Thursday 18th september,2003 11312العدد الخميس 22 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في وزارة الثقافة والإعلام: الرقابة والثقافة، هل هناك علاقة؟ في وزارة الثقافة والإعلام: الرقابة والثقافة، هل هناك علاقة؟
د. إبراهيم بن عبدالله السماري

عندما قادتني خطاي إلى وكالة وزارة الثقافة والإعلام المساعدة للإعلام الداخلي وتحديداً إلى إدارة الرقابة العربية للحصول على تصريح لنشر كتاب جديد ساءلتني نفسي- وحقّ لها ان تساءلني - هل هناك علاقة بين الرقابة والثقافة؟ وما الجوانب الخفية سلبية وإيجابية في هذه العلاقة؟
وما مدى أهميتها في بناء الوظيفة الثقافية والتنموية للفرد والأمة والوطن؟ اشتد جدل تلك الأسئلة في غياهب الفكر وعلا صوتها في مخيلتي، حتى توصلت إلى أن العملية الرقابية ضرورة للحفاظ على حقوق الناس في ضوء ما تقضي به الالتزامات الشرعية وما تضمنته قوانين وأنظمة حقوق المؤلف في كل بلدان العالم، وهي ضرورة للمحافظة على الهوية الوطنية بالنظر إلى أن لكل انتماء وطني خصوصيات لايمكن تجاهل أهميتها في حياة الأفراد والمجتمع ولذا تصبح المحافظة عليها وحسبان ضرورتها من الأوليات المطلوبة في البناء الثقافي، كما أن سلامة القافلة الثقافية لا يمكن أن تتحقق بدون وجود جهة تتولى التقييم والتقويم وهذا جزء من الوظيفة الرقابية بمفهومها العام والصحيح.
ولكن هذا لا يمنع القول بأن المطلوب الأهم حقيقة هو التوازن عند إدارة العملية الرقابية بحيث لا يصبح الميدان الثقافي كلأً مباحاً لكل من هب ودب أو يريد التطاول على مسلمات الناس أو إيذاء الوحدة الوطنية وفي الجانب الآخر لا تكون العملية الرقابية موجهة نحو صنع قيود تثقل الحركة العلمية والثقافية، أو زرع عقبات هدفها أن تعيق الناتج الثقافي فلا تستطيع تجاوزها الخيول المدربة في ميادين السباق. وإعلاناً للحق فإن دورة وحركة المعاملات داخل وكالة وزارة الثقافة والإعلام المساعدة للإعلام الداخلي تتم بشفافية تامة وتوازن حقيقي لا يمكن أن يلمّ بجوانبه إلا من عايش ذلك الواقع كما حدث لي خلال زياراتي المتكررة لإدارة الرقابة العربية للحصول على تصاريح لنشر كتبي فقد لفت نظري اختلاف المستويات الفكرية والسلوكية لمراجعي هذه الإدارة وتنوع الحِيل التي يلجأ إليها البعض لتمرير قناعاته أو لتسويغ الاعتداء على حقوق الآخرين أو للتهرب من الاضرار التي قد تلحق الأبرياء من جراء كتابات تمس كرامة عائلة «ما» من العوائل المشهورة التي ينضوي تحت لوائها عدد كبير من الأفراد لاناقة لهم ولا جمل فيما نسب إلى عائلتهم وقد يكون دسيسة أو بهتاناً، مما يضر بالوحدة الوطنية، ويفجعك حقاً أن تسمع لأجل ذلك الأعذار والمبررات التي تفوح منها رائحة لحن القول، ثم يفرحك أن كل ذلك يقابله السلوك الراقي من العاملين في تلك الإدارة للتغلب على المواقف المحرجة حيناً ولامتصاص الحماسة الزائدة حيناً آخر، كما اطلعت على بعض الضغوط العملية التي تواجه العاملين في هذه الإدارة وفي مثيلاتها من الإدارات ذات الطبيعة الرقابية التابعة للوكالة والتي لا يمكن للعاملين تحملها بدون الدعم الكامل الذي يلقونه دوماً من معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور فؤاد الفارسي، ثم أقول بعد ذلك إنه لا يمكن الوصول إلى رؤية واضحة حول العملية الرقابية في المجال الثقافي إلا في ضوء قناعات ومسلمات لابد من استحضارها والتأكد من استيفائها لتتم الإجابة في بيئة صحيحة وبعمق أدق، وأولى تلك المسلمات أن العمل المثمر المنتج هو ذلك العمل الذي يستند إلى أسس واضحة ومرتكزات سليمة وبالتالي فإن العلاقة بين المنشأة والمستفيد منها يجب أن تكون مبنية على الصدق وأن تكون مغذاة بالاحترام المتبادل بين الطرفين، فإن هذا الاحترام هو الماء الذي تسقى به بساتين تلك العلاقة لتزهر حقولها طيب الجناء ولتثمر أشجارها يانع الثمرات، ولذا فإنني اعترافاً بالحق في كل مرة أحمل أوراق طلبي إلى سعادة الأستاذ مسفر بن سعد المسفر المستشار والمشرف على الإعلام الداخلي أو للأستاذ يوسف بن عبدالرحمن اليوسف مدير الرقابة العربية أو مساعده الأستاذ عبدالرحمن السليم لإكمال لازمها أجد تجاوباً وقدرات فائقة ورغبة أكيدة في الوفاء بالرسالة الثقافية بكل أبعادها الدينية والاجتماعية والوطنية، ولذا فلن أبعد النجعة إذا قلت إن الرقابة في جانب مهم منها هي عملية اتصالية تقوم على العلاقات العامة بالدرجة الأولى، وقد عرّف بعض علماء الاتصال العلاقات العامة بأنها العمل الذي يهدف إلى كسب الجمهور وإلى تحسين صورة المؤسسة في نظر المتعاملين معها وذلك لتحقيق هدف مادي أو معنوي، وعرّفها كانفيلد بأنها الفلسفة الاجتماعية للإدارة والتي تعبر عنها من خلال أنشطتها وسياستها المعلنة للجمهور لكسب ثقته وتفاهمه، وعرفها آخرون بأنها أي جهد تبذله المؤسسة وأي قرار تتخذه وأي سياسة تتبناها وأي رسالة تصدرها أو تستقبلها ما دامت تستهدف تعزيز التفاهم بين المؤسسة وكل أو بعض جماهيرها. فإذا كان من ضرورات ومقتضيات العمل الرقابي الاتصال بالجماهير فإن من الأهمية بمكان ترسيخ التواصل بين المؤسسة والمستفيدين من خدماتها ومواردها وأعمالها وأن يتم هذا الترسيخ عبر بوابات مؤسسة على أرضية صلبة من أهم أسسها:
1= حسن التعامل مع الناس، لأن المؤسسة تسعى إلى كسب هؤلاء الناس وتعمل كل ما تستطيعه ليقبلوا إليها وليتقبلوا أعمالها بصدر رحب وقبول تام.
2= توليد الثقة بالمؤسسة في نفوس المتعاملين معها، لأن هذه الثقة هي وسيلة كسب ودِّهم وهي وسيلة تحقيق رضاهم وتقبل العمل الرقابي.
3= العمل على ترسيخ مفاهيم وقيم معينة هي قيم ومفاهيم رسالة المنشأة التي تتبعها الجهة الرقابية.
وهذه الأسس المهمة تحتاج إلى كيفيات وآليات لتفعيلها ونجاحها وتحقيق أهدافها ومن أهمها:1- حسن التخطيط للعمل، واعتماد الحوافز العادلة للعاملين، ودعمهم بالقدرات البشرية الكافية، والعناية بعملية التدريب أثناء العمل وخارجه.
2- توفير مناخ العمل معنوياً ومادياً ليكون قادراً على حفز همم العاملين وشحذها لصالح الأهداف المتوخاة من عمل المنشأة.
3- تنمية قدرة وأسلوب ومهارة وكفاءة القيادة المشرفة على العمل بفتح مجالات التأهيل والتدريب أمامها، لأن الكفاءة وحسن استخدام الأساليب المناسبة من العوامل المهمة لحسن سير العمل ونجاحه، والإنسان داخل التنظيم الإداري وخارجه يتأثر به ويؤثر فيه، ولذا لابد من تكييف هذا التنظيم على أساس حساب إنسانية الإنسان وعواطفه ومعتقداته والحرص على تحقيق التوازن في مجال حقوقه وواجباته ليتحقق نفع الفرد والمنشأة الإدارية، لأنه من البدهي أن كل كائن لابد له من طاقة تحركه وبحسب قوة وكفاءة هذه الطاقة تكون قوة وكفاءة الحركة الناتجة عنها والمعاملة الحسنة هي الطاقة التي تحرك الإنسان وتؤثر في كفاءة عمله.
وقد هالني- وربما كان السبب الرئيس لكتابة هذا المقال- أن وقعت عيناي على إحصائية بعمل إدارة الرقابة العربية خلال العام الأخير حيث بلغ الإنتاج المحلي المعروض على هذه الإدارة 4331 مصنفاً مختلفاً، وبلغ الإنتاج المستورد 4617 مصنفاً، مما يدل على حرص وزارة الثقافة والإعلام على مراعاة تلك الأسس والكيفيات في عملها، إلا أن هذه الأرقام استوقفتني كثيراً لعدة أسباب:
أولاً: ضخامة الأرقام مقارنة بإمكانات وعدد العاملين في إدارة الرقابة والساعات المخصصة للعمل اليومي، ثانياً: أن المصنف الواحد من هذه المصنفات يتكون- أحياناً- من عدد من المجلدات المكتوبة، أو كم من الأشرطة المسموعة أو الأفلام المرئية، مما يعني صرف وقت طويل للاطلاع عليه ومراجعته. ثالثاً: تبين من تلك الأرقام أن السوق السعودية ذات طبيعة إنمائية- قابلة للنمو- ولذا فهي مستهدفة من المنتجين في الخارج، وهذا ما يفسر- في رأيي على الأقل- ارتفاع أرقام الإنتاج الخارجي لتصبح أكبر من أرقام الإنتاج الداخلي، وهو ما يدعوني إلى المطالبة بضرورة تفعيل هذه المقارنة، ودراسة أسباب الاستهداف ومجالاته، لأن الإنتاج الخارجي لم يكن ليتضخم لو لم يجد سوقاً رائجة وهذه السوق الرائجة لم تكن كذلك لو لم تفتقد البديل المحلي، ومن ثم أصبحت هذه هي وظيفة المخططين والمسؤولين عن الثقافة الوطنية التي أصبحت منوطة بوزارة الثقافة والاعلام وحدها، ويمكن لتفصيل القول أن اشير إلى أن هذه الوظيفة يلزم لها تحليل تلك الارقام ونوعيات الانتاج ومجالاته لتحديد الجوانب الناقصة في الإنتاج الثقافي المحلي ليتم دعمها من أجل تلبية احتياجها بإنتاج وطني يواكب التطورات التي تعيشها بلادنا، وتستقيم توجهاته مع خصوصياتنا الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضاً!
إن مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام منذ إعلان التشكيل الوزاري الأخير تضاعفت، لأنها أصبحت مناط تطلعات المثقفين في هذه البلاد ومما زاد المسؤولية أهمية أن فئة المثقفين ترى أنها ذات خصائص معرفية يمكن أن يستفاد منها في عملية الرقي بالثقافة الوطنية وهو الهدف الأسمى من التركيز على العنصر الثقافي في عمل الوزارة وجعله سابقاً لعنصر الإعلام في اسمها الرسمي! إن من الأمور المهمة التي يؤمل أن تلتفت إليها وزارة الثقافة والإعلام بالرعاية ومزيد الاهتمام عملية الرقابة وكيفية دعم العاملين في إداراتها بالكفاءات والقدرات والعناية بتأهيلهم وتدريبهم وتشجيعهم كذلك، ليكونوا قادرين عن علم وبصيرة على التعامل مع الإنتاج الثقافي الوطني بشفافية وتوازن يحفظ المصلحة للأمة وللوطن وللفرد كذلك، ويستطيع المثقف من خلاله الأمن على إنتاجه فلا يقع الظلمُ منه ولا عليه. وبالله التوفيق،،

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved