Tuesday 2nd december,2003 11387العدد الثلاثاء 8 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

اضاءة اضاءة
احترام الألقاب
شاكر سليمان شكوري

في مصر الشقيقة كان «الباشا» لقباً رسمياً يمنح في الغالب لعلية القوم من كبار الساسة ورجال المال والأعمال والمجتمع الذين أفنوا حياتهم في خدمة الأمة والإنسانية ومنذ عام 1952م أخذ اللقب في الاختفاء التدريجي السريع على ألسنة الناس بعد قرار رسمي بإلغائه حتى اختفى تماماً خلال فترة وجيزة.
ثم عاد اللقب للظهور من جديد لكن ليطلق على كل «من هب ودب» كما يقول إخواننا المصريون أنفسهم، وأصبح كل الناس تقريباً ينادي بعضهم البعض بالباشا!!
وهنا في المملكة كان «الشيخ» لقباً يتحلى به كل من أفنى عمره في طلب العلم وخدمته، حتى أصبح مرجعاً شرعياً يستفتى فيفتي على الأصول، كما كان لقبا رسميا لرؤساء القبائل والعشائر.
وهكذا كان «الشيخ» عندنا هو شيخ الحكم، أو شيخ العلم الضالع في التبحر البحثي والمحصل لكنز معرفي يستغرق جل عمره، ويتحول معه سواد شعره إلى بياض وفتوته إلى شيخوخة، وقد يمشي على عكازين ولا يزال يحصل العلم الشرعي من مناهله، موظفا مواهبه التي يهبها الخالق جل وعلا لمن يشاء من عباده ويفيض عليهم بفيوضاته، ثم يدفع إلى الناس بزبدة ما يؤمن لهم دينهم ودنياهم، وفي زمن الطفرة وما انبثق عنها.. امتهنت هذه الصفة الكريمة وأصبح الطفل ذا الجدة يقال له شيخا.. فتصدى لها الغيورون حتى منعت.
والآن.. وقد أصبح «الشيخ» لقباً مشاعاً عندنا، وعلى سبيل المثال ومع تقديرنا لأبنائنا الطلاب الجامعيين في الأقسام الشرعية، فإن الواحد منهم بمجرد ان يسجل في الكلية يطلق عليه اللقب، ثم تثبت الجامعة ذلك رسمياً بإضافته سابقا لاسم الطالب في شهادة التخرج!!
ولا يخفى على أحد حتى أولئك الطلبة أن الجامعة هي مرحلة التمكن من مفاتيح العلم وطرائق البحث، بيد أن أمام المتخرج ردحاً طويلاً من الزمان.. ومن العناء، كي يصل إلى رتبة «الشيخ» مؤهلاً بمقوماتها، ولا أعتقد ان واحدا من أبنائنا الخريجين يختلف مع هذا الرأي، أو يرى فيه انتقاصاً من قدره.
الأدهى والأمر أن مقدم برنامج مرئي سعودي استضاف قبل أيام اثنين من رؤوس الفتنة التكفيريين، الذين دفعوا أبناء لنا بالفكر المضلَل والمضلِل إلى أتون النار وأنهار الدم.. دماؤهم أنفسهم، ودماء الأبرياء من النساء والأطفال والشباب والشيبان، الذين راحوا جميعاً بغير جريرة ضحية الإثم والعدوان الذي لابد أن يحمل كبره أولئك القادة إلى الجحيم، الذين يزرعونه في أدمغة الشباب فكراً يحقق مآربهم التي لا يعلم كنهها إلا الله!
وقد فوجئ المشاهدون بالمضيف في البرنامج يضفي على هذين الاثنين لقب فضيلة الشيخ!!! فأي فضيلة وأي شيخ ذلك الذي جاءك ويداه ملطختان بدماء الأبرياء؟! أليس هو ذاك الذي غذى بالفكر الجامح عقول الذرية ليدمروا الوطن لحسابه ولصالح «أجندته»؟! وإن استتاب أحدهم فأعلن توبته عما سبق، ونكوصه عما أفتى، أفليس ذلك أدعى لإقامة الحجة عليه؟!
إننا نعرف أن كثيراً من مجرمي الحروب في العالم الذين حاكمهم الناس أو التاريخ لم يمسك أحدهم طوال حياته مدفعا ولا بندقية، ولا صنعوا قنبلة ولا لغماً، ولكنهم دفعوا كل أولئك الذين صنعوا الدمار للبشرية بأفكار ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فباءوا بغضب من الله والناس، فكيف يصبح أشباه هؤلاء شيوخاً.. بل وأصحاب فضيلة؟!
يا قوم ترفقوا بهذه الرتب، لأن وزر اضفائها على من ليس لها أهلاً، ربما يصبح إثماً جارياً، وان الناس تحترم هذه الكُنى فلا تفقدوها مصداقيتها واحترامها، ولا تنسبوها إلا لآبائها الشرعيين!!

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved