Thursday 11th september,2003 11305العدد الخميس 14 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إدارة بوش والاستثمار السياسي لكارثة سبتمبر!! إدارة بوش والاستثمار السياسي لكارثة سبتمبر!!
عبارة « سبتمبر غيرت كل شيء» تم اتخاذها تكئة للهيمنة الأمريكية على دول العالم

بقلم نورمان سولومون(*)
من بين المصطلحات الإعلامية العظيمة التي ظهرت وانتشرت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وحتى الآن المصطلح الذي يقول إن هذا الحادث «غير كل شيء» وقد أصبح هذا المصطلح بسرعة كبيرة هو السائد في مختلف وسائل الإعلام خاصة الأمريكية، ولكن الصدمة التي تسببت فيها هجمات سبتمبر لم تستمر طويلا، كما أن أحداث هذا اليوم الرهيب لم تحدث تحولات جذرية في حياة أغلب الأمريكيين على الرغم مما حققته من تحولات في المشهد السياسي والإعلامي، فعلى الرغم من الألم العظيم والتغطية الإعلامية الهائلة لهذه الأحداث إلا أن الحياة اليومية للأمريكيين عادت إلى طبيعتها تقريبا.
ولكن ذلك لا يعني أن هناك بعض التغييرات الواضحة التي شهدها المجتمع الأمريكي.
فقد أصبح الخوف من الإرهاب أمرا عاديا، كما تم تكثيف الإجراءات الأمنية بما يفوق الضرورة وبخاصة في المطارات، كما صدر قانون مكافحة الإرهاب في أمريكا وتضمن فرض الكثير من القيود غير الضرورية على الحريات المدنية للمواطنين الأمريكيين، كما استمرت المخاوف الأساسية من هجمات سبتمبر معنا حتى اليوم، فمازال الاقتصاد الأمريكي يعاني التدهور وارتفاع معدلات البطالة وتراجعت مزايا صناديق المعاشات وتقلص نظام الرعاية الصحية بحيث بات هناك أكثر من أربعين مليون أمريكي لا يتمتعون بالرعاية الصحية بسبب عدم خضوعهم للتأمين الصحي، وبعد عامين من هجمات سبتمبر أصبح المال أكثر قوة ونفوذا على الرغم مما تردده وسائل الإعلام الأمريكية عن غير ذلك.
وفي خلال الشهور الأخيرة من عام 2001 أخذت وسائل الإعلام الكبرى تبشر بوصول القيم الإنسانية إلى البلاد.
وقد صدر عدد شهر ديسمبر من مجلة «أوبرا ماجازين» وعلى غلافه عنوان كبير يقول «نحن عائلة» وفي الموضوع الرئيس للمجلة كتبت تقول: رؤيتنا لمفهوم العائلة أصبحت أكثر اتساعا. وأضافت من بين أنقاض برجي مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية المعروف باسم البنتاجون في ولاية بنسلفانيا ظهرت روح جديدة للوحدة. لقد أدركنا أننا جميعا جزء من عائلة أمريكا، والحقيقة أننا اليوم وبعد أكثر من عامين مرت على الأحداث اتضح أن كل ما تردد عن انتشار قيام الإيثار والعائلة في أمريكا يدعو إلى عدم التصديق ان لم يكن يدعو إلى السخرية فوسائل الإعلام التي ملأت الدنيا ضجيجا عن إحياء قيم العائلة والتآلف لا يمكن أن تنكر حقيقة أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في أمريكا أصبحت أوسع من أي وقت مضى، فأي نوع من العائلات يمكن أن يترك هذا التفاوت الرهيب بين أفرادها؟ووفقا لقياسات الرأي العام فإن شعبية الرئيس الأمريكي جورج بوش التي كانت قد وصلت إلى مستويات قياسية قد تراجعت مؤخرا إلى مستوياتها نفسها قبل هجمات سبتمبر تقريبا.
وقد تم هذا التراجع في شعبية بوش في الوقت الذي كانت فيه الاساطير التي سادت أمريكا عن تفوق الأمريكيين بعد كارثة سبتمبر تتلاشى، فالأحداث التي تلت في الشهور التالية وضعت الحقائق المؤلمة في دائرة الضوء فالأنباء الأخيرة التي تحدثت عن أرباح شركتي هيلبرتون وبكتل الأمريكيتين من احتلال العراق تزامنت مع الكشف عن الضغوط القوية التي مارسها البيت الأبيض على هيئة حماية البيئة الأمريكية في الأيام التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتضليل الرأي العام بشأن المخاطر البيئية الناجمة عن الغبار السام الذي ملأ سماء نيويورك بسبب انهيار مبنى مركز التجارة العالمي. وقد أعلن مكتب المفتش العام التابع لهيئة حماية البيئة الشهر الماضي أن الرغبة العارمة في إعادة فتح بورصة وول ستريت في نيويورك كانت عاملا رئيسا وراء الضغوط التي مارستها إدارة بوش من أجل تضليل الأمريكيين، إذن فعلى الرغم مما قيل للشعب الأمريكي من أن الهجمات غيرت كل شيء فإن النخبة السياسية الحاكمة في واشنطن أعطت استئناف العمل في بورصة نيويورك أولوية قبل كل شيء حتى لو كان صحة الأمريكيين.
وبعد هجمات سبتمبر وفي الوقت الذي كان عشرات الآلاف من الأمريكيين غارقين في الحزن بسبب فقد أحبائهم تحت أنقاض مركز التجارة العالمية كانت وسائل الإعلام الأمريكية منهمكة في توجيه رسائل إعلامية ذات أهداف سياسية.
وقد تسابق كل السياسيين الأمريكيين بدءا من الرئيس بوش وحتى أصغر سياسي مبتدئ ليقدم نفسه في صورة المتعاطف من عائلات الضحايا.
وقد تحولت مأساة الضحايا إلى مجرد مواد صالحة للنشر على نطاق واسع وتسابقت وسائل الإعلام في نشر معاناة هؤلاء الضحايا باعتبارها كنزاً إعلامياً ثميناً، وهكذا تحولت المأساة إلى كنز سياسي.
لقد تحول مصطلح «احداث سبتمبر غيرت كل شيء» إلى تفويض للإدارة الأمريكية بمهاجمة الدول الأخرى في العالم وفي الوقت الذي كان الأمريكيون يكفكفون دموعهم كانت الصواريخ الأمريكية تقصف البؤساء في أفغانستان، وقد تسابقت وسائل الإعلام الامريكية في إظهار أكبر قدر من الوطنية فكان مذيعو الأخبار الذين يذيعون أنباء القصف الأمريكي لأفغانستان يرتدون شارات تحمل نجوم العلم الأمريكي.
وقد رافق مراسلو شبكات التلفزيون الأمريكية القوات الأمريكية في حملتها على أفغانستان التي أودت بأرواح آلاف الأفغان الأبرياء الذين لا تربطهم أي صلة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر وأخيرا وليس آخرا غزت القوات الأمريكية العراق وأطاحت بنظام حكم الرئيس صدام حسين على الرغم من عدم وجود أي علاقة بينه وبين هجمات الحادي عشر من سبتمبر أو تنظيم القاعدة.
وقد أودى هذا الغزو بأرواح أكثر كثيرا مما أودت به هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ويبدو أن الانعكاسات الأخلاقية لا تمثل عنصرا مؤثرا في سياسة الحروب الأمريكية، فقبل عامين تذكرت وسائل الإعلام الأمريكية قصيدة الشاعر الأمريكي دبليو إتش أودين«أول سبتمبر 1939» واحتلت القصيدة مساحات واسعة في الصحف الأمريكية بعد هجمات سبتمبر.
تتحدث القصيدة عن ناطحات السحاب في نيويورك والتي يمكن أن تكون رمزا لمركز التجارة العالمي كما تتحدث عن رائحة الموت المفاجئ الذي يهاجم سكان هذه المباني في إحدى ليالي سبتمبر، ولكننا اليوم وبعد عامين من الكارثة نحتاج إلى أن نتذكر البيت الذي يقول فيه الشاعر«هؤلاء الذين تعرضوا للشر فعلوا الشر في المقابل».

(*) المدير التنفيذي لمعهد التدقيق العام في سان فرانسيسكو الذي يهتم بمتابعة دقة ما تنشره وسائل الإعلام الأمريكية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved