Sunday 26th october,2003 11350العدد الأحد 30 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ألحان وأشجان.. على أعتاب شهر «التوبة والغفران»..؟!! ألحان وأشجان.. على أعتاب شهر «التوبة والغفران»..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي*

* يكفي الشهر الكريم رمضان؛ علواً وسمواً؛ أن صيامه هو واحد من أركان الإسلام الخمسة؛ فلا يتم إسلام المرء إلا به، وأنه سيد الشهور العربية قاطبة، فقد فضله المولى سبحانه؛ فأنزل فيه القرآن الكريم. وهو الشهر الذي تفتح به أبواب الجنة؛ وتغلق أبواب النار، وفيه تضاعف الحسنات. وأنه سبب من أسباب تكفير الذنوب والخطايا، وأن الأعمال فيه؛ تضاعف عن غيره، وأن الناس؛ أجود ما يكونون فيه.
* ويكفي شهر رمضان المبارك فضلاً وبركة؛ أن فيه ليلة القدر؛ التي هي خير من ألف شهر، فهي الليلة المباركة؛ حيث يكتب الله تعالى فيها ما سيكون خلال السنة.
* ويكفي شهرنا الكريم هذا؛ كرماً وعزة؛ كثرة نزول الملائكة فيه، وكانت فيه غزوة بدر الكبرى، وكان فيه فتح مكة.
* كثيرة هي الخصائص والمزايا والفضائل؛ التي جعلها الله لشهر رمضان دون غيره من الشهور؛ ففي القرآن الكريم؛ آيات كثيرات؛ دالة على ذلك، وفي الأحاديث النبوية الشريفة؛ نصوص عديدة؛ تثبت وتؤكد أفضليته وروحانيته، بل تعزز مكانته، وتدلل على أمارته على بقية الشهور، وتبين علو شأنه عبر الدهور. وتنبه إلى كرمه العظيم؛ لما فيه من خير وفضل وبركة.. فمن كرمه الذي جعله رب العباد للعباد؛ تلك الفرص النادرة المتاحة؛ لكل من صامه وأقامه؛ طاعة للخالق عز جلاله؛ ورغبة في رحمته وغفرانه وعتقه. قال صلوات الله وسلامه عليه: «شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار».
* وكان لرمضان وما زال؛ مكانة علية في الشعر العربي قديمه و حديثه، فهو مناسبة نورانية روحية عظيمة؛ أغدقت على الشعر العربي؛ فضيلة ربانية سامية؛ ميزته في مقابلة ما كان من شعر النسيب والمديح والهجاء؛ الذي طغى على موضوعات الشعراء العرب؛ قبل معرفتهم بفضيلة الصيام.
* ففي شهر رمضان المبارك؛ جمع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ المصلين في صلاة التراويح خلف إمام واحد لأول مرة؛ وذلك في السنة الثانية من خلافته الراشدة، فكان الشعور الروحي بهذه الشعيرة محلقاً؛ وكان الشعر لهذا الشعور الجميل حاضراً:


جاء الصيام.. فجاء الخير أجمعه
ترتيل ذكر.. وتحميد وتسبيح
فالنفس تدأب في قول وفي عمل
صوم النهار.. وبالليل التراويح

* ومن الشعراء؛ من ينتهز هذه المناسبة السعيدة بدخول شهر الصوم؛ فيقول ناصحاً:


أدم الصيام مع القيام تعبداً
فكلاهما عملان مقبولان
قم في الدجى.. واتل الكتاب ولا تنم
إلا كنومة حائر ولهان
فلربما تأتي المنية بغتة
فتساق من فرس إلى أكفان
يا حبذا عينان في غسق الدجى
من خشية الرحمن باكيتان

* وللترحيب بشهر رمضان المبارك؛ احتفاء خاص عند شاعر مصري معاصر هو: «محمود حسن إسماعيل»؛ حيث يقول:


أضيفٌ حَلَّ على الأنام..؟
وأقْسَم أن يُحيا بالصيام..!
قطعت الدهر جَواباً وفياً
يعود مزاره في كل عام
تخيم.. لا يحد حماك ركن
فكل الأرض مهد للخيام
نسخت شعائر الضيفان لمَّا
قنعت من الضيافة بالمقام
ورحت تسد للأجواد شرعاً
من الإحسان علوي النظام
بأن الجود حرمان وزهد
أعز من الشراب أو الطعام

* وفي الشعر السعودي المعاصر؛ نلمح هناك تجليات مشرقة؛ يشترك فيها عدد من الشعراء الكبار؛ أولئك الذين عزفوا على أوتار هذه المناسبة الروحية؛ فأودعوا ألحانهم تلك؛ أرق وأعذب أشجانهم في شهر رمضان، كيف لا؛ وهم ينطلقون بهذه الأهازيج الروحية الرائعة؛ من جوار الحرمين الشريفين، من بلاد كبيرة عظيمة؛ هي قبلة المسلمين كافة؛ من أقطار هذه المعمورة.
* هذا الشاعر المرحوم «عبدالقدوس الأنصاري»؛ يصدح بروحانية رمضانية؛ فيها عبق التشوق؛ ونَفَس التشوف؛ لضيف عزيز على الأنفس؛ بشير للقلوب؛ اسمه رمضان.. يقول:


تبدَّيْت للنفس لقمانها
لذاك تبثك وجدانها
وتنثر بين يديك الزهور
تحييك إذ كنت ريحانها
إذا لحت.. هَبَّ نسيم السماء
فينشر في النفس إيمانها
فأنت ربيع الحياة البهيج
تَنَضِّر بالصفو أوطانها
وأنت بشير القلوب الذي
يعرفها الله رحمانها

* وثمة هناك؛ أجواء رمضانية بديعة؛ عابقة بكل البشر والحب والسلام؛ نجدها في قصيد المرحوم الشاعر «محمد بن علي السنوسي»؛ الذي يقول:
رمضان.. يا أمل النفوس الظامئات إلى السلام
يا شهر.. بل يا نهر؛ ينهل من عذوبته الأنام
طافت بك الأرواح سابحة.. كأسراب الحمام
بيض يجللها التقى.. نوراً.. ويصقلها الصيام
تسمو بها الصلوات، والدعوات تضطرم اضطرام
* ومن جوار البيت العتيق؛ حيث الكعبة المشرفة؛ والمقام، وبئر زمزم، والحطيم، والحرم، والمشاعر المقدسة في أقدس بقاع الأرض؛ يرفع الشاعر الكبير «حسين عرب» رحمه الله، عقيرته الشعرية؛ مرحباً ومبشراً بقدوم هذا الشهر الفضيل.. فيقول:


بشرى العوالم أنت يا رمضان
هتفت بك الأرجاء والأكوان
والشعر والأفكار.. وهي عتِيَّة
ينتابها لجلالك الإذعان
لك في السماء كواكب وضاءة
ولك النفوس المؤمنات مكان
يا مشعلاً قبس الحقيقة بعد أن
أعيت عن استقصائها الأذهان
ومبدداً حلك الضلالة حينما
عمّ الدنا من زيفها فيضان

* وكثير من شعر الشعراء في رمضان؛ إنما يأتي في استقبال الشهر أو توديعه.. ومن ذلك؛ قول الشاعر الكبير «محمود عارف» في هذه الأبيات:


بالطهر.. شهر الصوم أقبل مشرقاً
مسترفه الخطوات.. يرفل معنقا
رمضان.. محراب العبادة للورى
تعلو به الأرواح أطهر مرتقى
فيه التراويح المضيئة مسبح
للقلب.. للإيمان.. يعمر مرفقا
ساعاته عمر الزمان.. مليئة
بالذكر.. حيث العمر عاد محلقا

* أما الشاعر الأستاذ «محمد حسن فقي»؛ فهو يلمس رمضان في قلبه؛ ويحسه في فمه؛ ويراه جنة غناء؛ يهيم بها فؤاده. فيضعنا معه في جو هذا الشعور الروحاني. يقول:


رمضان في قلبي.. هماهم نشوة
من قبل رؤية وجهك الوضاء
وعلى فمي.. طعم أحس به
من طعم تلك الجنة الخضراء
قالوا: بأنك قادم.. فتهللت
بالبشر أوجهنا.. وبالخيلاء
لِمَ لا نتيه مع الهيام ونزدهي
بجلال أيامٍ.. ووحي سماء..؟!

* ونلتقي هنا؛ مع الشاعر «أحمد سالم باعُطُب»؛ فهو يردد أنشودة فرح وابتهاج؛ لا يغرد بها وحده؛ بل يشرك معه كل العالم من حوله؛ كيف لا.. وهو يستقبل شهر رمضان..؟! يقول:


رمضان.. بالحسنات.. كفك تزخر
والكون في لألاء حسنك مبحر
يا كوكباً.. أعلامه قدسية
تتزين الدنيا له.. وتعطَّر
أقبلت رحمى.. فالسماء مشاعل
والأرض فجر من جبينك مسفر
هتفت لمقدمك النفوس وأسرعت
من حوبها بدموعها تستغفر

* ثم نختم هنا؛ بأبيات ملفتة؛ فهي مما هو مختلف حقاً؛ وهي من ذلك البوح الشعري؛ المحبب عندي؛ لأنه ينزل بالذات الإنسانية؛ إلى واقعها المعاش، ولأنه يحمل فضيلة الشفافية في الشعر. هذا الشاعر «عبدالله بن سليّم الرشيد» يقول:


توغل الأيام في إيجافها
في صدى الأمس.. وعمق الأزل
وأسير الذنب.. مكبول الرؤى
همَّ بالرجعى. ولمَّا يفعل
مَرَّ شعبان.. فلم تحفل به
روحه الملقاة بين الهمل
عجباً من أغبر ذي شعثٍ
مَرَّ بالنهر.. فلم يغتسل

* اللهم اجعلنا ممن ترحمهم في أوله، وممن تغفر لهم في أوسطه، وممن تعتقهم في آخره.. آمين.
فاكس: 7361552/02

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved