Thursday 11th september,2003 11305العدد الخميس 14 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لغز الحياة لغز الحياة
د. موسى بن عيسى العويس(*)

المرأة لغز الحياة وسرها، ظل منذ فجر الخليقة عصياً على الرجل إدراكه وفهمه، واستكناهه وفك أحاجيه. توصل أو كاد إلى فهم كل ما في الوجود ماعداها، وتحكّم في كل شيءٍ سواها. تضاربت الآراء فيها وتباينت، وتصارعت الأفكار في وظيفتها واختلفت، وبقدر تلون عواطفها وتقلباتها كانت هذه الصورة التي نص عليها (المتنبي)، و الذي قادته تنبؤاته إلى فهم أسرار قلبها ومخبآت صدرها، ليقول:


إذا غدرت حسناء وفّت بعهدها
فمن عهدها ألا يدوم لها عهدُ
إذا عشقت كانت أشد صبابةً
وإن فركت فاذهب، فما فركها قصدُ
وإن حقدت لم يبق في قلبها رضا
وإن رضيت لم يبق في قلبها حقدُ
كذلك أخلاق النساء وربما
يضل لها الهادي، ويخفى بها الرشدُ

صورٌ من عواطف مزدوجة ومتقاطعة تشكلت منها شخصية المرأة، وقامت عليها حياتها التي جمعت بين القوة والجرأة والمغامرة، فما من غريزة فيما يبدو أعمق دهاءً، وأوسع حيلة، وأغزر شراً من غريزتها، لكنها مع ذلك طريفة وشيقة ومسلية، لذا فليس من الغرابة أن يسرف الرجل في التودد إليها، ويغلوا في التحبب لها، ويمعن في إرضائها حتى ولو ضيقت عليه الخناق، وأخذت في الأمر والنهي والتحكم والاستبداد. وكثير أولئك النفر من الأزواج الذين هجرتهم زوجاتهم أو هجروها، لسبب أو لآخر كانوا يجدون في طيفها الزائر وسيلة تسلية وترويح، وإن حاول التحامل على واقعه، هاهو رجل يكتب أبياتاً لزوجته، وقد طال عليه أمد الهجر، فما كان منها إلا أن تخلت عما في نفسها، يقول:


أقامت على الهجران ما إن تجوزهُ
وخالفها بالوصل طيفٌ لها يسري
فكم في الدجى من فرصةٍ بلقائها
ومن ترحةٍ بالبين منها لدى الفجر
إذا الليل أعطانا من الوصل بلغةً
ثنتنا تباشير النهار إلى الفجر

شخصية المرأة يجمل بمن هم حديثو عهدٍ بالحياة الزوجية معرفتها والاطلاع عليها ؛ لكي يوطنوا أنفسهم على مانبا من أخلاقها، وشط من تصرفاتها، وراش من سلوكها،إذ لولا شدة انفعالها لاستولى على الناس الجمود والخمول. ولولا سرعة تقلبها لقضي عليهم بالضجر والملل، ولولا عنادها لأ صبحت في مجتمعٍ مستبد لارأي لها ولا مقام ولا تصرف، نسيرها كيفما نشاء، إن أحسنا معاملتها دانت لنا بالفضل، وإن أسانا واستبددنا بها كتمت همها وصبرت على بلواها. وكم من نفوسٍ مظلومة وبريئة تدفن حزنها وشقاءها في طيات الصدور. فأي شقاء ياترى يضارع شقاء المرأة في بعض المجتمعات. وأي عذاب يقاس بعذابها. ورغم تلك الانطباعات العامة، فإن للمراة دورها المؤثر في حياة المجتمع، حيث ظلت ملهمة للكتاب والمفكرين والأدباء، فتناولوا حالاتها الأدبية والعاطفية والثقافية والاجتماعية، وعلاقاتها الإنسانية بالرجل والأسرة والمجتمع، وتجاوزت النظرة إليها عند بعضهم كونها تربة للانتاج البشري ومتعة للرجل، فلم تعد زوجة وأم فحسب، بل أصبحت في نظرتهم الحضارية فكر يدير، وقدم تسعى، وساعداً يعمل، ولولا مايحيط بحياتها من سياج التقاليد، لغشيت بقوتها الخفية كل مياين الحياة الشائكة، ساخرة من شدائدها، هازءةً بأخطارها.
* المرأة في نظر المجتمع المتحضر، رفيقة عمر، وشريكة حياة، ومستشار مخلص، وناصح امين، وكاتمة سر، وربة بيت، وصائنة عرض، ومثل أعلى، وقوة عظمى. قوة مصدرها تحدي الرجل الذي سيطر بكبريائه القاسية، وغريزته الشرسة، وأنانيته الطموحه على كل مرافق الحياة. المرأة بعفتها وبراءتها أوحت بالفضائل إلى البشر،وجردت غرائزهم الشريرة من اسلحتها الفتاكه.. بجمالها ولطفها غرست في قلوبهم زهرة الحب. المرأة في عالم الأدباء، خيال رائع، وجمال فتان، وأمل منشود. وإذا كان الأدباء هم الذين أوجدوا المرأة وخلدوها في ذهن الأجيال الشاعرة، فإن المرأة هي الأخرى قد الهبت مخيلة الرجل، وأوحت له كثيراً من المعاني، بحكم تأثيرها في شعوره وأحاسيسه، وانطلاقات روحه وقلبه. هي في قاموسه لطف لايحاكيه سوى رقة النسيم، وجمال لايدانيه سوى جمال البدر، وصفاء نفس لايضاهيه سوى الماء. المرأة في خيال الأديب منبع وحيٍ وإلهام، ومصدر للتفنن والابتكار. مَن غيرالمرأة أيقظ عواطفه، ومَن غيرالمرأة أنعش آماله. ومَن غير المرأة بنى أحلامه. خلع عليها كل مافي الطبيعة من حسن وجمال وبهاء. شخّص النرجس في عينيها، والسيوف في نظراتها!، واللؤلؤ في دموعها، والورد في خديها، والدر في لسانها، والعناب في أناملها، والليل في سواد شعرها. * وكم كانت المرأة بهجرها ووصلها، وتمنعها ودلالها مبعث أشجان ومنبع آلام، فكم راشدٍ سلبت نهاه، وعاقلٍ أفقدته الصواب، وعاشق حرمته طيب المرقد ولذة العيش. ولنأخذ هذه المقطوعة الشعرية (لفوزي المعلوف)، لنرى سطوة المرأة، حين تغلب على تفكير الرجل، وتطغى على خواطره، فتستغرق مشاعره، وتستنفد فراغ نفسه ووجدانه:


ألا فاكشفي عني الرداء وحدّقي
بصدري تري ما لاترى أعين الناس
ضلوعٌ ولكن لاويات من الجوى
وقلب، ولكن كالمدامة في الكاس
ولاتلمسي جسمي فجسمي شعلة
من النار، لاصدري سليم ولاراسي
أخاف على وردٍ بخديك ناضرٍ
من الموت إن هبت على الخد أنفاسي
أنا الليل مسود الجوانب مرعبٌ
وأنتِ على بعد المزارة نبراسي
أنا الحزن مرسوم، أنا السقم ظاهرٌ
أنا الحب مصدودٌ، أنا الألم الراسي.

*الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved