Saturday 25th october,2003 11349العدد السبت 29 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المنشود المنشود
مقاضي رمضان
رقية الهويريني*

ما أن يقبل شهر رمضان حتى تبدأ في المجتمع حالة استنفار قصوى أقرب ما تكون الى الحمى! ليتردد السؤال المعتاد:«شريتوا مقاضي رمضان»؟؟! تشارك في هذا الاستنفار الاعلانات في الصحف، والمنشورات التي نجدها تحت أبواب منازلنا لأنواع محددة من المأكولات والمشروبات المتوفرة أصلاً في المنازل والأسواق والبقالات طيلة العام، والفارق الوحيد هو ارتفاع أسعارها وإقبال الناس عليها، وأصبحت مرتبطة بالعادات الرمضانية أكثر من الحاجة الفعلية لها! كالمعكرونة والشعيرية والشوربة والكريمة و«لقمة المتهم» التي لا تغيب عن موائدنا أبداً، والسمبوسة تشكل منها المعجنات والحلويات على مدار العام إلا إنه «يستعز سوقها» في شهر رمضان الذي سمي كريماً لأن الكرام لا يثقلون على مضيفيهم! إلا أننا بإدراك منا أو بعدمه، قلبنا المفهوم حتى لقد تحولت دلالة هذا الشهر الى عرض للمنتجات، ومهرجان للتخفيضات في الأسعار وبرامج للتقسيط، في غياب كامل للوعي الاستهلاكي الذي نطالب به دون أن نسعى لتطبيقه!! أما القنوات الفضائية فتتسابق على اختصاص هذا الشهر بالمسلسلات والبرامج التي تصرف الناس و«الشباب بالذات» عن العبادة وحشد المسابقات التلفزيونية التي تتصف بالطابع الديني والمتاجرة بالقرآن الكريم والسنة النبوية لأغراض تجارية ودعائية! كما ارتبط مفهومه لدى شريحة كبيرة من الناس بالتسوق والشراء والتنوع في الأكل والشرب والزيارات والسهر في انقلاب جذري لمدلول رمضان كشهر عبادة، وتهذيب للنفوس، وفرصة للبذل والعطاء، وهنيئاً لمن كانت مكاسبه الدينية تفوق مكاسبه الدنيوية. فالفرائض الاسلامية ليست واجبات دينية يؤديها المسلم وتعبر دون أن يأخذ منها المغزى الحقيقي والدرس التربوي ويستشعر الجانب التوجيهي فيها، وليس من ظاهرها فقط! فالصيام عن الأكل والشرب فيه تعويد على الصبر والإيمان والتقوى والورع، وليس القصد منه تعذيب النفس أو إيذاءها بحرمانها من الطعام. وكذلك فيه تدريب على الالتزام بالأوقات والمواعيد والتواصل والشعور بحاجة الآخرين مع الرفق واللين عند التعامل. وهي دروس تحتاج لتأمل طوال العام بعد أن عايشها المسلم شهراً كاملا وتربى على الهدي الاسلامي بطواعية ليكون باستطاعته تطبيقها دون عناء في جميع مراحل عمره.
والشكل الذي عليه المسلمون في رمضان الآن من السهر لغير عبادة والاسراف في الأكل والشرب في الليل لغير حاجة، والهروب للنوم في النهار يجعلنا نتساءل بصدق - مع إيماننا بأهمية التواصل العائلي وبين الأصدقاء - هل هذا هو المعنى الشرعي لصلة الرحم وتفقد الأحوال؟ أم أن الأمر لا يعدو عن كونه استعراضاً زائفاً لأنواع الأطباق التي تتفنن سيدة المنزل و«شغالتها» باتقانها أو جلبها من المطاعم التي قد لا تتوفر فيها أدنى مقومات النظافة!! حيث إنه «لا تمسه الأيدي» - كما يدعون - بينما قد تمسه الأرجل!! ونعود لنتساءل لمَ لا نشعر بالثراء الفكري والمعرفي في زياراتنا لبعضنا حتى ولو كان الأصل فيها صلة الرحم؟ حتى بات أحدنا يعود بعد كل زيارة وهولا يحمل من وزر صرف الساعات الطويلة إلا أخبار مستهلكة أو طُرف سخيفة. وتحولت الزيارات العامة والخاصة الى مجاملات وقضاء وقت فراغ يمتد لساعات متأخرة من الليل وبعدها نشتكي من مواصلة العمل والدراسة في رمضان والمطالبة بوقفها أو تأجيلها!! والتقاعس عن أداء الأعمال في هذا الشر بالذات يُظهر الحاجة الماسة الى تأصيل مفهوم رمضان التعبدي والدعوة الى تفقيه المجتمع المسلم بمدلولاته العظيمة كتشريع وتهذيب ورقي بالذات، وأنه فرصة سنوية لاستشعار قيم عالية تتمثل بالعبادة والعمل، وممارسة الصبر، ومحاسبة النفس، وتغيير السلوك للأفضل. إن مجتمعاتنا الإسلامية لا تخلو من وجود فئات مغيبة عن الحق وتحتاج للتنبيه فحسب، لأنهم اعتادوا - جماعات وأفراد - أن يمارسوا عادات اجتماعية قد لا يكون ظاهرها مخالفة للشرع ولكن في باطنها يكمن البعد عن التعاليم الشرعية، وتلك الفئة تحتاج للتذكير وإيجاد البدائل.
غداً رمضان.. وبالمناسبة شريتوا مقاضي رمضان؟؟!! ما أوصيكم.. «الله.. الله.. بالسمبوسة والتوت.. و.. البراطم الحمراء!!.

ص.ب 260564 الرياض 11342

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved