Thursday 18th september,2003 11312العدد الخميس 22 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
في سوسيولوجيا (أم الركب!)
د.فارس محمد الغزي

لا أدري إن كان أحد منكم قد عايش عن قرب تجربة مباشرة مع زلزال ما مثلما فعل (صاحبكم) وذلك خلال احدى رحلاته الخارجية؟!. كذلك لا أدري عن طبيعة تصرفكم حينها مثلما انني ما زلت لا أدري كيف ولماذا تصرفت كما تصرفت خلال اللحظات القصيرة الطويلة جدا للزلزال الذي عايشت أحداثه شخصيا. فقد كنت حين وقع الزلزال في الدور السابع من احدى البنايات العملاقة في احدى المدن الأمريكية، وقد أخذتني المفاجأة بالأمر إلى الدرجة التي لم أتحرك من مكاني قيد أنملة في وقت رأيت فيه غالب الحضور يهرولون طلبا للنجاة إما عبر أبواب الطوارئ أو من خلال الاختباء تحت الطاولات وما شابه ذلك. العفو..! أرجو ألا تكونوا قد اعتقدتم إنني قد فعلت مافعلت عن شجاعة ورباطة جأش، بل إن الأمر كان على عكس ذلك تماما حيث أخذتني كما قلت آنفا المفاجأة بل وعصفت بي إلى درجة أبقتني حيث كنت، أو لعلها كانت (أم الركب..!) كما يسميها العامة ألا وهي الحالة التي لا يستطيع الفرد خلالها الحراك حينما يجد نفسه وجها لوجه أمام أحد المواقف المخيفة.. المهم أنني لا أدري كيف نجوت لأخرج بعد ذلك ومن دون عودة لا من المبنى فحسب بل أيضا من الولاية ذاتها.
ومذاك لازمني بالحاح تساؤل ذاتي كنهه: لماذا اقدمت على التصرف وفق ما حدثتكم عنه؟ لماذا بقيت في مكاني ولم أسارع إلى الهرب عبر أبواب الطوارىء أو على الأقل الاختباء تحت احدى الطاولات كما فعل غالب الحضور؟.. بكل صراحة لا أدري غير أنني أدري أن الأبحاث (الثقافية) فيما محوره استكشاف (طبيعة سلوكنا تحت الخطر) ونوعية الاستجابة للطوارئ وما شابه ذلك تكاد تكون معدومة في مجتمعنا، فليس لدينا كبير اهتمام بظواهر ما يسمى علميا (السلوك الجمعي) لا سيما منها الظواهر المتعلقة بالتعامل التلقائي مع الأخطار والكوارث المفاجئة وذلك على الرغم مما لهذه الدراسات من أهمية بالغة في تأصيل وتأطير الحلول المناسبة لمثل هذه الحالات، ومثل هذه الدراسات تشيع على نطاق واسع في العالم المتقدم وتحظى بأقسام أكاديمية مستقلة قائمة بذاتها في العديد من الجامعات، الأمر الذي أمدهم (عنهم!) بخزينة هائلة من المعلومات (الثقافية) اللازمة للتخطيط والمكافحة والوقاية وغير ذلك من متطلبات وعناصر السلامة المدنية. والسؤال هو: ماذا نعرف عن ردات فعل (ذواتنا) في المواقف الخطرة أو الحرجة..؟ كم هي الدراسات التي أجريت لدينا عن تصرفاتنا في (الأسانسير) على سبيل المثال، بل ما هي الأطر الثقافية التي تفسر لنا حيثيات واسرار استخدامنا للحيز المكاني أو المسافة وذلك حين التعامل المباشر مع بعضنا الآخر والظواهرالمتمحورة بهذا الأمر تحظى في الغرب بمنهجية من ذاتها تعرف ب(Proxemics)؟. بل كم هي الدراسات التي تشرح لنا بتأطير وتأصيل الأسرار والبواعث الثقافية لحركة أجسادنا حيث تضطلع تلك أيضا في العالم الغربي بمنهجية علمية تسمى (kinesica) وهذه بالمناسبة من منهجية من العمق بحيث تتجاوز مجرد دراسة ما يعرف بلغة الجسد أو ما يعرف ب(بودي لا نقويج).
.. أعتقد أن دراسة ما لا يخطر على البال أنسب وسيلة للتعامل الأنسب حين يحدث ما لا يخطر على البال...

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved