Sunday 5th october,2003 11329العدد الأحد 9 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
غفلة المترفين
عبدالرحمن صالح العشماوي

في مجلس من المجالس العامة جرى الحديث عن كثير من المشكلات، وتداول الجالسون عدداً من الأخبار المختلفة، وتمَّ التحليل لبعضها بصورة توحي إلى المتابع أنه في ندوة خاصة وليس في مجلس عام، في وليمةٍ أقامها صديق لصديقه ودعا إليها عدداً من الأقارب والأصدقاء، وذلك شأن مجالس الناس التي لا محاسبة لأحد فيما يقول، ولا مسؤولية واضحة تُبنى على ما يطرح من رأي، وكم من صاحب فكرة طرحها في مجلس عام بحماسة وانفعال، تنكر لها - بعد ذلك - حينما جرى طرحها في موقع مسؤولية اتخاذ القرار.
في ذلك المجلس العام جرى الحديث عن «غفلة المترفين»، وهي كلمة أطلقها أحد الحاضرين بعد مشاهدة الأخبار في إحدى القنوات الفضائية، بما تضمنته من أحداث دامية في العراق، وفلسطين، والشيشان، وأفغانستان، ومن تصريحات «متهورة» لبعض السياسيين الكبار في العالم.
قال ذلك المتحدث: لا أدري إلى متى تظل هذه الغفلة عندنا نحن المسلمين تأكل عزائمنا، وتصيب حماستنا بالبرود، ألا ترون إلى مجلسنا في هذه الليلة كيف انقضى في الحديث عن متع الحياة الدنيا التي أشغلنا أنفسنا بها، ثم نظر إلى ورقة كانت في يده، وقال: لقد سجَّلت في هذه الورقة الموضوعات والقضايا التي جرى الحديث عنها في هذه الجلسة، وسوف أسردها عليكم لتتعجبوا من من مجلسنا كيف كان، والحقيقة أن الرجل قد وفِّق في جلب الاهتمام إلى حديثه بهذه المعلومة الأخيرة، ورأيت الناس يتجهون إليه باهتمام وقد أصبحت تلك الورقة الصغيرة أداة تشويق للجميع، وترددت أصوات من جنبات المجلس تطالبه بسرعة القراءة للعناوين المثيرة التي سجَّلها.
وبدأ يقرأ العناوين: الإسفلت المرقَّع، حرارة الصيف، مياه المجاري، قطع إشارات المرور، أعمال الديكور المنزلي، أنواع التمور، قهوة الشعير وفوائدها، القهوة بين القرنفل والهيل، فوائد الزنجبيل، أفضل أماكن الخياطة الرجالية، عمل المرأة، مقاهي الإنترنت، المقاهي العامة ومشكلة «الشيشة»، إعادة تعمير العراق، أين يختفي صدام حسين، حفلات الزواج وتكاليفها، ارتفاع أسعار العقار في بعض البلدان، مذيعات الفضائيات، بين المرسيدس والبي إم دبليو واللكيزس، أفضل أنواع الحلويات، أفضل المطاعم، الفاكهة قبل الأكل أم بعده، أنواع جديدة من الأقمشة الرجالية، النساء وتبذير الأموال، السياحة داخل المملكة وخارجها، بين الرخام والسيراميك، مشكلة طفح البيارات، سوق الأسهم والاضطراب.
وتوقف الرجل عن القراءة من ورقته، وكان أول تعليق سمعه المجلس قول أحدهم: يا للهول، كل هذه الموضوعات طرحت، وقال آخر: يا ترى ماذا قلنا فيها؟، وأجابه آخر بقوله: ماذا أفدنا منها، وبعد أن أخذ المجلس جولةً في التعليق الطائر على هذه الموضوعات المنوَّعة، قال صاحب الورقة:
الأهم من ذلك أننا كنا نناقش، أو نتحدث في هذه الموضوعات المتباينة بهدف إضاعة الوقت، فهي أحاديث وقتية لا فائدة منها، والأهم من هذا أيضاً، ما لاحظته من عدم الاكتراث بالأحداث الكبرى التي تدور حولنا، حيث سمعت الحديث عن العراق وفلسطين مثلاً، بعد رؤية الأخبار الدامية من الجميع حديثاً بارداً بل سمعت عبارات في المجلس تدل على عدم الرضا عن التحدث في أمور لا تهمنا، ولكي تعلموا مدى أهمية الموضوعات المذكورة من حيث طول المناقشة لها فإن أطول مناقشة دارت حول أوصاف مذيعات الفضائيات، وأفضل المطاعم، وسوق الأسهم والاضطراب، وأعمال الديكور المنزلي حيث كان ديكور المجلس هو وسيلة الإيضاح.
ثم تساءل: هذا مجلس من عشرات المجالس، ولربما كان هذا المجلس من أفضلها لأنَّ هنالك مجالس تضيع أوقاتها في الحديث عما لا يفيد أبداً.
نحن نتحدَّث عن أفضل أنواع الأقمشة الرجالية من حيث النعومة، واللون الجميل، وهناك في بلاد إسلامية حولنا من لا يجد ثوباً واحداً سليماً، فهل طرأ ببال أحدٍ في هذا المجلس وجه المقارنة بين الحالتين، نحن - أيها الأحبة - في نعمة عظيمة نحمد الله عليها، ولكنَّ الخطورة تتمثل في داء «غفلة المترفين» وهو داء خطير أرجو أن نتنبَّه إليه جميعاً.
إشارة:


ما هذه الدنيا سوى بوَّابةٍ
ولسوف نعبرها ليومٍ آخر

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved