Monday 17th november,2003 11372العدد الأثنين 22 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سُنَّة تتأكد في العشر الآواخر سُنَّة تتأكد في العشر الآواخر
الاعتكاف وقطع العلائق عن الخلائق

مع دخول العشر الآواخر من شهر رمضان المبارك يأتي الاعتكاف في مقدمة العبادات خلال هذه الفترة ونظرا لاهميته ورغبة في بيان جوانبه يسر صفحة رمضانيات ان تقدم رأيا مفصلا لفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن الاعتكاف من خلال ما يلي:
معنى الاعتكاف
الاعتكاف لغة: ملازمة الشيء والإقامة الطويلة عنده. وغالبا انهم يقيمون عنده تعظيماً له ولهذا كان المشركون يعتكفون عند معبوداتهم.
قال الله تعالى عن ابراهيم - عليه السلام: {مّا هّذٌهٌ پتَّمّاثٌيلٍ پَّتٌي أّنتٍمً لّهّا عّاكٌفٍونّ><ر52ر>} ومعنى عاكفون أي مقيمون عندها.
واعترف المشركون بأنفسهم فقال الله تعالى عنهم: {قّالٍوا نّعًبٍدٍ أّصًنّامْا فّنّظّلٍَ لّهّا عّاكٌفٌينّ><ر71ر>} واخبر تعالى عن بني اسرائيل بقوله تعالى:{$ّجّاوّزًنّا بٌبّنٌي إسًرّائٌيلّ پًبّحًرّ فّأّّتّوًا عّلّى" قّوًمُ يّعًكٍفٍونّ عّلّى" أّصًنّامُ لَّهٍمً} ومعنى يعكفون أي يطيلون القيام عندها.
والعكوف لابد ان يكون تعظيما للبقعة والمكان الذي يعتكف فيه فإن كان عبادة لله وطاعة فهو محمود، كالاعتكاف في المساجد. قال تعال: {$ّلا تٍبّاشٌرٍوهٍنَّ $ّأّّنتٍمً عّاكٌفٍونّ فٌي پًمّسّاجٌدٌ} وقال تعالى:{ أّن طّهٌَرّا بّيًتٌيّ لٌلطَّائٌفٌينّ $ّالًعّاكٌفٌينّ $ّالرٍَكَّعٌ پسٍَجٍودٌ><125>} .
وان كان ذلك المقام محظوراً الاعتكاف فيه، لانه تعظيم لمخلوق مثلا لم يجز، فالاعتكاف عند القبور تعظيما لها يكون شركاً، لأنه بمنزلة اعتكاف المشركين عند معبوداتهم، لأن الذين يعكفون عند القبور يكون دافع الاعتكاف عندهم تعظيم القبور. اما الذين يعكفون في المساجد، فإن دافع الاعتكاف عندهم عبادة الله وطاعته.
أما معنى الاعتكاف في الاصطلاح فهو: لزوم مسجد لطاعة الله. فلابد لمن اراد ان يعتكف في المسجد ان تكون نيته طاعة الله اما الذين يتخذون المسجد للسكن كما يفعل بعض الفقراء، فإنه لا يسمى معتكفاً.
* قوله «لطاعة الله» المراد بالطاعة هنا جميع أنواع الطاعات، لأن على المعتكف ان يكثر من الطاعات والقربات، ومن الطاعات التي يتقرب بها المعتكف الصيام فإذا اعتكف نهاراً فإنه يتأكد عليه ان يصوم، ومنها التهجد، ومنها الاكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر الآيات والتفكر فيها. ومنها كثرة ذكر الله - جل وعلا- من التهليل والتسبيح والتكبير والحوقلة والاستغفار وما اشبه ذلك.
ومنها التفكر في آلاء الله وفي آياته والتفكر في مخلوقاته وفي نعمه على عباده، ومنها الاكثار من الدعاء فيدعو الله ويبتهل اليه ويتوسل اليه باسمائه وبصفاته ليكون اقرب الى اجابة دعائه. فعلى المعتكف ان يعمر وقته بأنواع الطاعات والقربات وكذلك عليه ان يتجنب ما يشغله عن هذه الطاعة، فمثلا لا يخرج من المسجد لغير حاجة ولا يشتغل بالدنيا ولا بأمور الدنيا، ولا يفتح باب الزيارة فيأتيه الناس ويتحدثون اليه بل عليه ان يشتغل بنفسه ولا يجعل مكانه او زاويته متحدثا، فإن هذا ينافي حقيقة الاعتكاف الا ان يكون هناك حاجة وضرورة، فإن صفية - رضي الله عنها -زارت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف وتحدثت معه قليلاً، ثم قامت وقام معها ليردها الى بيتها.
روي عن بعض السلف انه عرف الاعتكاف بقوله: الاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق».
المراد بالعلائق: العلاقات التي بين المعتكف وبين الناس في المعاملات والزيارات، فعلى المعتكف ان يقطع تلك العلائق عن كل الخلائق حتى عن ابنائه فلا يفتح لهم المجال ليأتوا إليه للمزاح والكلام ونحو ذلك، لاجل ان يتصل بخدمة الخالق. هذا هو حقيقة الاعتكاف.
* فائدة: اركان الاعتكاف ثلاثة:
1- المعتكِف: المسلم. 2- المعتكَف: المسجد. 3- المعتكف له: طاعة الله.
الاعتكاف في المساجد
الاعتكاف سُنّة، وهو لا يصح إلا في المساجد.
أولاً: لأن الله - جل وعلا - قال:{$ّأّّنتٍمً عّاكٌفٍونّ فٌي پًمّسّاجٌدٌ} وقال تعالى: { أّن طّهٌَرّا بّيًتٌيّ لٌلطَّائٌفٌينّ $ّالًعّاكٌفٌينّ} والبيت هو المسجد الحرام.
ثانياً: انه اذا اعتكف في غير المسجد فإنه يؤدي الى ترك الصلاة مع جماعة المسلمين في المسجد وتركها ذنب كبير، أو يؤدي الى ان يخرج الى الصلاة في كل وقت وكثرة الخروج والتردد ذهاباً واياباً ينافي الاعتكاف، لأن الاعتكاف ملازمة المعتكف.
الاعتكاف سُنّة مؤكدة
الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله، وهو سُنّة مؤكدة في كل زمان، ويتأكد في العشر الآواخر من رمضان، كما روت عائشة - رضي الله عنها: «ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الآواخر من رمضان حتى توفاه الله - عز وجل - ثم اعتكف ازواجه من بعده». وروى البخاري عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة ايام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً».
قال ابن رجب في اللطائف: وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه العشر قطعا لاشغاله وتفريغاً لباله وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه وكان يحتجر حجراً يتخلى فيها عن الناس.
ولهذا ذهب الإمام احمد الي ان المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن بل الافضل له الانفراد بنفسه وهو الخلوة الشرعية لهذه الامة، وانما كان في المساجد لئلا يترك به الجمعةوالجماعات فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه علي ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه.
فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة والمحبة له والانس به اورثت صاحبها الانقطاع اليه بالكلية على كل حال.
ولا يصح الاعتكاف إلا بشروط:
1- النية: لحديث «انما الأعمال بالنيات..».
2- ان يكون في مسجد: لقوله تعالى: {$ّأّّنتٍمً عّاكٌفٍونّ فٌي پًمّسّاجٌدٌ} وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في مسجده.
3- ان يكون ذلك المسجد مما تقام فيه صلاة الجماعة حتى لا يتكرر خروجه لكل وقت مما ينافي الاعتكاف ولا يخرج المعتكف إلا لما لابد له منه، ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة، ويحرم عليه مباشرة زوجته، ويستحب اشتغاله بالقربات واجتناب ما لا يعنيه، وله ان يتحدث مع من يزوره وله ان يتنظف ويتطيب ويخرج لقضاء حاجة وطهارة واكل وشرب اذا لم يجد من يأتيه بهما.
وأما المرأة فالافضل في حقها البقاء في بيتها والقيام بخدمة زوجها وولدها ولا يشغلها ذلك عن عبادة ربها، ولأن خروجها مظنة الفتنة بها وفي انفرادها ما يعرضها للفسقة واهل الفساد.
ولكن ان امنت هذه المفاسد وكانت كبيرة السن وكان المسجد قريبا من أهلها ومحارمها جاز لها الاعتكاف فيه، وعلى ذلك يحمل اعتكاف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بعده لقربهن من المسجد.
وبالجملة لا يصح اعتكافها في مسجد بيتها وهو مصلاها فيه، ويصح في كل مسجد ولو لم يكن فيه جماعة مستمرة، ويكره خروجها وانفرادها محافظة على نفسها. والله أعلم.
الاعتكاف بلا صوم
الصحيح انه يجوز الاعتكاف بلا صوم ودليل ذلك ان عمر - رضي الله عنه - قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اني نذرت في الجاهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال صلى الله عليه وسلم «اوف بنذرك»، والليلة ليست محلا للصوم فدل ذلك على انه يجوز الاعتكاف بدون الصيام، ولكن يتأكد الصيام لمن اعتكف نهاراً خروجاً من الخلاف، لأن بعض العلماء قال لا اعتكاف إلا بصوم، ولأن الذين قالوا بجواز الاعتكاف بلا صوم قالوا ان الافضل الاعتكاف مع الصيام.
الاعتكاف طاعة يجب الوفاء بها لقوله صلى الله عليه وسلم «من نذر ان يطيع الله فليطعه» أما الاحناف فإنهم قالوا: لا يلزم الوفاء به لأن عندهم قاعدة في النذر وهي ان النذر لا يلزم الوفاء به إلا ما كان جنسه واجباً بأصل الشرع، والاعتكاف ليس جنسه واجبا بأصل الشرع. والصحيح قول الجمهور لعموم حديث: «من نذر ان يطيع الله فليطعه» والاعتكاف من طاعة الله.
وقت الاعتكاف
اذا نذر المؤمن ان يعتكف يوماً وجب عليه ان يدخل المعتكف قبل طلوع الشمس ولا يخرج إلا بعد غروب الشمس. واذا نذر اعتكاف ليلة فعليه ان يدخل المعتكف قبل غروب الشمس ولا يخرج إلا بعد طلوع الشمس. والله أعلم
ومن نذر ان يعتكف في أي مسجد غير المساجد الثلاثة جاز له ان يوفي باعتكافه في أي مسجد آخر، لأن البقاع كلها سواء، وكذلك من نذر ان يعتكف في مسجد في البلدة الفلانية، جاز له ان يوفي باعتكافه في أي بلد، وهناك قاعدة في هذا، وهو انه اذا عين الافضل تعين ولم يجز فيما دونه، فمن نذر ان يعتكف في المسجد الحرام لزمه الاعتكاف فيه، ولم يجز فيما دونه، لأن كل المساجد دونه في الفضل، واذا عين المفضول جاز في الفاضل. دليل ذلك ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اني نذرت ان فتح الله عليك مكة ان اصلي في مسجد بيت المقدس. قال: «صل ها هنا» قال: اني نذرت ان اصلي في ذلك المسجد قال: «صل ها هنا». فلما رآه مصراً قال: «شأنك إذاً». رواه ابو داود والحاكم وصححه.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved