Tuesday 4th november,2003 11359العدد الثلاثاء 9 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مواقف باسمة في حياة الشيخ الجاسر مواقف باسمة في حياة الشيخ الجاسر
سعد البواردي

بعيداً عن حياته الغنية، وثقافته الثرية في الجغرافيا والديموقرافيا، والتاريخ، والأنساب.. والتراث.. بعيداً عن كل هذا الذي أمتع به مكتبتنا العربية.. وأشبع به جوع الباحثين عن المعلومة العلمية والثقافية آثرت من خلال هذه الكلمة أن أتناول جانباً من حياته الحافلة بزخم من المعرفة والطرفة التي قد لا يعرفها الكثيرون عنه.. أو أن القليل سمعها ولم تترسخ في ذهنه لندرتها..
شيخنا الراحل ا لجاسر يهوى الترحال والسفر بحثا عن مخطوطة أو مطبوعة أو لقاء مستشرق.. أو زيارة مكتبة، أو استجابة لدعوة.. ولأن ثقافة راحلنا العلامة بلغة التخاطب ضحلة لا تتجاوز بضع مفردات.. أي بضع كلمات بيضاء للموقف المحرج.. أحياناً تستعصي عليه تلك المفردات فيطلقها ويستخدم لغة الإشارة بأصابعه فينجح..
مرة في مطعم إيطالي بروما مشهور بوجبة المعكرونة الأسبكتي احتل مقعده على إحدى المناضد.. طلب طبق اسبكيتي ربما لشهية في أكله.. أو ربما أنه الاسم الوحيد الذي يحتفظ به في ذاكرته.. جاء الجرسون بالطبق راح شيخنا يلتهمه في شهية.. وقبل أن يفرغ من أكله لفت نظره نوع من الفاكهة يشبه حبات الطماطم الكبيرة سال لها لعابه.. أشار بأصبعه إلى الجرسون إحضار واحدة من حبات الطماطم المزعومة كان قد وجه اصبعه نحوها..
أبقى على ما تبقى من الطبق إلى حين إحضارها.. وبكلتا يديه اعتصرها داخل وجبته أو ما تبقى منها.. أدرك بعد أن تذوقها أنه أخطأ الاختيار.. ولكنه أمام العيون التي ترقبه عن قرب مندهشة ومستغربة تظاهر بأن اختياره جاء مقصوداً وليس نتيجة خطأ.. وراح يمصمص شفتيه في شهية ذكية وهو يردد بصوت مسموع «فرنايس.. فريقود».. وبهت الذي حضر..
أحياناً يصعب عليه تحديد الطبق لأن حوار خرسان لغة التخاطب مفقودة.. حينها يمسك بيد الجرسون ويقوده إلى المطبخ.. ويشير إلى طبقه المفضل بعبارة «يس» وما لا يشتهي بعبارة «نو» ويقفل راجعا إلى حيث جلس.
علامتنا الراحل كما قلت كثير الترحال - خياره المفضل ركوب القطار من بلد إلى آخر لما تفضي إليه الرحلة من متعة.. وما تضيف إليه من مشاهد طبيعية خلابة.. أذكر مرة انه كان في هولندا في زيارة لمكتبة «هايدن» المشهورة بمخطوطاتها.. أنهى مهمته وقطع تذكرة إلى باريس.. ويبدو أن منافذ الركوب اختلطت في رأس شيخنا وامتطى القطار.. واكتشف بعد أن قضي الأمر أنه يتجه إلى «بون» وكان لسانه وهو يتحدث عن رحلة الضياع اللذيذ يردد المقولة «أردنا باريس. وأراد الله بون.. على طريقة محمد علي باشا المشهورة «أردنا شقراء، وأراد الله ضرماء»... شيخنا الجاسر تتوقف ثقافته الفنية الطربية عند حدود أغنيتين اثنتين لا ثالث لهما لطالما رددهما على مسمع من خاصته أولاهما «قولوا لعين الشمس ما تحماش» لشادية.
والثانية والتي يرددها أكثر «يا أم العباية حلوة عباتك» أكثر من مرة أسأله:
- أبا محمد من يغنيها؟!
يلتفت إلي.. ويقول بصوته المرح: - حتى أنت تجهلها..! إنها «سارة الرفقي».
وحين أحاول تصحيح الاسم قائلاً له: - إنها سهام رفقي لا سارة الرفقي..
يرد علي في دعابة ومرح: - أنا أبخص..
بضعة نماذج باسمة لبعض جوانب في خصوصية حياته تكشف لنا كيف كان الجاسر جسورا في أسفاره.. جميلاً في أخباره.. له ككل إنسان وجهه الجاد.. ووجهه الضاحك الذي لا يعرف العقد ولا التكلف.. وإنما التكيف مع الظروف بذكاء. وفطنة. إنه رجل المواقف.. وكفى..

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved