Monday 17th november,2003 11372العدد الأثنين 22 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
إيقاظ الفطنة عن غفوتها!!
د. خيرية إبراهيم السقاف

نشأنا ومربونا يردِّدون علينا كثيراً من العبارات ضمن توجيهاتهم لسلوكنا، وعرضهم علينا كمية من المفاهيم، والقيم، يحرصون على أن نحقِّق الكفايات العليا لها في سلوكنا...، ومن ضمن هذه العبارات التي تُقال: «ما خاب من حذر»، وكنَّا كلَّما واجهتنا مواقف الفشل التي تأتي بعد مواقف «حسن النِّيَّة»، نجدهم يردِّدون علينا ضرورة الحذر، حتى عن نتائج «حسن النِّيَّة»...
ومن ضمن ما يردِّدون أيضاً، أنَّ المؤمن «فَطِن»، والفطنة تدرأ الوقوع فيما لا يُحمد، وهي دافعٌ للحذر، ودافعٌ لحسن النِّيَّة، ذلك لأنَّ الفطين هو الذي يُحسن متى، وكيف، وأين، ومع مَن، يكون الموقف بأحدهما: أي بحسن النِّيَّة، أو بالحذر...
ومن ضمن كلِّ ما قدَّمتْه لنا أوعية التَّربية، والتَّوجيه، القائمة على أخلاق الأدب، والرِّضاء، والتَّواضع، والعطاء، والإيثار، والمحبة، كانت تقدِّم لنا صياغات نفسية عاليةً، أوَّلها؛ الثِّقة في الآخر، ومع أنَّ الثَّقة في الآخر تتضارب بشكلٍ وبآخر مع الحذر، فإنَّها ليست تحقِّق للفطنة بها جانب حسن النِّيَّة، بقدر ما توطِّده، وتقضي معه على جانب اليقظة بالحذر، حتى يثبت للثِّقة إيجابها، ومن ثمَّ لا يتدخَّل «الحذر» بنتائج مجانبة لذلك.
ومحصلة التَّربية للمجتمع في الغالب تقوم على هذا النَّهج من السِّلوك، الأمر الذي «ركن» فيه السَّواد الأعظم من النَّاس على جانب «حسن النِّيَّة»، وحسن الثِّقة، وتعطَّل الحذر، ونامت الفطنة... حتى داهم هذا المجتمع «نمطٌ» من الأفراد يدينون بسلوك آخر، ويتقلَّدون مبادئ مختلفة، وينشدون أساليب ليست في تركيبة سلوك هذا المجتمع الناشئ على الدِّعة، والاطمئنان، والإحساس بأنَّ الجميع «معي»، وأنَّني «بهم».
إذ حين استيقظت المدن على دوِّي الانفجارات، وبسطت وسائل الإعلام كميات الذَّخيرة المخبأة، وتابعت طائرات البحث أقدام الفارِّين في المتاهات المظلمة، وأصبح السُّؤال: منذ متى يتأهَّب هؤلاء لمثل هذا الشَّر؟، وكيف تمَّ لهؤلاء التَّحرك والتَّنقُّل وحصد هذا الكم من السِّلاح بأنواعه المختلفة، ومَن يكون وراء تكوين هذه المشاعر، وتعبئة هذه الصِّدور، بما لا يعهده هذا المجتمع المسالم من الحقد، والبغض، والنَّوايا الآثمة، فإنَّ الذي لا بدَّ أن يكون هو العودة إلى تقنين أساليب تربية جديدة تعمل على تغيير مصطلحات بعينها... لتحفيز الحذر، وإيقاظ الفطنة، وتأخير حسن النِّيَّة حتى نثبت، ذلك لأنَّه الوقت الذي نحتاج فيه إلى صناعة إنسان قادر على مواجهة الشَّر بقوة المنطق، وشفافية الهويَّة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved