Saturday 20th september,2003 11314العدد السبت 23 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
نحن والنصائح العامة
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

قال لي صاحبي: إنَّ هذه النصائح العامة التي توجهونها إلى الناس ذات أثرٍ ضعيف إذا قيست بأثر الوسائل الأخرى التي تبث الأفكار والثقافات، والأخلاق بكل ما يُغري المتابع من الطرائق الحديثة المؤثرة في الآخرين، إنَّ النَّصيجة المباشرة مهما كانت قويَّة ، ومهما كانت أدلَّتها وشواهدها، تظلُّ ضعيفة الأثر أمام مادةٍ إعلامية فضائية تستخدم فيها تقنيات الإعلام المتطوِّرة، وتتجلَّى فيها عبقريات المخرجين والمنفّذين المتمرّسين في العمل الإعلامي، حتى تلك البرامج الفضائية التي يقدِّمها المفكرون والعلماء والدَّعاة لا تستطيع أنْ تقف أمام البرامج الأخرى المنوَّعة المبهرة في مادتها وإخراجها، فضلاً عن أن تنافسها أو تمسح أثَرها من نفوس المتلقين، خاصةً النساء والشباب.
قلت لصاحبي: ما دمتَ تقرِّر هذه المسألة بهذه الصورة، فما الحلُّ المناسب لهذه الحالة التي تتحدَّث عنها؟، قال: ليس لديَّ أنا حلُّ، وإنما هو بيانٌ مني لأمرٍ قد يغيب عن بال المصلحين والدُّعاة فيظنون أنهم يصنعون شيئاً، قلت: ألا ترى أنك قد بالغت فيما أشرت إليه، وأنَّ هنالك أثراً جيداً لهذه النصائح على اختلاف أساليب طرحها في نفوس المتلقين؟ وأنَّ وصفك لهذا الأثر بالضعف فيه مبالغة واضحة؟.
قال لي: كلّ ذلك لا أستطيع أن أناقش فيه، وإنما أنا ناقلٌ لك شعوري وشعور عددٍ من الشباب من الجنسين ممن تربطني بهم علاقة قرابة وصداقة، فنحن لا نَمَلُّ أبداً من متابعة برامج الفضائيات «الحلوة»، ولا نتعب من الدخول إلى عالم مواقع الإنترنت المغرية، وإذا فعلنا ذلك نسينا كلَّ ما حولنا أمام أضواء المسرح أو «الاستوديو» الخافتة وغير الخافتة، الملوَّنة بشكل يجذب النظر ويأسر العقل، وأمام القدود المائسة التي تتجوَّل أمام المشاهد ممسكة بمكبِّر الصوت تخاطب الشباب بما يناسبهم من رخاوة الكلمات، ورقة الأساليب، والابتسامات ومايتبعها من القهقهات المنغَّمة، وانكسارات الأجفان الملوَّنة، وعبارات الحب الرقيقة التي لا نسمعها في بيوتنا أبداً، ولا يسمعها بعض المتزوجين من زوجاتهم اللاتي يعرفن كل شيء عن العادات والتقاليد الأسرية والقبلية، ولا يعرفن شيئاً عن علاقات الحب والغرام بين الزوج وزوجته، ولا عن عبارات المحبة والمودة بين أفراد العائلة الواحدة.
نحن هنا يا صاحبي نرى أن كلَّ برنامج يقوم على النصيحة والتوجيه من شيخ أو داعية أو مثقف لا يصلح لنا ولا نصلح له، فنحن الشباب لا نحب الرَّتابة والجمود، ولا نحرص على متابعة من لا يعيش معنا آمالنا وآلامنا، ولا أكتمك أنني تشجَّعت مرَّة على الاتصال ببرنامج توجيهي من برامج الفتاوى في إحدى القنوات، وقعتُ عليه مصادفة حينما كنت أتنقَّل بين محطات الفضاء، حيث خطر ببالي أن أسأل هذا الشيخ عن الحبِّ لأعرف ماذا سيقول، وبعد محاولات للاتصال تمكنت من مهاتفة مقدم البرنامج ووجهت سؤالي إلى الشيخ، وقلت له: ما رأيك يا شيخ في الحب؟ فرأيت على الشاشة تغيُّر ملامحه وقال: ماذا تعنى بالحب؟
قلت له: الغرام، العشق لاحدى الجميلات، الهيام بإحدى الحسناوات، وكنت متعِّمداً أن يكون سؤالي مباشراً واضحاً بهذه الصورة، وليتك شاهدت معي كيف تحوَّل ذلك المتحدِّث إلى خطيب منفعل نسيَ أنه في الاستديو، وأذكر من ضمن كلامه أنه قال: هذا والله من قلة الأدب، والدليل على خواء الشباب، ونسي أنه يحدِّثني، ولما رأيت ذلك لم أزد على أن ضغطت باصبعي على زرِّ جهاز التحكم فانتقلت إلى قناة أخرى كانت تقدِّم برنامجاً آخر رقيقاً جميلاً، وتركت ذلك المتحدث يلقي خطبته على غيري، مع أنني أنا السائل وأنا المعنيُّ بالأمر، وحينما بذلت جهداً للاتصال بالبرنامج الآخر، استطعت أن أحدِّث مقدِّمته، وما إن بلغها صوتي حتى قالت: أهلاً أهلاً نوَّرت ياسيد فلان، وهنا نسيت ذلك الشيخ الناصح وحديثه وذهبت إلى عوالم الصوت الناعم الرقيق، هذه حالة أحببت أن احدِّثك عنها لتكون على بصيرة بما أريد أن أقول.
قلت له: ألا ترى أنَّك هنا تعمَّم الأحكام، وتقول كلاماً بعيداً عن الموضوعية والإنصاف؟، ربما يكون كلامك عن الشيخ وحديثه معك صحيحاً، ولكن، هل كلُّ البرامج التوجيهية، وضيوفها، بهذه الصفة التي ذكرت؟، ثم، لماذا لا يكون لأسلوب سؤالك وطريقتك دور كبير في استثارة ذلك المتحدِّث، نعم، أنا معك في أن الذين يتصدَّون للقاء الناس من خلال البرامج التلفازية المفتوحة يجب أن يشرحوا صدورهم، ويختاروا الأسلوب المناسب لنقل ما لديهم من أفكار ونصائح، ولكن هذا لا يعني أن جميع البرامج الجادَّة من هذا القبيل.
ثم إن المؤكد أنَّ البرامج الجادة التي تقدم لنا علماً وثقافة ونصائح تحظى بمتابعةٍ كبيرةٍ من قطاع عريض من الناس، وها أنتذا في حديثك السابق تؤكد أنك لم تستطع الحصول على خط الهاتف إلا بعد محاولات وهذا يؤكد كثرة الجمهور الذي يُعنى بهذه البرامج.
أما انتقالك إلى ذات الصوت الرقيق فهو دليلٌّ على أنضمامك إلى فئة الراكضين وراء اللَّهو، وهذا ليس عيباً في البرامج التوجيهية، ولكنه عيب في بعض الشباب الذين يحرقون أوقاتهم بمثل هذه البرامج التي لا فائدة فيها.
ومع ذلك كلَّه، فأنا أؤكد معك، أن معدِّي ومقدِّمي وضيوف البرامج الجادَّة بحاجة إلى أن يطوِّروا أداءهم ويخدموا قضاياهم بكل ما يوثَّق الصلة بينهم وبين المتلقِّين، وأنَّ يعرفوا الفرق بين أسلوب الخطاب الإعلامي، وأسلوب الخطابة والإلقاء على المنابر أو في المنتديات، وإنني لأدعوك أنت بصفتك شاباً ذا عقلٍ ووعي أن تراجع نفسك في تعلَّقك بتلك البرامج «الفقاقيع» التي لا تفيد ثقافة، ولا ترقى بتفكير، وإنما هي للإشغال والتخدير.
وأن للنصائح العامَّة، مع ذلك كلّه أثرها الكبير في نفوس كثير من الناس الذين كتب الله لهم الهداية، وما قصص التائبين والتائبات عنا ببعيد:
إشارة


لو لامس البيت أحلامي وصاحبني
أخ، وشاركني فيما أريد أبُ
لما هَرَبْتُ، ولا امتدَّتْ إليَّ يدٌ
من رفقة السوء خلف البذل تحتجبُ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved