Monday 3rd november,2003 11358العدد الأثنين 8 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
منعطفات2
عبدالله بن بخيت

أمضيت ثلاثة أسابيع أفك رموز وطلاسم الجمل المتقافزة والمتضاربة التي حوتها مجلة اليمامة. إلى أن عرفت في النهاية أن الجريدة تقرأ بشكل أعمدة وليست كالكتاب صمم ليقرأ سطرا بعد سطر. اكتشفت أنني كنت أقراء بشكل أفقي كما علمونا في المدرسة. فبدت الجمل غير منطقية. ولكني لم أتبين أن الجريدة لا تشبه الكتاب في أي شيء إلا بعد أشهر عندما أصبحت قارئا متابعا لما يكتب في اليمامة وفي جرائد أخرى. وأهم شيء توصلت إليه أن الجريدة يعبئها الناس كلهم والكتاب يؤلفه شخص واحد.
الصعوبة التي اكتنفت قراءاتي الأولى للجريدة زودتني بدرس من أعظم الدروس. إذا لم تفهم ما تقرأه فليس بالضرورة أن تكون المشكلة في عقلك أو في وعيك. فتحرك معي هذا الشعار حتى جاء الوقت الذي بدأت أقرأ فيه الكتب بشكل أكثر جدية فاكتشفت أني في حاجة لهذا الشعار ليحميني من عبث الكتاب وجهلهم. بعد تلك الفترة بقليل ترجم إخواننا الأشوام كتاب اللامنتمي لكاتب بريطاني يدعى كولن ولسن. وكما عودونا طاروا به وجعلوه أعظم كاتب في القرن العشرين وكما تعودنا (ومازلنا) رثعنا وراهم حتى أصبح كل كاتب سعودي لازم يمعط له جملة أو كلمة ويضمنها في مقالة. فأصبح أكبر همي أن أقرأ كتاب اللامنتمي.
بصراحة أعجبتي كلمة اللامنتمي. تركيبتها جديدة وجذابة. لم أترجمها إلى (الغير منتمي) خشية أن أفسد جمالها وتفردها. لم أعرف دلالتها الحقيقية إلا بعد سنوات عندما بدأت أعرف بعض الشيء عن اللغة الإنجليزية. فعرفت أنها مجرد ترجمة طنانة لكلمة (outsider) (الغريب). الشيء العجيب في الإنسان أنه قادر على أن يخدع نفسه. لمجرد أن أحتفظ بوهج الكلمة لم أبذل أي جهد لتحليل دلالتها. تركتها كما هي أتلمظ بها في المجالس وبين زملائي في المدرسة. وعندما أتكلم تراني بمناسة وبدون مناسبة أحيل الناس على كتاب اللامنتمي. كنت قد حفظت تقريبا كل المقتطفات التي لطشها كتاب الجرائد وزخرفوا بها مقالاتهم.
كان موقفي هذا يغيظ استاذ اللغة العربية الذي لم يقرأ في حياته سوى كتاب جواهر الأدب. وبعد أن بلغ به الغيظ مبلغه دعاني مرة إلى غرفة المدرسين المصغرة وهي الغرفة التي يستريح فيها المدرسون من غير المدخنين وهم اساتذة الدين واللغة العربية. فكان اللقاء تقريبا أشبه بمحاكمة مؤلف كتاب مدام بوفاري في فرنسا. فحوى المحاكمة هي في أن إشارتي لكتاب أجانب لها دلالتها الأخلاقية والعقدية. كنت أدافع عن نفسي بصفتي قارئاً لكتاب اللامنتمي لا بصفتي لاطش عبارات وجمل من كتاب جرائد الله أعلم مدى فهمهم لما قرؤوه. وبعد حوالي ربع ساعة من المحاكمة نصحني أخيراً أن أقرأ كتاب جواهر الأدب فهو أبرك وأنفع ديناً ودنيا. من هذه المحاكمة عرفت أن مدرس اللغة العربية لم يقرأ في حياته سوى كتاب جواهر الأدب وأشك أيضا أنه قرأه بالكامل ففقد احترامي وتقديري له. وقررت أن أحصل على كتاب اللامنتمي بأي ثمن لأقرأه بنفسي.
البقية بعد غد

فاكس: 4702164

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved