Thursday 9th october,2003 11333العدد الخميس 13 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نحو حب صحي ومسؤول للوطن نحو حب صحي ومسؤول للوطن
د. فوزية عبدالله أبو خالد

آمل المعذرة فهذا عنوان رنان كبير على غرار ما تفعله بعض الصحف في تضخيم المنجزات الفردية أو الحكومية للتساؤلات الصغيرة المتواضعة التي يطرحها هذا المقال. والسؤال هو:
ما الذي يمكن أن يقدمه مواطن/ مواطنة للوطن غير المواظبة على الذهاب إلى الوظيفة - إن وجدت - بروتينية أو باجتهاد كل حسب ضميره وليس حسب مواصفات ومقاييس محددة للانتاجية وجودتها، استهلاك بعض الخدمات العامة التي أصبحت بالكاد تكفي الجميع أمام معدل الزيادة السكانية المطرد مع عدم استعدادها أصلا وعدم كفايتها الحالية لتكون في تناول هذا العدد المتكاثر، مشاهدة التلفزيون في المساءات الأسبوعية أو «الدوران» في «متنفس» الأسواق التجارية التي تكاد تفوق باعدادها أعداد المواطنين وليس فقط طاقتهم الشرائية، التجمع «القرابي» في الاستراحات ثم وضع آخر جهد بقي مما بدده النهار في واجب انجاب المزيد من الأطفال؟
ما الذي يقدمه مثل هذا الايقاع الحياتي الرتيب لغدنا القريب أو البعيد؟
وبما أن مسألة الغد البعيد لها من المختصين من يمكن أن يدافع عنها ويعمل على التناصح في شأنها أفضل مني فاني استطرد في الأسئلة ذات البعد الاجتماعي وحسب، وهنا أسأل سؤالا أدق: كيف يترجم أغلبية المواطنين نساء ورجالا ممن هم في عمر العطاء حبهم للوطن، كيف يعبرون عن حس الانتماء إلى الأرض التي ولدوا عليها والتي تضم الرفات الغالي للآباء والأمهات والأجداد؟ كيف يعبرون عن شعورهم لتراب الوطن الذي يستمدون من الانتماء إليه مشترك الملامح الاجتماعية ونوع المفردات اليومية ووحدة المصير في السراء والضراء؟ ما هو المتاح وغير المتاح من قنوات التعبير عن الحب والانتماء.
لا أدري كم منا يواجه نفسه بهذا السؤال أو كم منا يعرض عنه أو يجد من المشاغل «الخاصة» ما يكفيه مؤونة القلق والاحراج معا، وكم منا تعتلج في داخله أسئلة أكثر حرقة وأشد تبكيتا وموضوعية.
كما أنني لا أدري كم عدد القنوات الوطنية والأهلية العاملة التي يمكن أن تستقبل مثل هذا الحب بصدر رحب غير المجالس الأسبوعية التي اجترح سنتها الحسنة الملك عبدالعزيز منذ تأسيس الدولة السعودية لاستقبال المواطنين دوريا، فتدار الحوارات في المجلس المفتوح ويجري الاستماع الى الشؤون والشجون. وإذا كان مركز الحوار الوطني تشكل المبادرة إليه قناة هامة لا تزال محملة بطاقة التطوير، فإنه وحده لا يكفي للدخول بالمواطن عصر المشاركة دون وجود قنوات لا تقتصر على دخول النخبة إليها ودون وجود قنوات تدرب المواطن على أساليب غير التي اعتادها في السعي الى سد الحاجات الاجتماعية وفي التعبير عن مواطنته. فمن التكرار المدرسي ربما القول أن الوطن ليس نشيداً وليس شارة أو شعاراً كما أنه ليس مقدار ما يحصل فيه المواطن على الأعطيات والمكاسب الشخصية والامتيازات الخاصة بقدر ما هو هوية وانتماء فعل وممارسة.
ولذا تلح الأسئلة خاصة في الأوقات الجارحة التي نحتاج فيها إلى كل ذرة من حب الوطن لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
هل التعبير عن حب الوطن أن نكتفي من الحب بالتغني بأمجاد الماضي والمبالغة في الاطراء لأبسط المشاريع الحكومية والخاصة أو المنجزات. لا أدري لماذا وكيف تفشي بيننا كمواطنين، حس «غريب» يربط الولاء للوطن وحبه بترديد معزوفة المديح. مع أن ذلك قد لا يكون تعبيراً عن ولاء وحب للوطن بل تعبير عن ولاء للذات وحب في تحقيق مصالح شخصية آنية باقصر وأسهل الطرق.. وهذا الموضوع مما يجدر التوقف عنده ومراجعة مفهوم حب الوطن في ضوئه لأن من الحب ما قتل ولأن عدواً عالماً خير من محب جاهل. فلا يعلم غير الله إلى متى يستمر هذا النمط من السلوك الاجتماعي الذي لا يخلو من انتهازية وتذلل وان تزيا بزي تبريرات الاستعانة على قضاء الحوائج بالاستنخاء. هذا في حين أن التوسع السكاني والمدني صار يتطلب ويفرض وجود وسائل «حضارية» لمواجهة الحاجات الاجتماعية بشكل يتوخى العدل في توزيعها ويتوخى المشاركة المسؤولة من المواطنين كما تحاول ذلك الحكومة يحالفها النجاح أحيانا، وأحيانا تعزوها الحيلة في تعديل مثل ذلك السلوك من خلال ايجاد صناديق التنمية أو سواها من القنوات المقننة لقضاء الحوائج الاجتماعية للمواطنين. غير أن ما يبدو أن مما قد يعزز هذا التوجه هو اشتراك المواطن في التفكير في حل هذه الاشكالية نحو حب صحي ومسؤول للوطن.
فما الذي نفعله كمواطنين لنعمل على سد بعض الحاجات الاجتماعية أو مواجهة بعض الاشكاليات والمطالب البسيطة في الحي، أو لأي جهة مهنية أو اجتماعية ننتمي إليها خارج حدود النطاق القرابي الذي لا يزال أنشط مجال من مجالات التكافل الاجتماعي في مجتمعنا وأحيانا مع الأسف على حساب حسنا الوطني وعلى حساب حاجات من هم أكثر حاجة من أبناء وطننا.
إن اتساع البلاد وتواصل أطرفها، تمدين المدن، وعدد المهن، التعدد الاجتماعي الذي لم يكن يحسب له حساب أو كانت تقلل أهمية الاعتراف بحقه في التواجد العلني، تزايد أعداد القوى العاملة ومحدودية فرص العمل، تراجع الموارد بالقياس للمتطلبات التنموية المستجدة أو التي لم تستكمل بعد، كلها مسؤوليات جسام لا تلقى على عاتق الأجهزة الرسمية وحدها، إذ أن هذه التحولات لها شروط وعليها تبعات على المواطنين أنفسهم واجب المساهمة فيها. وهذا لن يتم على أساس أن المواطنة بطاقة ليس إلا أو مجرد امتيازات للقلة.
وفي هذا ليس بالضروري أن يصبح كل مواطن في موقع وزير أو خبير ليكون مطالباً بتحمل المسؤولية ولكن مشاركتها اليومية البسيطة في حيز اهتماماته أو عمله قد تكون كافية. إن المبادرة للمساهمة في جمعية لمكافحة التدخين (تحد من تفاقم مخاطر التلوث وتقلل من أعداد المحتاجين لخدمات طبية باهظة) يعتبر مشاركة وطنية. إن المشاركة في جمعية مهنية أو جمعية لمكافحة ودعم معالجة أحد الأمراض المستعصية تعتبر مشاركة. لكن المفارقة أننا بينما نجد مراكز وجمعيات دعوية في المدارس والمخيمات الصيفية وهذا توجه جيد إذا خلا من الهوى السياسي والتوجهات الحدية التي قد تشق وحدة المجتمع لا سمح الله فإننا نجد أن التصريح باقامة جمعيات أهلية لتقديم خدمات مدنية للمسنين أو المطلقات أو العمل التطوعي أو ما شابهها يخضع اعطاء التصاريح بها لتعقيدات جمة وأحيانا دون أن تتضح مقاييس رفضها أو قبولها. وهذا سؤال يوجه أيضا لوزير العمل والشؤون الاجتماعية.
إن تفعيل طاقة الانتماء إلى وطن وتعزيز وحدة اجتماعية صحية لا تغمط فيها فئة على حساب أخرى وتعطي دوراً أهليا في مجالات واضحة للاسهام في خدمة المجتمع أمر مطلوب ومن الممكن أن يكون أحد محاور الحوار الوطني نحو التقدم المستقل بمجتمعنا نساء ورجالا وأطفالا.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved