Wednesday 15th october,2003 11339العدد الاربعاء 19 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من باريس.أحدثكم.. مع التحية والإحباط! من باريس.أحدثكم.. مع التحية والإحباط!
زياد بن عبد الله الدريس

تحذير: ينصح بعدم قراءة هذه المقالة لمن هم دون 18 سنة، حتى لا يصابوا بداء «شلل الكبار» بعد أن تجاوزوا خطر الاصابة بشلل الأطفال!
تنويه: ليس المقصود من هذه المقالة الإساءة إلى شخص بعينه، ولحسن الحظ أن الكاتب لا يعرف أسماء معظم من تتحدث عنهم المقالة، لكنه يعرف بالطبع أسماء مناصبهم!
****
الآن في باريس الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم السبت 11 أكتوبر 2003م «وهو اليوم الذي لا يتنازل الغربيون عن التمتع باجازتهم الأسبوعية فيه إلا لأمر بالغ الأهمية!»، وبعد مداولات استمرت خمس ساعات متواصلة، وأكثر من ثمانين مداخلة من بين وفود 190 دولة اكتظت بهم القاعة رقم 2 من مبنى اليونسكو الضخم،.. الآن اعتمد مشروع اتفاقية دولية لحماية التراث الثقافي غير المادي، وهي الاتفاقية الأولى من نوعها تاريخياً.
وما إن طرق رئيس الجلسة الطاولة بمطرقته مؤذناً باعتماد المشروع بعد سيل من الملاحظات والتعديلات والتأييدات، حتى تعالت أيدي الوفود بالتصفيق والهتاف بكلمة «برافو» من جنبات القاعة، بل وصل الحماس والنشوة إلى حد العناق بين الوفود الأكثر حماساً ووعياً بالمشروع.
أما الشخصيتان الأبرز في ذلك النهار المشهود، فليسا فرنسيين ولا أمريكيين ولا يابانيين، إنهما عربيان هما اللذان وقفا خلف ذلك الانجاز البشري من أجل المحافظة على تراث ثقافي متناثر في أرجاء الكون ينقرض يوماً بعد يوم دون أن توجد آلية مقننة ترفدها مؤسسة عالمية كاليونسكو من أجل الحفاظ على هذه النغمات الكونية.
هذان العربيان اللذان صفق ووقف لهما أعضاء وفود دول العالم من شرقه وغربه وشماله وجنوبه.. وأبيضه وأصفره، وأسمره وأسوده، هما نائب مدير عام اليونسكو بشؤون الثقافة د. منير بشناقي، والخبير القانوني الشهير - الذي أعد صيغة المشروع - القاضي بجّاوي.. والمصادفة - أو ربما ليست كذلك!- أنهما كلاهما جزائريان، أو من أصل جزائري بحكم طول اقامتهما في فرنسا.
في أثناء هذه الاحتفالية أعلن نائب المدير العام أنه تلقى الآن اتصالاً هاتفياً من مدير عام اليونسكو - في مقر اقامته - يهنئه باعتماد المشروع ويشكر الوفود على حماسهم وإثرائهم لهذه الاتفاقية التي انتظرتها الثقافات العالمية سنين طويلة حتى تحققت الآن.
صورة.. لو سمحت!
نقلت لكم المشهد المفرح، دعوني أنقل لكم الآن المشهد المحزن! ففي ذات الوقت الذي كانت الوفود الثقافية تتبادل التهاني فيما بينها، كانت الوفود الإعلامية المرافقة لها تتحرك بكاميراتها التلفزيونية والفوتوغرافية تلتقط بها صوراً تسند بها تغطياتها الإعلامية لمؤتمر اليونسكو العالمي. أما الإعلام السعودي فلا ناقة له في اليونسكو ولا جمل.
هذا المؤتمر العالمي الذي تشارك فيه 190 دولة ممثلة في 3000 مندوب، منهم 5 رؤساء دول وأكثر من 300 وزير، ويناقش ويعتمد أكبر الاتفاقيات والأنظمة والمواثيق الثقافية والعلمية الملزمة للتبادل الثقافي والعلمي بين دول العالم. هذا المؤتمر الجسيم لا يحضره من تلفزيوننا الموقر ولا من صحافتنا المحترمة أحد.. لماذا؟! لأنه بكل بساطة ليس مهرجاناً غنائياً حتى ترسل الصفحات الفنية موفدها، ولا دورة رياضية حتى ترسل الصفحات الرياضية موفدها الخاص.
آه.. تذكرت صورة الموفد الإعلامي الخاص لكل صحيفة في كل دورة رياضية وهو يضع اطاراً في الركن العلوي الأيمن من الصفحة المخصصة له بالكامل يومياً، يحشوها بما يشاء من أخبار الدورة: اللاعب الفلاني حصل على كرت أصفر ويخشى أن يحصل على الآخر في مباراة الغد، واللاعب الآخر أصيب بتلبك معوي بسبب اكثاره من الجمبري الآسيوي، والمعلق الرياضي فلان تبين أنه يجيد رقصة المزمار أثناء الحفل الذي أقامته السفارة السعودية تكريماً للوفد الرياضي.
أوه.. بالمناسبة، هل يوجد لنا سفارة سعودية في باريس؟!!
أما السفارة فهذه حكاية أخرى مزمنة، تشبه حكاية اليتيم الذي لم يمت أبوه!
لكني سأكمل الآن اعلامياً.. فقد كنت أحدث زوجتي إذا هاتفتها إنني في ردهات اليونسكو اتغدى واتعشى ثقافة وحواراً حضارياً وتربوياً وعلمياً كل يوم من العاشرة صباحاً حتى السادسة مساء، كنت أنتشي بهذا المناخ الثقافي الذي لم أشهده من قبل في تنوعه وتعدده وامتداده التاريخي والجغرافي، هنا تناقش الآن اتفاقية دولية لحماية التراث الثقافي غير المادي «زي الشفوي واللغوي والفلكلوري والطقوسي والاجتماعي والحرفي»، ويُنظر في مشروع اعلان يتناول التدمير المقصود للتراث الثقافي، وتبلور أداة معيارية دولية للحفاظ على التنوع الثقافي، كما يدرس المؤتمر نصين في مجال الإعلام والاتصال الأول: عبارة عن مشروع توصية حول ترويج واستخدام التعددية اللغوية والاتاحة للجميع للوصول إلى الانترنت. والثاني هو تشريع للمحافظة على التراث الرقمي. كما تعقد طاولتان مستديرتان على المستوى الوزاري، الأولى: حول مفهوم مجتمعات المعرفة ومفهوم مجتمع الإعلام، والثانية حول تعزيز نوعية التعليم في العالم. كما يتم في هذا المؤتمر بلورة الاعلان العالمي حول المعطيات الوراثية الإنسانية «أخلاقيات البيولوجيا» هذا عدا الاطروحات الجانبية الأخرى حول قضايا عامة كحوار الحضارات والعولمة والارهاب. لكن زوجتي قالت لي يوماً: هذا المؤتمر الضخم الذي تتحدث عنه لم أر أي خبر عنه في الصحف عندنا، فما الحكاية؟ قلت لها: الحكاية أنه يوجد لدينا صحفيون بلا صحافة، على منوال ما قيل عن باريس يوماً أن فيها اسلاماً بلا مسلمين، ولدينا مسلمون بلا إسلام!
لذا لم يكن لي من بدّ أن أخرج كاميرتي الخاصة وأسجل بها بعض المشاهد الثقافية اليونسكية، ثم طلبت من جارنا من الوفد الأرجنتيني في القاعة أن يلتقط لي صورة خاصة أرسلها إلى زوجتي «مشهد حضور»!
صحافة سعودية «محلية»
في باريس!
جاءني أحد الصحفيين العرب المقيمين في باريس، وهو مراسل لاحدى صحفنا السعودية الشهيرة، قال لي: أريدك أن تساعدني في اقناع وزير التربية والتعليم السعودي في اجراء حوار صحفي معه. قلت له: أين ستنشر الحوار؟ قال في الصحيفة السعودية التي أراسلها، قلت له: ستجري حواراً مع وزير سعودي ثم ترسله إلى صحيفة سعودية من باريس؟! قال: نعم، ثم أكمل بكل ثقة: لدي أسئلة جريئة سأطرحها عليه، قلت: ما هي الأسئلة؟
قال: سأسأله عن المناهج السعودية، وحتى متى ستظل جامدة بدون تطوير، وسأسأله عن تجربة دمج تعليم البنات بالوزارة وماذا تمخضت عنه، وسأسأله عن سوق العمل في السعودية ودور التعليم في سعودتها من عدمه.
قلت له: يا صديقي العزيز، هذه الأسئلة والقضايا التي ذكرتها لاكتها الصحافة والكتاب السعوديون عشرات المرات وسمعها الوزير مئات المرات، فهي ليست جديدة على الوزير ولا على القارئ السعودي ولو قلت لي أنك ستنشر مثل هذا الحوار في صحيفة أو اذاعة عربية هنا في باريس ليتعرف المجتمع هنا على جانب من انجازات واشكالات التعليم السعودي لتفهمت ذلك، أما أن تجلب التمر إلى هجر فمن الخير لك أن توقف الكرّ. أما إن كنت تريد أن تخدم صحيفتك السعودية وقارئها فأرسل إليه ما يخفى عليه من شؤون باريس عامة وشؤون اليونسكو الآن خاصة، فإن حواراً مع نائب مدير عام اليونسكو لشؤون الثقافة «العربي الأصل» أو مع رئيس المؤتمر العام «الإيراني الأصل» حول الوجود العربي والإسلامي في اليونسكو ودور الحضور أوالغياب العربي في تعزيز أو تهميش الثقافة العربية بين ثقافات العالم، أو تقريراً عن الصراع الأمريكي الفرنسي حول اتفاقية التعددية والتنوع الثقافي (!)، هو ما يمكن أن تخدم به القارئ السعودي من باريس.
«الكدمة» السعودية في باريس!
سعدت مع بعض الأخوة من الوفد السعودي - وبمبادرة فردية! بزيارة المدرسة «الأكاديمية» السعودية في باريس.
ولأنني كنت أسمع دوماً عن الأكاديميات السعودية التعليمية في الخارج فقد كنت أتوقع أن تكون تلك التي في باريس تغني عن مشاهدة ما سواها، فإذا لم نضع «بيضنا» كله أو جله في سلة باريس الأنيقة، فأين سنضعه؟!
ولشدّ ما كانت الصدمة.. حين وجدنا أبناءنا وبناتنا المقيمين في باريس، وأبناء العرب والمسلمين المهاجرين يدرسون في صنادق وفصول تصل مساحتها أحياناً إلى 2x3 م2، حيث يفرح الطلاب إذا غاب أحدهم يوماً حتى يتفسحوا في جلساتهم المصطكة! والسعيد من وجد له في مثل هذا الفصل مكاناً، لأن هناك من هو أشد مصيبة وهو الذي أبتلي بأن يكون فصله في أحد «الصنادق» المركبة في «حوش» المدرسة «الأسمنتي» في أيام الشتاء القارس!
هكذا في باريس: فصل «صندقة» وفناء أسمنتي ومسجد «مستودع»! أما الطلاب الأتعس حظاً وربما هم الأسعد حظاً - فهم الذين لم تقبلهم المدرسة لعدم وجود المكان الكافي لهم، فأصبحوا طلاب منازل!
هكذا في باريس: طلاب منازل؟! كنت أظن أن هذا المصطلح التربوي قد انقرض بعد قُضي عليه في «أم الجماجم» و«نساح» و«شوية».. وإذا به يخرج في باريس؟!
جئت لأرى «الأكاديمية» فإذا بي أرى «كدمة» في جبين الوطن الذي نحبه ونأبى أن يظهر في الخارج مشوهاً عاجزاً.
العجيب: ان الطلاب يشتكون، والمعلمين يشتكون، والمدير يشتكي، و«...» يشتكي، ولا ندري من هو «المشكوّ»؟ لكننا ندري أن: إلى الله المشتكى!
اليتيم
الآن سأعود إلى السؤال الذي طرحته عندما تذكرت دعوة السفارة السعودية للوفد الرياضي، وقلت: بالمناسبة، هل يوجد سفارة سعودية في باريس؟!
لقد تعمدت أن أؤجل هذه الفقرة إلى آخر المقالة لأنها حالة شبه ميئوس منها، فلقد تحدث الكثيرون عنها فلم يتغير شيء حتى الآن، فهل سيتغير شيء إذا تحدثت أنا الآن؟!
ذكر الزميل صالح الشيحي في عموده اليومي بجريدة الوطن قبل أيام قليلة أن وفداً ثقافياً سعودياً زار سوريا وقابل كبار المسؤولين هناك حتى نائب رئيس الوزراء، لكن الوفد - لسوء حظه - لم يحظ بمقابلة السفير السعودي!.
والشيحي لا يدري أنه متفائل في مطلبه ذلك، فنحن في باريس منذ أيام عديدة لا نطمح إلى رؤية السفير السعودي، بل نطمح في رؤية أي انسان يقابل الوفد السعودي ويقول له: أنا من السفارة السعودية في باريس.
نحن لا نطمح في حفل عشاء كالذي يقام للاعبين، نحن نريد فقط كلمة: مرحبا!
في ردهات اليونسكو، تتنقل الوفود العربية والأجنبية ومعها سفراؤها تعرف بها على الوفود الأخرى وتتابع نشاطاتها ولقاءاتها وبرامجها، أما الملحق الثقافي للدول فهو الدينمو المحرك الذي يعرف خبايا اليونسكو وشخصياتها وأنظمتها بتنسيقه المستمر مع المندوب الدائم لتلك الدول في اليونسكو.
أما نحن فنتجول في ممرات اليونسكو كالأيتام.. لماذا؟! لا أحد يدري.. بل لا أحد يريد أن يدري، لأنه يدري!
سؤال:
هل كان يجب أن يفوز غازي القصيبي في انتخابات منصب مدير عام اليونسكو الأخيرة حتى نهتم ونلتفت إلى هذه المنظمة العالمية؟!
منشار:
قال لي زميلي هنا: إذا نشرت هذا الكلام فلن يُسمح لك بحضور اليونسكو مرة أخرى، قلت له: وإذا لم أنشره؟ قال ستحضر اليونسكو وغير اليونسكو ومن مؤتمرات العام. قلت له: إذاً لن أنشره.. وهأنذا أفعل، عملاً بنصيحته الوطنية!!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved