Saturday 20th september,2003 11314العدد السبت 23 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

عنيزة عنيزة
جذبت الريحاني بجمال نفودها ونخيلها فسماها «باريس نجد»
وتاريخ مشرف بالعلماء والأدباء

  حلقات أعدها محمد العبيد - يوسف الوهيب
تقدم «الجزيرة» نبذة عن تاريخ عنيزة التي استحقت في الماضي البعيد والقريب تسميتها (أم نجد) عنيزة هي مدينة العلماء والشعراء، عنيزة التي تحدث عنها الكثير من الرحالة والأدباء باسهاب ووصفوا أرضها وسماءها وأهلها بعشق لا مثيل له .. ولاشك أن ماضي عنيزة مليء بالصفحات المشرفة الذي يصعب حصره ولكننا اجتهدنا بتلخيص الكم الكبير من المعلومات التي وجدناها في العشرات من الكتب والمطويات والمخطوطات والدوريات ونقدمها لكم وسط شعور متناقض بين خشية أن يعتريها النقص رغم الحرص على اعتبار أن الكمال لله وحده وبين الأمل أن ينال اجتهادنا رضا القارئ الكريم.
( بضم العين وفتح النون وسكون الياء وفتح الزاي مع تاء مربوطة) هكذا نطقها الصحيح، إلا أن العامة يسكنون العين مع وجود ألف لينة قبلها مع كسر النون والزاي.
يقول المؤرخ محمد بن ناصر العبودي في كتابه معجم بلاد القصيم الجزء الرابع: عنيزة هي المدينة الثانية في القصيم وكانت في وقت من الأوقات السالفة أكثر مدن القصيم سكانا وأقواها تجارة وأرقاها مدنية حتى سماها بعض السواح من غير أهل نجد (باريس نجد) وذلك لما يتمتع أهلها من لطف المعشر ولين الجانب للأصدقاء والغرباء المسالمين إلى جانب ما عرف عنهم من حماية العرين والصبر في الذود عن الدار والذب عن الجار وعنيزة هي مدينة الأدب والتاريخ في القصيم وهي الأم التي أنجبت العديد من الشعراء والمؤرخين ولازالت كذلك.
عنيزة ذات حظ عظيم من الأدب والشعر بالنسبة إلى غيرها من بلدان القصيم فقد قدمت من المؤرخين والأدباء عدداً أكبر مما قدمته أية مدينة أخرى في القصيم وطبيعي أن ذلك يجعل تاريخها المكتوب أكثر وضوحا من تاريخ غيرها.
سبب التسمية
(عنيزة) جاءت تسميتها بهذا الاسم تصغيراً لكلمة العنز التي تعني الأكمة السوداء ويؤيد ذلك ما رواه الأزهري عن الأعرابي من أن العنز القارة أو الأكمة السوداء كما ذكر ياقوت الحموي في معجمه أن من معاني العنز ما فيه حزنه من أكمة أو تل أو حجارة والتاء فيه لتأنيث البقعة ويعتقد البعض أنها الأكمة الواقعة على الشارع التجاري الآن عند مدخل سوق السدرة وقيل الأكمة الواقعة شرق مسجد الضليعة على بعد 300 متر وقال آخرون إنها الأكمة التي بني عليها مستشفى عنيزة العام.
كما تعرف عنيزة باسم (الفيحاء) ومعناها الواسعة من قولهم: مكان أفيح.
يقول زامل بن عبدالله بن سليم أمير عنيزة من قصيدة طويلة منها:
انشر من الفيحا لملقى لك قريب
عبد الله المذكور سهل في نباه
نوخ على الحاكم وبالك تستريب
من حاكم كل القبايل في سناه
وقال عبدالرحمن الربيعي من شعراء عنيزة:
ربعي هل الفيحا مصاويط الأكوان
يوم السبايا بالصبايا مغاوير
وقال الشاعر عبد الله بن علي بن دويرج من سكان عنيزة:
ربعي هل الفيحاء كما وادي سال
يقص من عالي المشاريف طيه
ويقول أمين الريحاني عندما زار عنيزة أبان رحلته إلى نجد عام 1341هـ:
عنيزة قطب الذوق والأدب، باريس نجد وهي أجمل من باريس إذا أشرقت عليها الصفراء لأن ليس في باريس نخيل وليس لباريس منطقة من ذهب النفود بل هي أجمل من باريس حين إشراقك....
موقع عنيزة وأهميته
تكتسب عنيزة أهمية موقعها من موقع منطقة القصيم ككل وعنيزة تقع عند تقاطع دائرة عرض 26 شمالاً مع خط طول 44 شرقاً إلى الجنوب من مجرى وادي الرمة وهي بهذا تقع في القطاع الشرقي الأوسط لإقليم نجد عموماً وفي الجانب الشرقي من منطقة القصيم وقد أكسبها هذا هذا الموقع أهمية خاصة لأنها تتوسط المسافة بين بلاد العراق وفارس مع مكة المكرمة والمدينة المنورة مما جعلها كما هي اليوم محطة استراحة لحجاج تلك الجهات يقول (سادلر) الذي مر بعنيزة عام 1235هـ: (عنيزة قصبة الجزيرة العربية جغرافيا وسياسيا وتجاريا فهي منطقة وصل بين الخليج العربي والبحرالأحمر تلتقي عندها عدة طرق) ويقول (لويمر) في كتابه دليل الخليج العربي: (إن عنيزة هي المدينة الرئيسية في القصيم بل هي في الحقيقة في أنحاء نجد).
تاريخ عنيزة
يقول الدكتور محمد بن عبدالله السلمان في كتابه عن عنيزة بين الأمس واليوم: تاريخ عنيزة القديم يكتنفه الغموض مثل باقي منطقة القصيم وإقليم نجد عموما وكذا الحال في تاريخها الإسلامي في الفترة الواقعة بين ظهور الإسلام ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقيام الدولة السعودية الأولى وهي فترة طويلة تزيد على عشرة قرون إلا في بعض نتف من الأخبار والأحداث التي وصلت إلينا خصوصا في أواخر تلك القرون العشرة ويبدو أن انتقال الخلافة الإسلامية من المدينة المنورة إلى خارج الجزيرة العربية وفقدها أهميتها السياسية والتاريخية كان له الأثر الكبير في هذا الغموض إضافة إلى سيطرة الجهل والأمية وعدم وجود علماء اهتموا بتاريخ أوطانهم بالإضافة إلى انتشار الفوضى والفتن والاضطرابات وانعدام الأمن والاستقرار بين قرى المنطقة ومدنها بسبب انعدام السلطة العامة كل ذلك سبب غموض تاريخ المنطقة وندرة المعلومات التاريخية حولها وإذا وجدت بعض الكتابات التاريخية في الوقت المتأخر من الفترة المذكورة فهي قليلة جداً لانصراف كاتبها إلى دراسة العلوم الشرعية والكتابة فيها أكثر من غيرها.
على الرغم من ذلك فهناك معلومات تدل على وجود تعمير للمنطقة قبل الإسلام مثل القريتين وهما (الجوي والعيارية شمال غرب عنيزة) وهما اللتان يعتقد أنهما لطسم وجديس من العرب البائدة بل أشارت نتائج المسح الأثري للمنطقة عام 1397هـ أن المنطقة كانت مكان استيطان كثيف منذ القرن الثالث قبل الميلاد وقد وجدت في المنطقة بعض الآثار التي تدل على تعميرها مثل الأواني والنقوش والزخارف كما كشف التنقيب البسيط عن وجود أسواق تجارية مطمورة وتوابيت من طين فخار في بعضها جثة إنسان بل وجد في العيارية في القرن ما قبل الماضي سيفان ذهبيان بيعا بقيمة كبيرة كما ذكر ذلك الرحالة الأوروبي (تشارلز داوتي) في رحلته إلى نجد ومنها القصيم عام 1292هـ تقريباً كما تردد ذكر عنيزة في كثير من أشعار الجاهلية والإسلام إلا أن ذلك لا يعني أنها المقصودة في كل ذلك فقد توجد عدة مواضع يسمى كل منها باسم (عنيزة) وقد عددها ياقوت الحموي في معجمه في رسم عنيزة فمن ذلك قول الشاعر الجاهلي بشر بن أبي خازم الأسدي:
عفا رسم برامة فالتلاع
فكثبان الحفير إلى لقاع
فجنب عنيزة فذوات خيم
بها الغزلان والبقر الرتاع
وقول امرئ القيس:
تراءت لنا بين النقا وعنيزة
وبين الشجا مما أحال على الوادي
ومثل ذلك قول الشاعر الإسلامي كعب بن زهير:
وبصبصن بين أداني الغضا
وبين عنيزة شأوا بطينا
وقول جرير:
وسقى الغمام منيزلا بعنيزة
اما تصاف جدى واما تربع
إلى أن قال:
هل تذكرين زماننا بعنيزة
والأبرقين وذاك مالا يرجع
ان تلك الأبيات التي جاء بها ذكر عنيزة تدل على أن موضعها كان معروفا عند العرب في الجاهلية والاسلام
يقول المؤرخ محمد بن ناصر العبودي:
عنيزة روضة ينتهي اليها سيل بعض الأودية الصغيرة استخرج ماءها محمد بن سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس والواقع أن المستفيض لدى عدد من علماء القصيم ان ابتداء عمارتها كان في القرن السادس أو السابع وقد سجل عدد منهم ذلك ولكن لم يذكر أحد منهم المصدر الذي اعتمد عليه في رأيه ولا غرابة فتلك سمة التأليف ونهج المؤلفين في ذلك العصر ولكنني وجدت نصا من أوائل القرن التاسع يذكر عنيزة بأنها قرية.
وقال مقبل الذكير في تاريخه في حوادث 1097 وفي هذه السنة خرج الشريف أحمد بن زيد إلى نجد في شهر ربيع الثاني ونزل عنيزة في القصيم وكانت يومئذ كغيرها في بلدان نجد منقسمة من حيث النفوذ إلى أربعة أقسام:
1/ الجناح..2/ العقيلية.. 3/المليحة.. 4/الجادة.
ونظم فحوى هذه الأقوال صاحب (العنيزية) عبد العزيز بن محمد القاضي فقال وهو يستعرض تاريخ عنيزة:
ولما أتى القرن الذي هو سابع
لهجرة خير الخلق والنظراء
تأسس مبناها وكان شمالها
لآل جناح أول المترائي
بها نزلوا حتى أقامت قبيلة
سبيع من الجراح ذات دها
عنيزة في العهد الإسلامي
لقد بدأت تظهر أهميتها في العهد الإسلامي لأنها أصبحت ممراً لقوافل الحجاج من الشرق إلى الحجاز، وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وفي عام 29هـ عهد بولاية البصرة إلى «عبدالله بن عامر بن كريز» فاهتم بحفر الآبار في طريق الحج العراقي إلى الحجاز فحفر آباراً في أماكن متفرقة من القصيم حيث حفر في النباج «الأسياح» وفي عيون الجوا وفي القريتين «الجوي والعيارية بعنيزة» وفي العصر الأموي أمر الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق بحفر بئرين بين عنيزة والشجا وقال احفروا بين عنيزة والشجا حيث تراءت للملك الظليل فإنها والله لم تتراء إلا على ماء.. وفي العصر العباسي تولى البصرة عام 146هـ «جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس» فحفر بئراً أخرى في القريتين» وقام أخوه محمد بن سليمان «فحفر بئراً ثالثة في عنيزة لأنه رآها روضة تنتهي إليها السيول وقد استعذب الأهالي ماءها أكثر من غيرها وهي التي تسمى الآن «أم القبور».
عمارتها وبداية تاريخها السياسي
لقد استمرت عنيزة على هذه الحال - ماء في طريق الحجاج العراقيين - عدة قرون حتى ابتدأت عمارة عنيزة بالقسم الشمالي منها وهو «النجاح» الذي يعد أقدم أحياء عنيزة عمارة وفي تاريخ عمارته خلاف بين الباحثين والمؤرخين حيث بكر به بعضهم فأرجعه إلى عام 494هـ (1100م) وذهب المؤرخ ابراهيم بن ضويان في نبذته التاريخية إلى أن ذلك كان أثناء المائة السادسة من الهجرة ولكن المشهور أن ذلك كان أثناء المائة السادسة من الهجرة ولكن المشهور أن ذلك كان في مطلع القرن السابع الهجري وبالتحديد عام 630هـ.
كان أول من سكن عنيزة بطن من بني خالد يسمون «الجناح» وبهم يسمى المكان، ثم سكنها فريق من سبيع بزعامة زهري بن جراح من آل ثور وكثر جيرانه والنازلون حوله فتكونت بذلك عنيزة من أربع ديرات أو (حارات) كل ديرة لها سور خاص بها وهي: الجناح ويتبعه الضبط، والخريزة، والعقيلية، والمليحة.. وكان النزاع مستمراً بين هذه الديرات أو الحارات واستمرت الحال على ذلك عدة قرون حتى غزا الشريف أحمد بن زيد أمير مكة نجد عام 1097هـ فهجم على العقيلية ونكل بأهلها ونهبها وهدم سورها فاجتمع أهل العقيلية والخريزة والمليحة وكونوا إمارة خاصة بهم وبقي الجناح منفصلاً عنهم وصارت إمارتهم لآل فضل من سبيع وعرفت باسم «عنيزة».
المراجع
عنيزة بن الأمس واليوم للدكتور محمد السلمان.
كتاب ملامح العمل الاجتماعي من إصدار مركز بن صالح الثقافي.
معجم بلاد القصيم للشيخ العبودي.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved