Sunday 7th september,2003 11301العدد الأحد 10 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مستعجل مستعجل
ابن فريان.. يْذَكَّر..
عبدالرحمن بن سعد السماري

** في السنوات الأخيرة.. فقدنا عدداً من العلماء الكبار الذين لهم وزن في الساحة.. والذين ملأوا الآفاق دعوة وإرشاداً وتوجيهاً وفقهاً وتعليماً.. وأمراً بمعروف ونهي عن منكر.
** فقدنا العلاَّمة ابن باز.. والعلاَّمة ابن عثيمين.. والشيخ ابن غصون وآخرين رزأت الأمة بفقدهم.. وكان لغيابهم بالغ الأثر في الساحة المحلية على وجه الخصوص.
** الكل.. حزن لفقدهم.. والكل.. تألم وتأثر.. وهكذا عندما ودَّعنا قبل يومين فضيلة الشيخ الجليل.. عالم الفقه والقرآن والدعوة.. شيخنا عبدالرحمن بن عبدالله بن فريان رحمه الله.
** عرفنا الشيخ «ابن فريان» رحمه الله قبل أكثر من نصف قرن.. كان يجوب الفيافي والقفار ويزور المدن والقرى والهجر.. ويملأها دعوة وإرشاداً وفقهاً وتعليماً وعلماً.. وأمراً بمعروف ونهياً عن منكر.
** كان لا يستقر في مكان.. تذهب لأقصى الجنوب فتجد ابن فريان محدِّثاً في مسجد هناك.. وتذهب لأقصى الشمال فيقال.. إن ابن فريان كان هنا يوم أمس.. وهكذا في الشرق والغرب.. لك أن تتخيل رجلاً أمضى أكثر من سبعين عاماً من عمره.. كلها دعوة وإرشاد وعمل شرعي لا ينقطع.
** كنا في الرياض قبل ما يقارب نصف قرن.. نعرف الشيخ ابن فريان رحمه الله محدِّثاً وواعظاً ومعلماً.. وموجهاً.. ورجل دعوة.. ورجل هيئة.. وإنساناً طيباً خلوقاً.. تجده في كل مكان.. حتى يُخيّل لك.. أن «بن فريان» خمسون رجلاً وهو رجل واحد.. وهكذا بركة العلم والدعوة وحب الخير والصَّلاح والزهد والورع والتُّقى.
** ان ابن فريان.. مات رحمه الله ولم يلحقه شيء.. غير ذلك العمل الصالح.. الذي سجَّله بكل حب للخير.. وبقلب مؤمن جبل على طريق الصَّلاح والفلاح.
** فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن فريان رحمه الله.. ينحدر من أُسرة علم وفضل.. اشتهرت في المملكة بأنها أسرة علم وعلماء.. وأسرة لها سَمْتٌ مُعين.. ولها مكانة وتقدير في نفوس الناس كلهم.
** أسرة «آل فريان» أسرة العلم والفقه والقضاء والدعوة.
** الشيخ ابن فريان.. كان يجوب الشوارع قبل حوالي نصف قرن.. ويدور على الهيئات والمؤسسات وكل مكان.. ويدخل في أي مكان.. وكان له قبول منقطع النظير.. كان الجميع يحب ابن فريان.. وعندما يدخل أي هيئة أو شركة.. يصافح الموجودين ويسلم عليهم رجلاً رجلاً.. ويبدأ بالسلام على الضعاف والفراشين والمساكين قبل المديرين الكبار والمسئولين.
** يجلس مع البسطاء والمساكين.. ويشرب الشاي معهم ويحادثهم قبل أن يستأذن المدير وهو واقف.. في كلمة بعد صلاة الظهر.. وبعد الظهر.. يقف ابن فريان محدِّثاً وواعظاً ومذكِّراً ومنبهاً.. وكان لكلماته وقع عظيم في النفوس.
** وأحياناً.. يدخل الدوائر والإدارات للتنبيه على أخطاء.. أو التذكير بأمور أو محاورة الموجودين.. ولكن أسلوبه كان أسلوباً هادئاً رقيقاً محبباً للنفوس.. ويجذب الجميع.. ويكون تأثيره بالغاً للغاية.
** وكان لفضيلة الشيخ إسهام في الإعلام.. وبالذات الصحافة.. ودائماً ما كان يحضر إلى الصحف ويحمل «كلمة» فيها تنبيه على خطأ معيَّن أو تحذير من شيء معيَّن.. أو تذكير بمناسبة معيَّنة = صوم.. حج.. عشر ذي الحجة.. عاشوراء = أو تحذير من مسائل أو أمور خطيرة.
** كان يجلس أمام المحررين بهدوء ويسأل عن أحوالهم وأحوال الصحيفة ثم يدعو لهم بالهداية والاستقامة ويدعو لهم بالتوفيق ويسأل الله لهم الخير والسداد.. ويدعو لكل المسلمين.. ثم يُدخل يده في جيبه ويُخرج كلمته ويقدمها بكل لباقة ولطف «راجياً نشرها».
** لم يحزن أبناء الشيخ لفقدهم وحدهم.. ولا أقاربه.. ولا آل فريان فقط.. ولا.. الأسرة الشرعية والدعوية لوحدها.. ولا جمعيات تحفيظ القرآن.. ولا طلبة العلم.. بل كل الناس حزنت لفقده.. لأنها لن تسمع كلمة «ترى بن فريان يذكر في المحل الفلاني».
** مات الشيخ ابن فريان رحمه الله.. بعد أن ألزمه مرض القلب والكلى لأشهر في مستشفى القوات المسلحة.. وكان طريح الفراش.. وكانت الممرات والغرف حوله.. مليئة بالزوار ومحبي الشيخ وما أكثرهم.
** وعندما قيل فجر الخميس الماضي إنه مات.. ذهبت للصلاة عليه.. لم تدفعني «الهاجرية» لذلك «وإن كان لها وزن عندي» وإنما ساقني حبي للشيخ ومكانة الشيخ.. وفضل الشيخ وعلم الشيخ رحمه الله تعالى.
** وصلت إلى المسجد.. الساعة الثانية والنصف.. وكانت كل الطرق مغلقة حول المسجد.. والمسجد مليء بالتمام.. وهذا.. يعكس حجم مكانة الشيخ في نفوس الجميع..
** أما الطريق إلى المقبرة.. فقد توقف نهائياً حتى قبيل المغرب.
** مات ابن فريان رحمه الله.. وبقيت مدرسته في الدعوة.. مدرسة متميزة قائمة على الحوار المباشر الهادئ.. وقائمة على البساطة والهدوء.. وقائمة على تناول قضايا الناس القريبة من اهتماماتهم.. والتركيز على أمور العقيدة ومخاطبة عامة الناس.. وتوجيههم وإرشادهم بأمور دينهم.
** ما أجمل كلمة «بن فريان يْذَكَّر» لكننا.. لن نسمعها ثانية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved