Thursday 18th september,2003 11312العدد الخميس 22 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رسالة أخيرة إلى الوالد الغالي محمد بن صالح العذل «رحمه الله» رسالة أخيرة إلى الوالد الغالي محمد بن صالح العذل «رحمه الله»

  الموت حق وكل نفس ذائقة الموت وهذه سنة الله في خلقه سبحانه وتعالى.
يبدأ القمر في الظهور في بداية كل شهر حتى منتصف الشهر ويصبح بدراً ويعود بعدها يختفي شيئاً فشيئاً حتى يختفي تماماً في نهاية الشهر ويعاود الظهور مرة أخرى وهكذا إلى أن تقوم الساعة، إنما قمرنا كان يطل علينا كل ليلة ويضيء سماءنا أينما كنا وهو بدر دائماً لم يختف طوال السنين التي مضت من حياته إنما أتى اليوم الموعود ليختفي قمرنا إلى الأبد، إنه لن يعود إلينا كما يعود القمر كل شهر وبعكس قمر السماء الذي يبدأ في الظهور في بداية الشهر إلى أن يكتمل كان قمرنا هذه المرة يختفي شيئاً فشيئاً من بداية الشهر الحالي إلى أن اختفى في منتصف الشهر تماماً، لقد انطفأ القمر الذي كان يضيء سماءنا نحن عائلة العذل.
قبل عدة أيام توفي والدنا الغالي ونحن مؤمنون ولله الحمد بقضاء الله وقدره ولكن كنا نرجو من الله أن يمد في عمره ولو بضع سنين حتى نستمتع بنور قمرنا وعز بيتنا وعميد أسرتنا رحمه الله وأفسح جناته، مات والدنا وصديقنا وحبيبنا ومعلمنا ومرشدنا ومربينا وراعينا ذهب ولن يعود.. ذهب إلى جنة الخلد برحمة ربه عز وجل، مات والدنا وورث لنا حملاً كبيراً لا نعتقد أننا نستطيع أن نقوم به، هذا الورث الكبير هو حب عمل الخير وحبه للناس وخدمته لهم.. حبه لدينه ولمليكه ووطنه حبه لتحري فعل الخير حبه لمراعاة الكبير والصغير وحبه لتلمس حاجات الناس البعيدين قبل القريبين، ورث مهاماً صعبة لا يستطيع أحد منا أن يقوم بها إلا هو، من يستطيع منا مجاراة الحاضرة والبادية، من يستطيع منا معرفة القبائل والأنساب، من يستطيع منا معرفة التاريخ القديم والحديث، من يستطيع منا أن يتحدث في كل المناسبات وعلى جميع الأصعدة دون تقصير أو انقاص في حق أحد؟!. رحمك الله يا أبي، إننا لن نستطيع عمل ما قمت به من أعمال خير انتفع منها مئات بل ألوف البشر.
نرجو أن تسمح لنا عن القصور الذي سوف يأتي من بعدك رغم وعدنا لك بأن نبذل كل ما في وسعنا في سبيل أرضائك بعد الله وأنت في قبرك سوف نعدك بأن نقوم باتمام مسيرتك العطرة قدر استطاعتنا ونكرر أن هذه المهمة صعبة جداً ونرجوك السماح والصفح عن قصورنا إذا قصرنا في اتمام ما قمت به طوال حياتك.
والدي الغالي إنني دوماً أتذكر نصائحك حول التواصل الأسري وزيارة المريض من الأقارب أو الأصدقاء أو من عامة الناس ما أمكن ذلك، لازلت أتذكر النصائح القيمة التي تقولها لنا حول الصدق في المعاملة والأمانة والاخلاص في العمل، لازلت أتذكر نصائحك حول حب الناس وحسن التعامل وبذل الخير، والدي رحمك الله.. نرجو جميعاً نحن أبناءك وبناتك بأن تكون راضياً عنا قبل وفاتك وأن نكون قد قدمنا لك ولو بالشيء اليسير الذي يرضيك حيث إننا نعلم أننا لن نقدم كل شيء يقابل ما فعلت لنا إنك بذلت الغالي والنفيس في سبيل اسعادنا، إنني أتذكر قصتك التي تكررها دوماً عن حب الوالدين والوفاء للوالدين وتذكر قصة الرجل الذي كان ابنه يقوم بأعمال كثيرة لارضاء الله وارضاء أبيه من بعد الله وكل مرة يقول له والده إنني عملت بأبي مثل هذا العمل عندما كان حياً وفي إحدى المرات قام الابن بعمل عمل لوالده عندما بلغ الكبر فالتفت عليه والده وقال له إنني عملت بوالدي طوال حياته كلما يرضيه بعد الله أما هذه العملة فقد سبقتني يابني عليها.. اشارة إلى أن الابن عمل عملاً قد أرضى والده، وكل ما سمعت هذه القصة منك رحمك الله يطمئن قلبي وأسعد لأنني أعرف أنك قلتها عندما أرضيتك في عمل ما، غفر لك الله وتغمدك برحمته.
والدي الغال..ي موتك كان مفاجأة غير سارة لنا ولكثير من الناس ولكن عزاؤنا هو حب الناس لك ودعاؤهم لك بالرحمة والمغفرة، عزاؤنا في من قام بالدعاء لك في الصلات عليك من مئات المصلين، عزانا في من شارك في دفنك وحضور المقبرة وهم بالمئات، عزاؤنا فيمن زارنا بالمنزل ليعزي فيك ويترحم عليك وهم بالألوف، عزاؤنا في المكالمات الهاتفية التي استقبلناها من جميع أقطار المعمورة معزية والتي كانت تأتي طوال الليل والنهار دون انقطاع، عزاؤنا في برقيات التعازي والفاكسات التي وصلتنا ممن يعرفك ومن لم يعرفك إلا بسمعتك الطيبة وهي بالآلاف، هذه الألوف من البشر هي التي خففت علينا الصدمة وخففت علينا المصيبة جزاهم الله خيراً ورحم الله أمواتهم جميعاً، شعور قيادتنا أعزها الله نحوك كانت ولازالت صادقة ومشاركتها لنا ووقفتهم معنا في مصيبتنا قد خففت الكثير الكثير من مصيبة فراقك أعزهم الله ووفقهم وسدد خطاهم جميعاً.
والدي الغالي رحمك الله وأسكنك عليين، إن فراقك لنا عظيم ولكن هناك الكثير من سوف يفقدك، هناك من ينتظر زياراتك المتكررة في مناطقهم من البادية والحاضرة والتي في كل مرة ينعمون بعمل خير تقوم به في صالحهم إما فتح طريق أو بناء سد أو حفر آبار أو بناء مساجد أو ايصال خدمات إلى آخر ما هنالك من أعمال الخير، إنهم سوف لن يروك بعد هذا اليوم إنهم يدعون لك بعد موتك وقبله جزاهم الله خيراً وجزاك الله خيراً على أعمالك التي قمت بها لوجه الله، مزارعك كانت تنتظر زيارتك لتنعم بحرصك عليها وعدم إهمالها بل قطيع الإبل والغنم الذي كنت تزور وتحرص على نقلها من مكان إلى آخر بحثاً عن المرعى وتوفر لها الماء والشعير والظل سوف تفقد زياراتك المتكررة.. إذاً ليست عائلتك أو محبوك من بني البشر من سيفقدك فقط بل الأرض والحيوانات كذلك رحمك الله، رحمك الله، رحمك الله.. يا أبي أود أن أختم رسالتي يا أغلى أب وأبشرك أنك خلفت ابناً من بعدك سوف يقوم مقامك بالنسبة لرعاية أسرتك والحرص عليها، إن عزاءنا أنك خلفت أخاً أكبر كان ولا يزال وسيظل بإذن الله يرعانا بعد الله ثم بعد وفاتك هو أخونا عبدالله سوف يتولى الأسرة كما كنت تتولاها وسوف يكون أخوه شقيقنا فهد عونا له بإذن الله فلا تقلق فنحن في أيد أمينة، أما شقيقتك التي تحبها وتحبك سوف تكون تحت رعاية الجميع من أبنائك وبناتك وسوف لن ينقصها شيء من أمور الدنيا بإذن الله وسوف نرعاها كما كنت ترعاها ونحبها أطال الله في عمرها و أمدها بالصحة والعافية رحمك الله وغفر لك وأسكنك مع الصالحين إنه سميع مجيب..

ابنك الذي لن تفارق صورتك مخيلته
عبدالعزيز بن محمد بن عذل
20/7/1424هـ - 17/9/2003م

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved