Friday 3rd october,2003 11327العدد الجمعة 7 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الغلو من مظاهر اختلال التوزان الغلو من مظاهر اختلال التوزان
د.عبدالرحمن بن سليمان المطرودي(*)

خلق الله الناس لعبادته: {(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) }
عبادة وفق مراده سبحانه وتعالى ووفق ما شرعه من الأحكام التي تضبط مسار الإنسان وتوجهه في سيره على الطريق السليم لأن التكوين الخلقي للإنسان عبارة عن تفاعل لمجموعة من العناصر والغرائز والدوافع، ومظاهر السلوك البشري هي المرآة التي تعكس نتيجة ذلك التفاعل، فمتى ما طغى عنصر على آخر أو تغلبت غريزة على أخرى أو سبق دافع آخر ظهر ذلك واضحاً في مظهر السلوك والعمل الظاهري للإنسان.
وفساد الغرائز البشرية يصور للإنسان ان ما يعمله صحيح سليم وفيه صلاح واصلاح: {(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ، )فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، )أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) } [البقرة: 8 - 12] ، {قٍلً هّلً نٍنّبٌئٍكٍم بٌالأّخًسّرٌينّ أّعًمّالاْ،)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) } [الكهف: 103 - 104]. فلم يكونوا في تصورهم المريض يرون أنهم مفسدون إنما مصلحون سائرون على الطريق الصحيح، وهذا حين يعتل الضابط الذي له قوة الردع فوق الغرائز الدافعة للتصرفات والسلوك البشري والمحركة لها.
وجملة المظاهر في السلوك البشري تتركز في غريزتين هما غريزة الطاعة وغريزة العصيان فهما أظهر الغرائز الإنسانية قوة أو ضعفاً في مظاهر السلوك الإنساني فهما قوتان تتصارعان داخل تكوين الإنسان ولكل منهما انصاره الظاهرة والباطنة وتغلب إحداهما على الأخرى يظهر في مظاهر السلوك والعمل، والإنسان السوي السليم العقل لايقترف المعصية إلا في حالتين حالة ضعف ووهن في غريزة الطاعة أمام غريزة أخرى سواء كانت غريزة شهوة أو انتقام أو غيرها ذلك من الغرائز البشرية، أو في حالة تأويل فاسد غير صحيح لمحركات الطاعة ودوافعها أو في دوافع العصيان.والغلو في العبادة مظهر من مظاهر اختلال التوازن في الاتباع لمنهاج محمد -صلى الله عليه وسلم- في طاعته لربه بل خروج عن جادة الصواب المشروع إلى طريق لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة ولهذا انكره - صلى الله عليه وسلم- حين سمع أن نفراً من اصحابه يقولون، أنا لا آكل اللحم، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء، وقال الثالث: أنا أصوم ولا أفطر وأصلي ولا أنام، فقال عليه الصلاة والسلام «أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني»، ومن المعلوم ان مقصود هؤلاء النفر الحرص على الخير وطلب الزيادة منه في عبادة الله سبحانه ولكنه حين كان سلوك غير سليم وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه رغبة عن سنته أي ترك لها ومن من المسلمين يرغب ان يكون كذلك.
وقد كثر وللأسف الشديد في زمننا الحاضر هذا النوع من فساد واعتلال الاتباع وكثر المروجون لأنواع وأشكال من مظاهر الاتباع التي لاتقوم على دليل ولا تقوى على مقارعة حجة وحين أدرك المروجون لهذه المخالفات الشرعية مكانة العلماء الربانيين العارفين المدركين لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كشف تأويلاتهم وسقم فهمهم وقصر إدراكهم وضعف تمسكهم وتلاعبهم بالمعاني وتمسكهم بالألفاظ، حين عرفوا أن ذلك ناقوس خطر يدك حصونهم ويقوض خططهم، شرعوا في النيل من العلماء ووصفهم بصفات هم منها براء، ولم يكن هذا في أيامنا هذه فقط في هذه البلاد بلاد العقيدة والدعوة بل بدأت مظاهر هذا المنهج تظهر أيام أئمة الدعوة ولهذا نجد ان في رسائلهم -رحمهم الله- نصحاً للأمة وتحذيراً لها من أولئك الذين تبنوا مناهج منحرفة.ومن الرسائل التي أبانت هذا الخطر وعرته رسالة الإمامين والشيخين الجليلين الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري -رحمهما الله- وأسكنهما الفردوس الأعلى، ومما قالاه فيها: «ومما أدخل الشيطان على بعض المتدينين اتهام علماء المسلمين بالمداهنة وسوء الظن بهم وعدم الأخذ عنهم، وهذا سبب لحرمان العلم النافع، والعلماء هم ورثة الأنبياء في كل زمان ومكان فلا يتلقى العلم إلا عنهم فمن زهد في الأخذ عنهم ولم يقبل ما نقلوه فقد زهد في ميراث سيد المرسلين واعتاض عنه بأقوال الجهلة الخابطين الذين لا دراية لهم بأحكام الشريعة، والعلماء هم الأمناء على دين الله فواجب على كل مكلف أخذ الدين عن أهله كما قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فأما من تعلق بظواهر ألفاظ من كلام العلماء المحققين ولم يعرضها على العلماء بل يعتمد على فهمه وربما قال: حجتنا مجموعة التوحيد أو كلام العالم الفلاني وهو لايعرف مقصوده بذلك الكلام فإن هذا جهل وضلال، ومن المعلوم ان أعظم الكلام وأصحه كتاب الله العزيز، فلو قال إنسان ما نقبل إلا القرآن وتعلق بظاهر لفظ لايعرف معناه أو أوله على غير تأويله فقد ضاهى الخوارج المارقين إلى أن قالا: فإذا لم يأخذ العلم عن العلماء النقاد الذين هم للحديث بمنزلة الصيارفة للذهب والفضة خبط خبط عشواء وتاه في وادي جهالة عمياء» انتهى كلامهما -رحمهما الله-.رحم الله الشيخين وكأنهما يعيشان بين ظهرانينا الآن وينظران إلى ما تعيشه الأمة اليوم من تخبط وتفرق وتشتت وبدع وتنطع وزهد في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتظاهر بالتمسك بالنوافل وترك للفرائض والواجبات أو خروج عليها أو رغبة عنها.أسأل الله ان يهدينا سبيل الرشاد وان يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(*) وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved