Saturday 6th december,2003 11391العدد السبت 12 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ماذا خسر العرب بانحطاط الإعلام؟ ماذا خسر العرب بانحطاط الإعلام؟
الاغتصاب الإسرائيلي للعقل الأمريكي.. الدرس الأول
الإعلام.. المعركة التي يخسرها العرب دائماً..
د. علي بن شويل القرني

مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر تشكل منعطفاً تاريخياً في حياة البشرية، وتحديدا خلال الحقبة المعاصرة التي نعيشها اليوم.. وتحتاج الدول إلى قراءة عميقة لأحداث هذه المرحلة الجديدة، من أجل تحديد الدروس المستفادة منها، وبلورة فكر عصري يستوعب مستجدات المرحلة وتعقيدات المواقف وديناميكية السياسة الدولية.. وفي نظري الشخصي أن من أهم الاستفادات الكبرى غير المنظورة في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر أن الإعلام كان هو فرس الرهان وساحة المعركة وميدان القتال.. وقد نجحت الدول التي استفادت من سلاح الإعلام وخسرت الدول التي خذلها الإعلام.. وقد نجحت الولايات المتحدة وإسرائيل في معركة «الإرهاب» وخسرت دول أخرى بما فيها الدول العربية - والمملكة إحداها - بسبب عدم استيعاب دروس الإعلام وخصوصية التعامل مع الشأن الإعلامي.
إن أهم درس يمكن استخراجه من العبر الكثيرة التي أفرزتها أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها الكثيرة هو في المجال الإعلامي.. وتحديداً كيفية توظيف الإعلام في المعركة السياسية لحملة ما يعرف بالإرهاب.. وقد تمكنت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بصفة منفردة مستقلة أحيانا وبصفة مشتركة متحدة أحياناً أخرى من توظيف الإعلام في خدمة السياسة الداخلية والخارجية لتلك الدولتين.
وسأحاول هنا أن أسوق أمثلة تبين هذه الوحدة المشتركة بين الإعلامي والسياسي من ناحية الموضوع، وبين الإسرائيلي والأمريكي من ناحية الأهداف والتوجهات.. والمثال الرئيسي سيكون عن العلاقة مع الفلسطينيين.. كهم مشترك مؤثر على الوضعين الداخلي والخارجي في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.. وهذا الموضوع هو هم كبير كذلك للعالم العربي والإسلامي كقضية مصيرية كبرى.
ما الذي استفادته إسرائيل
من الولايات المتحدة؟
1- ركوب الموجة.. حاولت إسرائيل ومن خلال رئيس وزرائها إرييل شارون أن تركب موجة الحملة ضد الإرهاب.. أولاً لتبرئة نفسها من الإرهاب، وثانياً لتكون في معسكر المنتصرين في هذه الحملة لمعرفتها أن الحملة ستنتصر آجلاً أو عاجلا.. وحتى تتوزع المكاسب المتوقعة مع الدول المنتصرة..
2- حاولت إسرائيل ومن خلال أجهزة الدعاية وحملات الإعلام الإسرائيلية أن تفصل لها ثوباً موازياً للثوب الذي اكتست به الولايات المتحدة.. وقد فصلت هذا الثوب ليوائم ظروفها الداخلية بطريقة يتوهم الآخرون أنه ثوب واحد يمكن أن يرتديه شارون أو يرتديه الرئيس الأمريكي بوش.. لا فرق.. لا اختلاف..
3- بناء مفاهيم مشتركة في القاموس الإسرائيلي والقاموس الأمريكي.. فكل منهما دولة وقعت ضحية للإرهاب «تفجيرات نيويورك أو واشنطن أو تل أبيب أو القدس».. وكل منهما دولة تطارد منظمات إرهابية «القاعدة.. أو حماس أو الجهاد».. وكل دولة منهما تطارد سلطة شرعية إرهابية «حكومة طالبان أو السلطة الفلسطينية».. وكل منهما يسعى إلى حماية مواطنيه «أمريكيين أو إسرائيليين».. وكل منهما يقع تحت تهديد عمليات إرهابية متوقعة.. «تفجير باصات.. قطارات.. طائرات..اغتيالات..»
ما الذي استفادته الولايات المتحدة من إسرائيل؟
1- فتح ملفات الأشخاص والمنظمات المناوئة لإسرائيل.. التي شكلت قاعدة بيانات استفادت منها أجهزة المخابرات الأمريكية.. فكل أعداء إسرائيل هم أعداء لأمريكا كما أثبتته المواقف والحوادث..
2- مثلت إسرائيل نقطة داعمة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
3- شكلت القوى السياسية والاقتصادية والتشريعية المساندة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة قوى داعمة لسياسة الولايات المتحدة وحملتها ضد الإرهاب.. وقد تجلى ذلك في حالات كثيرة من تقارير وبلورة سياسات وضغوط سياسية ومساندة مادية لكل توجهات الإدارة الأمريكية داخل بلادها.
مفاهيم وأعمال مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة..
* تبنت الولايات المتحدة نفس أفكار إسرائيل فيما يتعلق بوجهات نظرها تجاه القضية الفلسطينية.. فسمت كل شيء في قاموس القضية بنفس المسميات الإسرائيلية.. فحماس أصبحت هي القاعدة، والسلطة الفلسطينية أصبحت هي طالبان، والملا عمر أصبح هو ياسر عرفات، وأسامة بن لادن أصبح هو عبدالعزيز الرنتيسي، وإسرائيل أصبحت هي أمريكا.. الخ..
* تناست كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بعض القضايا الجوهرية.. فتناست مثلا إسرائيل موضوع الاحتلال.. وتناست أمريكا بعض القضايا ذات العلاقة بالأسباب التي أدت إلى الإرهاب.. أي تناست كل من هاتين الدولتين الأسباب المؤدية إلى نشوء الإرهاب وعمليات العنف وتعاملتا مع النتائج فقط.
* اشتركت كل من إسرائيل والولايات المتحدة في بناء سجون ومعتقلات متشابهة وكلاهما سمياها معتقلات الإرهابيين.
* كلاهما برر أي عمل تقوم به أجهزتهما في الداخل والخارج على أنه ضمن جهود مكافحة الإرهاب بغض النظر عن الاتفاقات الدولية ومواثيق منظمات حقوق الإنسان.. فكل عمل استفزازي تعذيبي تعنيفي.. هو محاولة من تلك الدولة لحماية مواطنيها وأمنها واستقرارها.. حتى لو تعارض هذا الأمر مع أمن واستقرار دول أخرى في المنطقة أو في العالم.
* انتهزت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل هذه الظروف لتحاول رسم خريطة جديدة في منطقة الشرق الأوسط مبنية على أساس المصالح الأمريكية الإسرائيلية.
* ومن أهم النقاط المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة هو أنهما أجادا لعبة الإعلام وتعاملا معه بذكاء وحكمة ووظفا أجهزة الإعلام الداخلية والعالمية بطريقة تتناسب مع الأهداف السياسية لكل دولة.
* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الاتصال

أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved