Saturday 11th october,2003 11335العدد السبت 15 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أضواء أضواء
رسالة تطمين إلى العرب والمسلمين من كاتب عراقي
جاسر عبدالعزيز الجاسر

كتب العديد من المقالات عن الحالة العراقية، وجميع كتاباتنا نابعة من حرصنا وحبنا في هذا البلد المملكة العربية السعودية مهد العرب ومنطلق الرسالة المحمدية، وأذا كانت كتاباتنا قد وجدت التفهم والتقدير من الاشقاء العراقيين، فإن البعض لهم وجهة نظر يجب أن نحترمها، ورأي يجب أن ندافع عنه ونفسح لهم المجال لإيصاله إلى القراء، مثلما ندافع عن أرائنا، ومن هذا المنطلق أنشر رسالة الأخ نزار حيدر الذي بعث بمقالة على «الإيميل الخاص بي» وتقديراً لرأي الأخ نزار حيدر ومشاركة له في أرائه، أحتفي بها وأنشرها في نفس المكان المخصص لزاوية أضواء.
يقول الأخ نزار حيدر: اشعر، وكأن العرب والمسلمين قلقون على هوية العراق الجديد، ربما بسبب التفسير الخاطئ لبعض تصريحات العراقيين وكتباتهم، أو لعدم استيعابهم حقيقة ما يشهده العراق من متغيرات وتطورات ومواقف، والتي تميزت بالسرعة الخاطفة التي قد لا تمنح المتابع الفرصة للحاق بها الواحدة تلو الأخرى، أو جراء سياسات الإعلام العربي المغرض الذي يصر على رؤية الحدث العراقي بعين واحدة، فيضخم قضايا ويغض الطرف عن أخرى، أو يسلط الضوء على أحداث ويتجاهل غيرها، مستهدفا التشويه والتعمية والتشويش، بالضبط كما كان يفعل فترة نظام صدام حسين البائد، إذ ظل وقتها يبرر للديكتاتورية والنظام الشمولي جرائمه، ويبحث عن الحجج والأعذار لحروبه العبثية وسياساته المتهورة واللاعقلانية التي دمرت العراق كليا ورمت به تحت سلطة الاحتلال، حتى إذا سقط النظام وانهارت بنيته البوليسية ومؤسساته الإرهابية بطرفة عين، انكشف كل شيء على حقيقته وفوجيء الرأي العام العربي والإسلامي على وجه الخصوص بمدى حجم الكذب والتزوير الذي كان يمارسه هذا الإعلام المضلل وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وبالذات خلال العقد الأخير من القرن الماضي.
ومن أجل توضيح بعض الحقائق وإماطة اللثام عن جملة القضايا الأساسية التي يعيشها العراق والعراقيون منذ سقوط النظام البائد، تطميناً للعرب والمسلمين وتصحيحاً لرؤيتهم المشوشة، اكتب رسالتي هذه وابعثها لهم، راجياً أن تجد الآذان الصاغية والعقل المنفتح والعين البصيرة والقلب السليم القادر على الاستيعاب من كل أشقاء العراق وإخوانه.
وبعيداً عن التعصب والأنسياق وراء ما يهمس به البعض، قولهم إن العراق تنازل عن هويته وتخلى عن التزاماته الإسلامية، فلم يعد يهمه العودة إلى محيطه العربي وعمقه الإسلامي، فالعراق للعراقيين، ولا شأن لهم بالمشتركات الإستراتيجية مع الآخرين.
هذا الكلام بالتأكيد لا أساس له من الصحة وهو يفتقر إلى الدقة والصدقية وابعد ما يكون عن الواقع، فلا يزال العراق يحرص على أن يكون عضواً فاعلاً ونشيطاً في محيطه العربي أولاً، ولذلك رأينا كيف حرص العراقيون على ألاّ يتركوا مقعد بلادهم فارغاً في جامعة الدول العربية، فوقفوا بوجه التحديات ولم يثنهم التيار الذي نشط ضد إرادتهم ليحرمهم من حقهم الطبيعي، هذا، بالرغم من أن الجامعة لم تعد تعني شيئاً لا لهم ولا لغيرهم أو تنفع في شيء أو يرتجى منها شيء، ولكنهم أصروا على انتزاع حق التمثيل فقط ليغلقوا الباب أمام المتصيدين في الماء العكر، وحتى لا يقول المغرضون بأن العراقيين يفكرون جدياً بالانفصال عن محيطهم العربي، ولذلك فهم غير مكترثين بمقعدهم في الجامعة، أملئ أم بقي شاغراً، فكلا الأمرين عندهم سواء.
نرجو أن يفهم العرب رسالة العراقيين، وأن يتعاملوا معها بشكل ايجابي، ويتلقوها برحابة صدر وعقلية متفتحة.
وفي شأن محيطهم الإسلامي، أطمئنكم، فلا يزال العراقيون على دين محمد صلى الله عليه وسلم يوحدون الله ويصلون تجاه الكعبة المشرفة قبلة المسلمين ويصومون شهر رمضان الكريم ويحجون بيت الله الحرام، وأبشركم ، فلا يزال العراق احد مصادر الوعي الإسلام حتى لقد فوجىء الزوار الإيرانيون الذين يعبرون الحدود لزيارة العتبات المقدسة في مدن النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، بهذا الشيء وقالوا بأنهم فوجئوا بالحالة الإسلامية في العراق بدءا من الحجاب مرورا بالأخلاق الإسلامية وليس انتهاء بالالتزام الديني، الذي لم يجدوا مثله حتى في بلادهم دولة ولاية الفقيه على حد تعبيرهم ، هذا بالرغم من سياسة القتل والبطش التي مارسها النظام البائد طوال عقود من الزمن بهدف تدمير الإسلام وقتل تعاليمه في نفوس العراقيين ووعيهم، إلا أن الإسلام ظل هو الدين بالنسبة للعراقيين وهو القيّم وهو الثقافة وهو التاريخ وهو كل شيء بالنسبة لهم.
ثم، لا اعتقد ان منصفاً لم يسمع أو يقرأ عن السجال المحتدم هذه الأيام في العراق بشأن موقع الدين ومؤسساته في الدستور العراقي الجديد، وفي عموم حياة العراقيين، كما رأينا جميعاً كيف يحترم السياسيون المرجعيات الدينية التي لا يعلو أي صوت فوق صوتها الحكيم والمتزن، ولذلك لم يشأ أو يفكر احد بتجاوزها عند مناقشة أية قضية تخص الشأن العام، خاصة في قضية هامة وإستراتيجية كقضية تدوين الدستور الجديد الذي هو عصب الحياة وخارطة الطريق للعراق الجديد، فرأينا بين غاد ورائح لبيوت المرجعيات يسألون ويستفسرون ويحاورون ويستمعون إلى نصائحها ووجهات نظرها.
ألا يعني كل ذلك، أن العراقيين ما زالوا متمسكين بدينهم وأصولهم بالرغم من كل الظروف القاسية والقاهرة التي مروا ويمرون بها؟
وعندما نسمع أو نقرأ أحياناً مواقف متشنجة من عراقيين إزاء العرب والمسلمين والتي تعبر عن نفاذ صبرهم، يلزم المنصفون أن يبرروا لهم، ويقدروا معاناتهم، فلو كان غير العراقيين مكانهم وتعرضوا من ذوي القربى لكل هذا الظلم والتجاهل لمعاناتهم، لاتخذوا نفس الموقف، بل لكفروا بكل ما يمت إلى العرب والعروبة بصلة من قريب أو بعيد، وكلنا سمع وقرأ التصريحات الأخيرة للعبقري الإفريقي الجديد المسمي قذافي، الذي دعا شعبه المغلوب على أمره إلى الكفر بالعروبة أكثر مما انتفع منهم، وكأن الانتماء القومي مصالح فقط أو لباس يرتديه المرء متى يشاء وينزعه أو يستبدله متى أراد ذلك أو هوى.
امنحوا العراقيين فرصة التقاط الأنفاس، لينهضوا من تحت ركام وأنقاض النظام الشمولي الإرهابي البائد الذي لم يخلف لهم سوى المقابر الجماعية وضحايا حملات الأنفال والأسلحة الكيماوية في حلبجة وحروبه العبثية وسياساته المتهورة الرعناء، وبنى تحتية مدمرة واقتصاد منهار وديون رهيبة وحدود مستباحة.
لا تصدقوا إن قيل لكم بأن العراقيين راضون بالاحتلال، أو أنهم يقبلون التدجين حتى يندمجوا معه أخيرا، أبدا، فالعراق يستعصي على الاحتلال، والعراقيون لا يقبلون بالقهر والظلم تحت سلطة المحتل مهما كلف الثمن، وإنما هم يسكتون اليوم على الظرف الاستثنائي الطارىء ويؤجلون المعركة ضد الاحتلال، لأنه أنقذهم من كابوس ثقيل ظل جاثماً على صدورهم ممسكاً بأنفاسهم طيلة خمسة وثلاثين سنة عجافاً. حاولوا استصراخ ضمائر العرب والمسلمين لإنقاذهم ولكن أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي .
إنهم يتعاملون معه كأمر واقع كان السبب في إسقاط النظام البائد بعد ان ينسوا وقتها من إمكانية أن يمد العرب والمسلمون يد المساعدة لهم للتخلص منه فظل الجميع يتفرج على التراجيديا العراقية عقوداً طويلة.
نتفهم حرصكم وقلقكم على العراق وهويته، ونفهم سبب فهمكم لمعاناة العراقيين وانشغالكم عنها اغلب الوقت.
ولكن مع ذلك ندعوكم لان توسعوا أفق تفكيرهم قليلا لتفهموا وتستوعبوا ماذا يجري في العراق.
تحلوا بالإنصاف لان من لا إنصاف له لا دين له كما ورد في الحديث الشريف، فستجدون بان العراق اليوم اقرب إلى هويته العربية والإسلامية من أي يوم آخر مضى، فلقد عادت إليه نسائم الحرية، وبالحرية يصون الشعب هويته، كما عادت إليه كرامته، وبالكرامة يحافظ المرء على دينه، كما عاد إلى مفاصله دور العلماء والفقهاء والمثقفين والإعلاميين المتنورين والقادة الوطنيين، فكم من عالم وفقيه ومجاهد وقائد وكاتب ومفكر عاد إلى العراق بعد عقود الهجرة والتغرب والمطاردة، ليساهم في إعادة بناء وطنه الذي دمرته الديكتاتورية البغيضة؟.
انتظروا قليلا واصبروا عليهم، ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة، ونحن لا نريدكم أن تندموا أبدا، فلا تتسرعوا في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات فتظلموا أنفسكم وشعباً كاملاً فتندمون وعندها ولات حين مندم .
إن العراقيين يريدون التخلص من الاحتلال اليوم، اليوم وليس غداً، فلماذا لا تمكنونهم وتساعدونهم على تحقيق هذا المطلب من خلال الدعوة لوقف عمليات التخريب والإرهاب مثلاً أو على الأقل إدانتها، أو من خلال التعاون معهم وتقديم يد العون إليهم؟.
ان العراقي بطبعه يستعصي على التدجين والتغرب وتغيير الهوية، فهو لا يشبه اللبناني مثلا أو الصومالي أو الإيراني أو غيرهم من أقران، وبمرور سريع على حال العراقيين في بلاد المهجر يتضح صدق هذا الادعاء بشكل لا يقبل الجدل، فالبرغم من مرور نصف قرن على وجود بعض العراقيين في بلاد المهجر من الذين اضطرتهم الظروف الأمنية والسياسية إلى ترك بلادهم ومسقط رأسهم إلا أنهم ما زالوا يعيشون كعراقيين سواء في أمريكا أو كندا أو استراليا أو أوروبا أو أي مكان آخر. لم تغيرهم الطبيعة ولم تلو عنادهم الظروف ولم تكسر تحديهم ماديات الحضارة الغربية، انه يظل عراقي الطباع في النجف والبصرة والرمادي والموصل واربيل وكربلاء وبابل، كما انه يظل عراقي الطباع في أي مكان في العالم مهما تقادم الزمن على غربته.
انه يحافظ على دينه وصدقه وكرمه وغيرته وعنفوانه ورفضه للظلم والعدوان والقهر بالقوة، أينما حل به الزمان والمكان.
لذلك اقول بالفم المليان وبضرس قاطع، اطمئنوا، فستبقى هوية العراق عربية إسلامية لا تغيرها التحديات أبداً أبداً أبداً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved