Sunday 7th september,2003 11301العدد الأحد 10 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

2/11/1390هـ - الموافق 29/12/1970م العدد 325 2/11/1390هـ - الموافق 29/12/1970م العدد 325
أسبوعيات الجزيرة
من الباسو في تكساس إلى الرياض
يكتبها هذا الأسبوع: خالد خليفة

لا يختلف اثنان في أن مدينة نيويورك هي من أضخم «وأزحم» المدن في العالم، وهي من أبعدها تطوراً وتقدماً، وأكثرها حركة وصخبا وضجيجا.
ولقد جئتها في الشتاء، وشتاؤها غير شتاء الرياض، فإنك لا ترى الشمس نهارا، ولا القمر ولا النجوم ليلا، من جراء السحب المتراكمة فوقها فوق بعض، وما بين هذه السحب وناطحات السحاب سحب أخرى من الدخان المتصاعد من المصانع والسيارات، فلا يجد المقلوبون أمثالنا هواء نقيا هم في أشد الحاجة إليه.
وتلوث الهواء مشكلة عويصة تعانيها نيويورك، وهي ضريبة التقدم والتطور، وسيظل الآلاف يعانون في مدن أمريكا الكبيرة من أمراض صدرية شتى من بينها «السرطان» حتى تحل هذه المشكلة.
وهنا في نيويورك وغير نيويورك مشكلة نفسية تزيد الطينة بلة كما يقولون، إذا ما أضيفت الى مشكلة تلوث الهواء.. عقدة «الانتظار».
نعم الكل يجري ويجري وبسرعة ولكنهم لا يجرون إلا بعد ان يجيئهم الدور للجري!!
يسوقون سياراتهم بسرعة، ويتكلمون بسرعة، ويأكلون بسرعة ولكن كل ذلك لا يكون إلا بعد انتظار طويل ممل قاتل على حساب أعصابهم ونفسياتهم.
وقد يكون «الانتظار» وليد الازدحام ولكنه، أي الانتظار انما يترك أثراً في النفس.
إننا في الرياض وجدة مثلا نبرم إذا ما كان علينا ان «ننتظر» وصول طائرة او اقلاعها.
هنا - على السيارة ان «تنتظر» وتلف وتدور حتى تجد لها مكانا، وعلى مريض في عيادة الطبيب ان ينتظر، وعلى نزيل فندق ان ينتظر النزل، وكذلك عند الحلاق والغسال وعند نافذة البريد، ورضي الله عن كل نافذة بريد في بلدنا الحبيب عامة والرياض خاصة.
وبعد الانتظار ينطلق واحدهم في جنون وتمرد.
ومن ثم جاءت حالة نفسية يحار من كان مثلى يعيش في بلد هادئ ان يكيفها او ان يعبّر عنها ولاحياة هنا خالية في اغلب الاحيان عن صلات تربط الجار بجاره، الجار الذي «لم يزل جبريل عليه السلام يوصي به نبينا صلوات الله وسلامه عليه حتى ظن انه سيورثه».
ولقد يموت احدهم هنا في شقة يسكنها فلا يعلم جاره عن وفاته، إلا اذا انبعثت رائحة النتن.
انهم يعملون طوال نهارهم بجد، الزوج يعمل والزوجة تعمل، وقد يجيء وقت دوامها قبل وقت دوام زوجها. والابن والبنت في الجامعة او الكلية او المدرسة، ولا يجتمعون إلا عند المساء مكدودين مجهدين، فيبتلعون لقيمات يزدردونها ازدرادا في سرعة، ثم يخرج الابن الى حيث قد تواعد وصديقته، وتخرج البنت الى حيث يكون صديقها في انتظارها.. أغلبهم هكذا.. او يتكأكأون جميعا عند التلفزيون حيث يبدأ الأب بعد قليل في الشخير وتتبعه الأم والأبناء من بعدهما فينصرفون الى غرف نومهم.. وهكذا دواليك.
وأسر تكون هذه حالها لابد ان تكون مفككة.. وكل فرد في الاسرة حر في ان يفعل او يقول او ان يعتنق ما يشاء لأنهم «أحرار جداً».. لديهم حرية وديمقراطية متقدمة متطورة.
وفي نيويورك ذات الرقي والتقدم وناطحات السحاب ومبنى عصبة الأمم المتحدة التي يتفرع عنها مجلس الأمن ولجنة حقوق الإنسان.. إلخ لا يشعر الغريب مثلي بالأمن الذي يشعر به السائر على قدميه ليلا من جدة الى المدينة.
وليست حالة الخوف وقفا على الغرباء فقط بل حالة يعيشها الكل.. هنا جماعات لا تتقيد بنظام ولا بقانون.. يضربون ويسلبون ويهتكون كل ما تعورف عليه من خلق ومبادئ ذلك لأنهم كما اسلفت احرار جداً!!.
وقد لا تغيب عن ذاكرتكم حادثة ضرب جماعة من اليهود لإخوة لنا من العرب وتفجير قنابل عند مكاتب بعض البعثات العربية في نيويورك.
وهذه «الحرية جداً» والديمقراطية «جداً» هي التي أدت الى كل جرائم القتل والسرقة وهتك الاعراض التي يذيعون عنها يومياً في تلفزيوناتهم.
**
وأغلب القوم هنا لا يعرف إلا القليل المشوه عن بلدي، حيث الأمن والهدوء والاستقرار والعدالة.. انهم يظنوننا نعيش في خيام تكتظ «بالحريم» ويظنوننا لم نؤت إلا حظا يسيرا جدا من تعليم سطحي وتسألهم عن هذه البعثات تطلب العلم في أكثر الولايات على نفقة حكومة بلدنا فيهزون أكتافهم!
وعلى ذكر البعثات فإنه من واجبي ان ابلغ معالي وزير المعارف عن مدى ما يقدمه المكتب الثقافي هنا من خدمات جليلة لأبنائه الطلبة، وما يتمتع به هذا المكتب من سمعة حسنة واحترام من الجميع.
**
وكنت افطر في فندق الحرمين بباب شريف في جدة فطوراً محترماً ثم لا أدفع إلا ريالين وربع، نصف دولار، وهنا نفس الفطور بدولارين وربع، عشرة ريالات بس لا غير.
وفي نفس فندقي بجدة كنت أتناول غداء كاملا كما يقولون فلا أدفع إلا سبعة ريالات. أما الوجبة للغداء هنا فستة دولارات واسألوا اخانا صالح باوزير او عبدالرحمن طيبة!
ولقد ظننت ان في الرحيل عن نيويورك السلامة فغادرتها في اليوم الثالث دون ان أرى منها إلا اليسير اليسير عن بعد، ومن السيارة فقط، وقصدت مدينة الباسو في تكساس حيث احد ابنائي ثم لاس كروزز في نيو مكسيكو حيث الابن الثاني. وبعد الغد سأذهب الى هيوستن حيث طبيب القلب العربي الأصل المشهور الدكتو دبغي.
ولقد رأيت أن ابعث بهذه الاسبوعيات من الباسو. وقد حملتني على ذلك رغبة صادقة في ان اسجد لله شكرا وادعو كل قارئ وكل سعودي كبيراً كان أم صغيراً، رفيعاً ام وضيعاً، ان يسجد لله شاكراً على ما تفضل به واسبغ من نعم ظاهرة وباطنة علينا، في ديننا ودنيانا وتقاليدنا.
ان ديننا القديم يأمرنا بكل جميل في الحياة. ولقد هيأ لنا «ديننا» وتمسكنا به ما نلمسه ونعيشه من أمن وهدوء وسكينة واستقرار وعدالة ورخاء..
الفرد منا آمن في سربه، آمن في عرضه وأهله وماله.
ما الذي يريد الحي، أي حي، إلا ان يكون كذلك.
ما الفائدة في ان ابلغ القمر وأنا لا اشعر بهدوء ولا باستقرار؟ في ديني ولا عرضي ولا مالي!
وكلمة أخرى..
لقد احتجت الى دواء في فرانكفورت بألمانيا حيث بقيت ليلة واحدة في طريقي الى الولايات المتحدة الامريكية فدفعت للدواء في البلد الذي يصنع فيه اكثر مما ادفعه في الرياض.
وبعد..
احمدوا ربكم واسجدوا له شاكرين.. واسألوا المزيد مما تفضل به عليكم.. ولرسالة أخرى ان شاء الله.
كلمة لفضيلة الأستاذ الشيخ الطنطاوي
السوالف هنا هي العلامة الفارقة لليهود الصهاينة وللذين يؤمنون بمبادئهم ويعطفون على قضيتهم. وهنا لباس يسمونه «ميني اسكيرت» ينزل حتى ثلث الفخذ غير ان الغالبية العظمى من النساء والفتيات في أوروبا وامريكا ابتدأن يلبسن طويلا مفضفضا يصل الى القدمين.
ومن حسناتهم، وللقوم حسنات أنهم «يزفون» من يعاكس فتاة او امرأة. وقد يضربونه. نعم قد يضربونه. أي نعم. ولفضيلته تحياتي.

خالد خليفة
الباسو - تكساس

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved