستوجب اجراء حاسماً لتصحيح معادلة التوازن في سوق العمل بين الطلب على العمالة الوافدة، أي الاستقدام، وبين الطلب على العمالة السعودية، وهنا لا بد من ترشيد الاستقدام وربطه بضوابط شديدة يعمل على تطبيقها دون أي استثناءات أو تجاوزات أو مجاملات وذلك بتجفيف منابع الاستقدام وحصرها في مجالات ضيقة جداً ومثل هذه السياسة أو الاجراء يشترط لنجاحه أن يتزامن من خطط وسياسات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل تهدف إلى توجيه الشباب السعودي نحو كافة الأعمال، دون أي استثناء، وتدريبهم وتأهيلهم واخضاعهم لعقود عمل تكفل حقوقهم وحقوق أرباب العمل على حدٍ سواء، مثل هذه السياسة قد تخلق بعض الاختناقات في الأجل القصير خاصة من حيث هيكل التكاليف في القطاع الخاص، ولكنها سرعان ما تذوب وتنتهي في الأجل الطويل، وهي المحك الحقيقي لنجاح أي سياسة أو اجراء اقتصادي يهدف في المقام الأول إلى مراعاة المصلحة العامة وتغيير هيكل الاقتصاد الوطني بما يحقق رفاهية المجتمع كله.
البطالة مشكلة حقيقية تحتاج إلى عمل مؤسسي وآلية عملية تتجاوز التوعية الاجتماعية ولا تهملها، والاخفاق في التصدي لهذه المشكلة في الأجل القصير ستكون له تبعات اجتماعية وأمنية تراكمية، ناهيك عن التبعات الاقتصادية في الأجل الطويل، في مجتمع يتزايد سكانه بنسب هي من الأعلى على مستوى العالم.
من جانبه أرجع الكاتب الاقتصادي المعروف وهو مدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز السويلم المشكلة لغياب الاحصائيات فتحدث قائلاً:
لا توجد احصائيات رسمية وتفصيلية عن واقع البطالة بالسوق السعودي ولا يزال هناك نقص في الكثير من المعلومات الاحصائية السليمة التي تعكس أو تفصح عن واقع سوق العمل بشكل واقعي حيث لا تزال مشكلة البطالة تمثل عائقاً واضحاً أمام حركة التنمية الاقتصادية لما يترتب على هذه الظاهرة من آثار اقتصادية واجتماعية وثقافية لأن نهضة المجتمع وتقدمه في المجالات المختلفة تقاس بمقدار استغلاله لموارده البشرية أولاً وموارده الطبيعية ثانياً الاستغلال الأمثل، حيث يعتبر هذا احدى وسائل قياس التطور الاقتصادي للمجتمع، فإذا زاد عدد العاملين وقل عدد العاطلين فهذا يدل على مدى التقدم الذي وصل إليه أي مجتمع، فوجود فرص عمل أمام الشباب وبخاصة في القطاع الخاص يدل على مؤشرات نمو اقتصادي كبير والعكس صحيح، فوجود عدد كبير من الخريجين دون عمل يعكس صورة عن الوضع الاقتصادي فالتخطيط الأمثل لاستغلال القوى البشرية في مجالات العمل والانتاج المختلفة طريق واضح وسليم للتقدم والرفاهية في أي مجتمع حضاري ومن هنا يبرز دور الإعلام في ابراز هذا الموضوع.
إن هناك عدة أخطاء واضحة في مخرجات التعليم سواء التعليم المتوسط أو الجامعي حيث إن المتخرجين والمتخصصين نجدهم في الواقع غير منسجمين مع الواقع التطبيقي للعمل على الرغم من أنهم يمتلكون معلومات وأفكاراً نظرية جيدة ولكن مشكلتهم تتمثل في عدم احتكاكهم المباشر بمواقع العمل والانتاج ويعني هذا أنهم يحاجة لكثير من المفاهيم التوعوية والتدريب، هذا بالاضافة إلى وجود بعض التحفظات في الأسلوب الذي تعامل وتهيأ به الأيدي العاملة وهناك ملاحظات وسلبيات في نفس القوى العاملة السعودية يلزم مناقشتها وتشخيصها ومعالجتها.
ويكمن حل مثل هذه المشكلة في طرح هذه المواضيع على شكل حوارات ونقاشات مع المختصين والمهتمين لعمل التخطيط السليم لاستغلال القوى العاملة بما يتناسب مع قدرات الخريجين وكذلك العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية للاختلاط مع الاقتصاديات الأخرى بفتح آفاق للتعاون الاقتصادي معها، هذا بالاضافة إلى توسيع الاستثمارات الوطنية والتركيز على تطوير القطاع الخاص الذي يمتلك مجالاً واسعاً حالياً ومستقبلاً في حين أن القطاع سوف لا يستوعب مستقبلاً أعداداً كثيرة وبالتالي يبرز دور القطاع الخاص لاستيعاب الخريجين بمختلف التخصصات
تشير الاحصاءات إلى أن اجمالي العمالة في القطاع الخاص هي بحدود «000 ،261 ،6» عامل في عام 1422هـ وبنسبة 87% من اجمالي العمالة المدنية في المملكة بينما بلغ اجمالي العمالة في القطاع الحكومي «000 ،916» عامل في نفس العام وبنسبة 13% تقريباً من اجمالي العمالة المدنية، وبلغ عدد العمالة الوافدة في القطاع الخاص «000 ،124 ،5» عامل وافد في عام 1422هـ وبنسبة بلغت حوالي 96% وذلك مقابل «000 ،212» عامل وافد في القطاع الحكومية وبنسبة لا تتجاوز 4%، وهذه الاحصائيات تبين مدى استيعاب القطاع الخاص لليد العاملة والذي يمكن أن نستغله لتوطين الوظائف وإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية، أضف إلى ذلك أنه من الضروري الاهتمام بمجال التعليم والتدريب المستمر والاهتمام بهما لتنشئة أجيال جديدة قادرة على التعامل مع المتغيرات العالمية فعلى الرغم من أن التدريب مكلف لكن الجهل أكلف، والاهتمام بالبحث العلمي والأبحاث وتطبيقها في الواقع والانفاق على هذه البحوث لكي يصبح شبابنا قادراً على التعامل مع التغيرات الحديثة.
لذا فمن الضروري تنمية الوعي بحب العمل وحب الروح الانتاجية لدى العامل السعودي بدلاً من السلوك الاستهلاكي لأن الروح إذا سادت في المجتمع فسوف يعود ذلك بالنفع على الاقتصاد الوطني خاصة ونحن نمر بتطور كبير يتطلب مهارات وقدرات عالية من العامل، فمن الضروري تهيئة الظروف للعامل السعودي وتأهيله ببرامج تعليمية وتدريبية ملائمة تتماشى مع احتياجات القطاعات الصناعية والانتاجية والتجارية وغيرها حتى تستوعب هذه القطاعات العمالة الوطنية المؤهلة التي تستطيع أن تقوم بما يوكل إليها من أعمال بكفاءة عالية.
ولم يخرج مدير عام شركة زجول والاقتصادي المعروف الدكتور محمد الكثيري عن المنهج الاقتصادي في حل المشكلة فأوضح قائلاً: سأترك الحديث عن الآثار الاجتماعية والأمنية للبطالة للمتخصصين، وسأركز حديثي على الجوانب أو الآثار الاقتصادية للبطالة. إن أول الآثار القائمة للبطالة في مجتمعنا يمكن استشفافها من خلال الوقوف على نوع البطالة الموجودة لدينا، حيث ان لدينا الكثير من الوظائف المشغولة بالكثير من غير السعوديين، بينما الكثير من الشباب السعودي يمضي الأشهر والأسابيع للبحث عن وظيفة، وبغض النظر عن أسباب تلك الحالة وبعيداً عن أسباب عدم قدرة الشباب السعودي الحصول على عمل ما، إلا أن هذه العمالة الوافدة تعني استنزافاً كبيراً لأموال البلد من خلال البلد حيث ان ما يقارب الستين مليار ريال أو ما يعادل ثلث ميزانية الدولة يحول من قبل هؤلاء إلى خارج البلد وهو أمر له تأثيراته الاقتصادية الواضحة التي لا تحتاج إلى شرح أو بيان.
ثم ان خروج هذه الأموال التي من الأولى أن تصب في جيب المواطن، أو جزء كبير منها على الأقل، تؤثر على الحركة التجارية، داخل البلد، حيث ان هذه الأموال لو ذهبت إلى المواطن السعودي فإنه يصرفها بلا شك داخل بلاده في حركة بيع وشراء، مما يعزز اقتصاد بلده، ويدعم بطريق مباشر مؤسسات وشركات القطاع الخاص، التي هو المزود الأساس لما يشتريه المواطن من منتجات وخدمات.
نقطة أخرى ذات علاقة بالبطالة وتوظيف المواطنين، وهي ترتبط بالاعتقاد السائد أن توظيف المواطنين السعوديين يؤثر على كفاءة وانتاجية الشركات حيث ان ذلك الأمر قد يكون صحيحاً على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد فإن العكس هو الصحيح فالسعودي سيكون أكثر ولاء للشركة أو المؤسسة مما سينعكس ايجاباً على أدائه وانتاجيته، بخلاف العامل الوافد الذي يربطه بمكان عمله حاجة تكون في الغالب قصيرة الأمد. إن هذا ما يعرف بتراكم المعارف والخبرات والذي سيتحقق للمواطن السعودي متى ما أعطي الفرصة المناسبة وهذه الخبرات ستنعكس اجمالاً لفائدة القطاع الخاص بصفة خاصة والبلد بصفة عامة وليست فقط للمواطن وحده، وهذا يعني أن على شركاتنا أن تنظر لموضوع البطالة نظرة شمولية دون أن تقصر تفكيرها على الأجل القصير فقط، فالنجاح الآني لشركاتنا قد يكون معتمداً بنسبة كبيرة على الاستعانة بالعمالة الوافدة، ولكن الاستعانة بالمواطنين ستكون نجاحاً على المدى البعيد ليس فقط للشركات والمؤسسات ولكن للوطن كافة الذي تمثل تلك الشركات جزءاً مهماً منه.
***
الحلقة القادمة
تداخلات أمين القوى العاملة مع « الجزيرة ».
قرارات جديدة تكشف.
الاستقدام والبطالة والسلبيات.
الاختلالات في سوق العمل والوافدين.
أجانب القطاع الحكومي.
عاطلو المناطق النائية والحلول.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved