|
|
تأتي مهنة الطب، في مقدمة المهن الإنسانية، وتحمل في ثناياها قدراً كبيراً نحو خدمة الإنسانية جمعاء، ومعروف ان الاحتياج من الكوادر الطبية يزداد يوماً بعد يوم في كافة أصقاع الأرض، سواء لدى الدول المتقدمة أو النامية، فالدول المتقدمة لا تزال تتوسع في التعليم الطبي، وتخرج أعداداً كبيرة من أفراد مجتمعها ومجتمعات دول شقيقة وصديقة لها، ونحن في المملكة تسجل الدراسات وإحصائياتها نقصا غير مقبول في الكوادر الطبية، وإذا كان سبب ذلك هو قلة الدعم المالي، فعلينا قبول مقولة «الجود من الموجود»، كما لو كان هناك من عزوف لدى أبناء الوطن عن الانتساب لتلك المهنة، لقلنا ان القضية وطنية وعلينا مناقشة وطرح العلاج لها، ومناشدة الجميع بضرورة الالتحاق بهذا القطاع الهام مهما تكن الصعاب التي تواجه أولئك الملتحقين للدراسة فيه، لكن ماذا لو قلنا ان الدعم المالي بالإمكان ترشيده وتقنينه من خلال إعادة هيكلة احتياجات مؤسسات الدولة، ومنها ما يقدم للجامعات من تخصيص مالي، مع السعي إلى توظيف غالبية الأموال المرصودة في ميزانية الدولة سنوياً للتعليم العالي نحو تخصصات ومخرجات يستفاد منها عصرياً، مثل علوم الطب وبقية العلوم والمعارف الأخرى المطلوبة للاحتياج البشري ولمتطلبات سوق العمل عامة، وكذا ماذا لو قلنا ان هناك إقداماً بدوافع داخلية لا حدود لها من قبل أبناء الوطن، لانخراطهم في هذا القطاع الهام والضروري، ألا وهو القطاع الصحي، فيشاهد في كل عام وعلى سبيل المثال في منطقة الرياض، توافد أعداد غفيرة من أبناء الوطن بالتقدم لدراسة الطب من خلال الكليات الصحية التابعة لجامعة الملك سعود، والذي يصل أعداد المتقدمين المقبولين مبدئياً إلى نحو أربعة آلاف طالب وطالبة، والجميع لا تقل نسب درجاتهم في المرحلة الثانوية عن «90%» القسم العلمي، والمعدل عن درجة ممتاز، وهما أحد الشروط الأساسية للتقدم إلى الجامعة للقبول في الدراسة بإحدى كلياتها الصحية، ومع هذا كله لا يتم قبول سوى «1440» طالب وطالبة، ناهيك عن أن بعضاً من هؤلاء المتقدمين يأتون من خارج منطقة الرياض، والأدهى من ذلك، ان بعد اجتياز هؤلاء الطلاب للدراسات الأولية أو ما يسمى بالتمهيدية، أي بعد اجتيازهم للفصلين الأول والثاني، تأتي مرحلة أخيرة وهي القبول في التخصص النهائي، أي تثبيت الطالب أو الطالبة في التخصص الذي يتطلب توافر أمرين لدى الدارسين عموماً، الأمر الأول، عن مدى الاجتياز إلى معدل تراكمي محدد المستوى، والذي يتطلب الأمر معه إنهاء الطلاب مواد دراسية بتفوق لا يقل المعدل فيه عن 3/5، ويليه الأمر الآخر مع الأسف الشديد، وهو تثبيت المقبولين الذين اجتازوا المعدل التراكمي المطلوب وان كان مرتفعاً !! وذلك حسب إمكانية الجامعة العلمية والمكانية، وليست درجة المعدل التراكمي المقياس الأوحد، والذي من المفترض ان يكون كذلك، مما ينتج جراء ذلك التوجه، من أن يكون نصيب قبول التخصص في قسم الأسنان على سبيل المثال بما لا يتجاوز القبول فيه عن 10%، ويأتي قسم الطب البشري بما لا يتجاوز القبول فيه من 20 25%، ونسبة محدودة تقبل في الصيدلة، وينصب التوجه الأكبر في القبول والذي يمثل أكثر من 60% من الدارسين عامة إلى دراسة التخصصات المدرجة بكلية العلوم الطبية التطبيقية، والتي لا تخرج أطباء كما هو معلوم، وإنما تخرج أخطائيي تخصصات طبية، يعد البعض منها طبية مساعدة، والبعض الآخر تخصصات طبية مساندة، وذلك كله يتأتى من أصل 1440 طالباً وطالبة!!، أي لن يكون نصيب المجتمع في الاستفادة من خدمات كوادر طبية وطنية في قسمي الطب البشري والأسنان سوى في حدود 25% بالمائة من أصل ذلك العدد لكل دفعة يتم تخرجها وليس سنوياً، وهي أقسام طبية لم تصل نسبة الأطباء الوطنيين فيها 3% من الطاقة البشرية المفترض منها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأطباء السعوديين، ولهذا تؤكد دراسة إحصائية عن احتياجنا من الكوادر الطبية، ان سعودة الكوادر الطبية في المملكة لن تتم قبل 66 عاماً وان نسبة الممرضين الوطنيين في البلاد هي 17% من أصل 61986 ممرض وممرضة، فما هي أسباب هذا التقنين الأكاديمي، من جامعة تعد نفسها في مصاف أكبر الجامعات في العالم، وفي الوقت الذي تمضي فيه الجامعة قدماً نحو تجديد عقود ممرضات بمستشفياتها الجامعية، من دول آسيوية وبرواتب تزيد نسبتها سنوياً، وهي تمتلك كلية خاصة بالتمريض !! فهذا هو حال جامعة الملك سعود، التي تعد صاحبة أكبر ميزانية في الاعتمادات المالية بين كافة الجامعات السعودية، والتي آثرت أيضا بناء مبنى يعد من المعالم المعمارية في البلاد، متناسية توافر مبان صحية وذات بيئة دراسية مقبولة لكلياتها الصحية، والتي تمثل في أشكالها أطلالاً آيلة للسقوط، بالذات المباني الخاصة بالطالبات بحي عليشة، فهل نرى تغيراً وتحركاً لسد حاجة البلاد من مهنة تعد من أسمى المهن الإنسانية، وبحاجة ملحة وقائمة، ومبان نموذجية مشرفة لبلادنا الغالية الواعدة، أم سوف نسمع أطروحات إعلامية تعطي مواعيد دون ان يتحقق شيء في هذه المرحلة، خصوصاً في آلية القبول. |
![]()
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |