Saturday 6th december,2003 11391العدد السبت 12 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الجزيرة تستطلع آراء الاقتصاديين حول الميزانية القادمة الجزيرة تستطلع آراء الاقتصاديين حول الميزانية القادمة
الجريسي: التنفيذ الفعلي لبرامج التخصيص أقل مما هو متوقع
د. فهد السلطان: لغة الأرقام تؤكد قدرة اقتصادنا على تجاوز الآثار السلبية التي شهدتها المنطقة والعالم بأسره

* كتب - محمد الخضري:
مع نهاية العام المالي وقرب صدور الميزانية العامة للدولة استطلعت «الجزيرة» آراء بعض الاقتصاديين وبعض رجال الأعمال والمهتمين بالشأن الاقتصادي حول رؤيتهم المستقبلية للاقتصاد السعودي الذي يشهد نمواً يقارب الـ5% رغم الظروف والمتغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها منطقتنا بشكل عام والمملكة على وجه الخصوص. وانطلاقا من هذا الواقع طرحت «الجزيرة» المحاور التالية:
* كيف تقرؤون واقع الاقتصاد الوطني من خلال تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي الذي صدر مؤخراً وهل استطاع الاقتصاد السعودي تجاوز الآثار السلبية للأحداث التي تشهدها المنطقة؟
* في ظل التحسن الذي طرأ على مستوى النمو العام والذي يقدره بعض الاقتصاديين في حدود 5% كيف تتصورون أداء ميزانية الدولة للعام المالي القادم، وكيف يتم تفعيل أداء الموازنة التي يستنزف الباب الأول «بند الرواتب» أكثر من 75% من اجماليها؟
* كيف نستطيع اطفاء الدين العام الذي بلغ أكثر من 600 بليون ريال، وما هي الآلية المناسبة لمعالجة هذا الدين؟
* كيف تقيمون تجربة برامج التخصيص، وكيف نتلافى مستقبلا السلبيات في ضوء تجربة عملية تخصيص قطاع الاتصالات؟
* كيف ترون الدور الذي سيقوم به سوق الأوراق المالية، وكيف ترون اسهامه في اعادة هيكلة رأس المال في السوق السعودي على أسس جديدة من شأنها تعزيز الثقة في السوق المحلي وجذب الاستثمار؟
* كيف نستطيع التغلب على الظروف الراهنة التي تشهدها المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وما هي السبل الكفيلة لاجتذاب هذه الاستثمارات؟
واستجابة لهذه التساؤلات جاءت مشاركة كل من الشيخ عبدالرحمن بن علي الجريسي رئيس مجلس ادارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، والدكتور فهد السلطان أمين عام مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية والدكتور عبدالوهاب بن سعيد أبوداهش كبير الاقتصاديين ورئيس بحوث الاستثمار - بنك الرياض.
عبدالرحمن الجريسي
لقد أكد هذا التقرير وتقارير أخرى محايدة دولية ومحلية على مدى القوة التي يتمتع بها اقتصادنا الوطني، وقدرته على امتصاص الآثار السلبية التي يتعرض لها العالم بين الحين والآخر، ودليل ذلك ان مؤشرات الأسهم وأسعار الصرف مضافا اليها القوة الشرائية جميعها لم تتأثر بتلك الأحداث، كما ان الناتج المحلي سجل خلال العام المالي 2002م معدل نمو ملحوظ بلغت نسبته بالأسعار الجارية 8 ،2% ليصل خلال العام نفسه الى 5 ،698 مليار ريال، كما سجل القطاع غير النفطي نمواً نسبته 1 ،3% ليبلغ 7 ،436 ملياراً مشكلاً نسبة 5 ،62% من اجمالي الناتج المحلي، وفي هذا دلالة جيدة أخرى على متانة هذا الاقتصاد.
تجتهد الدولة في اعادة هيكلة قواعد الاقتصاد السعودي وتسعى المؤسسات والمجالس الاقتصادية والاستثمارية الى تعزيز الموارد المالية وذلك عبر اشتراع بدائل جديدة للدخل تستطيع تقليل العبء على ميزانية الدولة، وكما تقدم فإن تطور مساهمة القطاع غير النفطي مقروءاً مع النشاط الملحوظ لقطاعات مثل السياحة الداخلية، واجتذاب رؤوس أموال أجنية مثل الاتفاقية التي وقعتها المملكة مع شركات عالمية بشأن استثمار الغاز الطبيعي كلها يمكن ان تشير الى تحسن أداء الاقتصاد العام القادم. وانطلاقا من الأداء الجيد في العام 2003م، فإن المؤشرات تقود الى توقع ظروف أداء اقتصاد قوي خلال العام 2004م، فأسعار النفط ستمضي في ثباتها أو تزيد، كما أن أداء القطاع الخاص غير النفطي مرشح للنهوض الى مستوى 4% وهذا بدوره سيعزز من حجم الفائض الكلي كما تقدره دراسة حديثة عند مستوى 7 بلايين دولار.
من المهم التأكيد هنا على الحرص الذي تبديه حكومة خادم الحرمين الشريفين حيال معالجة الأعباء المترتبة على الدين العام، وأول ذلك قد بدأ في توقف هذا الدين ولسنوات عند حد معين، وهو بالمناسبة عند حدود 630 بليون ريال كما تشير تقارير مالية، وذلك حتى نهاية العام 2003م.
ونظراً للزيادة المتوقعة في أعداد السكان والتي تقدر نسبتها بنحو 3% للسنة القادمة، فإن من المأمول ان يزيد حجم الانفاق الحكومي وبصفة خاصة في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأخرى، وليس من بديل بتقديري لمعالجة هذه التراكمات سوى الاسراع أولاً في برامج التخصيص بحيث تتحول ادارة المؤسسات الحكومية والتي كما تفضلت وأشرت الى ان رواتبها تشكل نحو 75% من اجمالي الموازنة العامة، الى القطاع الخاص وادارتها بأسلوب ربحي من دون أن تتأثر وضعية الموظفين لدى هذه المؤسسات، بل لابد من تفعيل الدور الاداري والرقابي وانشاء مقومات أداء حديث، يستطيع مواكبة التحديات الراهنة والمستقبلية، كما لابد ان تقوى اتجاهات الاستثمار الحديث ومن ذلك الاهتمام «باقتصاد الخدمات»، الذي بات يمثل صيحة العصر، وهو من أنشط الاقتصادات نمواً الآن وفي المستقبل، وأيضا لابد من منح القطاع الخاص مزيداً من جرعات الدعم.
سيبقى التخصيص بمثابة أداة الدفع المهمة لاقتصادنا الوطني، فالمكاسب العديدة التي تتحقق من وراء هذه السياسة والتي من أهمها تقليل العبء المالي والاداري على الدولة واشراك القطاع الخاص في ادارة المؤسسات المخصصة عوضا عن الاتجاه المتنامي اقليميا وعالميا القاضي بخروج الدولة من السوق وتركه الى آليات عمل أكثر كفاءة وسرعة، كل تلك من شأنها تحسين أداء اقتصادنا الوطني، وهناك تجارب ناجحة للتخصيص أكدت على ضرورة المضي في هذا السبيل.
وعلى الرغم من ادراج العديد من المؤسسات في برنامج التخصيص إلا ان التنفيذ الفعلي لهذا التحول يبدو أقل مما هو متوقع، وهذا يعطي انطباعاً سالباً خصوصاً بعد الاتجاه المتنامي للانضمام الى منظمة التجارة العالمية التي تفرض بعض الاستحقاقات والتي يعد التخصيص من أبرزها.. إذاً فلابد من الاسراع.
رغم التذبذب الذي أصاب هذا السوق مؤخراً والذي سماه بعض المراقبين «التراجع لأجل التصحيح».. إلا أن أداء سوق الأوراق المالية قد سجل تصاعداً ولثلاث أو أربع سنوات متتالية، ولعل هذا يأتي في سياق التحسن العام لاقتصادنا الوطني مدعوما بجهود الدولة نحو تعزيز آليات هذا الاقتصاد.
ولقد مثل صدور نظام الأوراق المالية درجة عالية من الانضباطية والمرونة التي ستجعل من سوق الأسهم والأوراق المالية سوقا منفتحة على المستقبل ودعامة أساسية للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال. وقد ساعد استمرار النمو في القطاع المصرفي خلال الأعوام الثلاثة الماضية وزيادة السيولة الناشئة عن العمليات المالية الكبرى التي تتم داخل هذه السوق في زيادة مساهمتها في تحريك مفاصل الاقتصاد السعودي وزيادة حيويته.
ولعل التوجه الذي اتخذته الدولة نحو السماح للأجانب بالاستثمار في سوق الأسهم المحلي من خلال صناديق الاستثمار التي تزيد على 140 صندوقا والتي تديرها المصارف التجارية قد أضفى مرونة أخرى على الاقتصاد عموما.
إن أدل ما يمكن الاشارة اليه في هذا الاتجاه وفي هذا الوقت تحديداً، هو الاتفاق الذي وقعته المملكة بالأمس القريب مع كبريات الشركات العالمية العاملة في مجال الغاز والتي تقدر جملة مبالغها بنحو 75 مليار ريال، وذلك عوضا عن توفير هذه الاتفاقية المهمة ذات الملامح العالمية وفي دفعة واحدة لنحو 35 ألف وظيفة مباشرة من أصل 150 ألف وظيفة ستنشأ عن هذا العمل الذي يتوقع له ان يشكل نقلة مهمة في مجال استقطاب رأس المال الخارجي.
إننا وبتاريخنا الطويل والمتسامح وباقتصادنا القوي والمتفتح، لن نكون أسرى لطارئ مستعجل هنا أو هناك.. إن هناك ما يزيد على 25 شركة عالمية أمريكية وبريطانية وأوروبية تتنافس الآن وبقوة على أخذ حصة لها في «كعكة» الغاز السعودي المرشح للتدفق بمليارات الأمتار المكعبة ولعقود قادمة بإذن الله.
إن الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة من جانب آخر تقوما بفعل ما هو ضروري تجاه تعزيز اقتصادنا الوطني، أولا عن طريق تحفيز أبناء الوطن الذين يملكون أموالا طائلة هنا وفي الخارج ثم العمل على اجتذاب الشركاء من الأشقاء والأصدقاء للعمل داخل المملكة، وهو عمل تجتهد مؤسسات مهمة يرأس بعضها كبار قادة هذا الوطن، في توفير أقصى معدلات الحماية له مما يجعل أصحابه يطمئنون على أعمالهم ومستقبل أموالهم ومردوداتها.
إن المناخ الاستثماري في المملكة وفي قراءة سريعة للخارطة الاستثمارية العربية يعد من الأفضل بينها وقد احتلت المملكة المرتبة الأولى عربيا على قائمة التدفقات النقدية الواردة الى الاقليم العربي.
واستناداً الى هذه الحقائق واستشرافاً للمستقبل، فإننا على مشارف تطور مستحق على صعيد العمل الاستثماري بإذن الله تعالى.
د. فهد السلطان
لغة الأرقام تؤكد ان اقتصادنا تجاوز الآثار السلبية التي شهدتها ليس المنطقة فقط وإنما العالم بأسره. هذه الأحداث ما زالت تترى ولكن بلادنا قادرة على التكيف مع كافة الظروف الاستثنائية. الأرقام تقول ان اقتصادنا حقق نمواً اسمياً نسبته 8 ،2% للناتج المحلي الاجمالي مدعوما بارتفاع نسبته 4% للنشاط المحلي وتحسن القطاع النفطي جراء استقرار أسعار البترول بالأسواق العالمية. كما شهد مستوى المعيشة رغم كل تلك الظروف السالبة تحسنا مقبولا حيث انخفض الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة خلال العام الماضي «2002م» بحوالي نصف بالمائة. كما ان فائض ميزان مدفوعاتنا ارتفع الى أكثر من 44 بليون ريال وتراجع العجز الفعلي للميزانية ليبلغ 5 ،20 مليار ريال. فعندما تتراجع معدلات التضخم وتحقق الموازنة نتائج أفضل من التوقعات وينمو الاقتصاد الوطني على عكس ما نلحظه لدى الاقتصاديات العالمية ماذا تقول؟؟.. إنه ليس مجرد تجاوز لآثار أزمة ألقت بظلالها علينا ولكنه مؤشر لقدرة اقتصادنا على مواجهة كافة الظروف ومهارة واضعي سياساتنا الاقتصادية الذين حظوا بتقدير عالمي. ومع ذلك فإننا إذا تجاوزنا أزمة أو أزمات فإن ذلك لا يعني أننا لا نواجه تحديات.
الواقع ان اقتصادنا السعودي يواجه تحديات رئيسية تتمثل في تنويع مصادر الدخل وهذه جبهة اقتصادية مفتوحة تنتظر الكثير من العطاء من كل أبناء هذه البلاد.
وأمامنا الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وما يقابلها من استحقاقات أقلها الارتقاء بجودة المنتج السعودي الى العالمية واكتساب القدرة التنافسية المطلوبة. وعلينا أيضا تسريع وتيرة اعادة الهيكلة والاصلاحات الجارية وهناك العديد من التحديات التي يجب ألا نغفل عنها وفي مقدمتها تنمية قدرات الشباب السعودي واعداده للاضطلاع بمسؤولياته خلال الفترة القادمة.
كما ذكرت في معرض اجابتي للسؤال الأول فإن اقتصادنا الوطني الذي حقق معدلات نمو عالية في أسوأ الأوقات وفي الوقت الذي تراجعت فيه الاقتصادات الأخرى الأقل تضرراً جراء الأزمة التي شهدتها المنطقة قادر على تحقيق نتائج أفضل خلال السنة المالية القادمة. وكما يقول المثل الصيني «ان ما لا يقتلك ينفعك».. لكن لابد وان نعيد النظر في أداء الآلية التنفيذية في القطاع العام. وقد ذكرت في أكثر من مناسبة ومنذ وقت طويل بأن الأجهزة التنفيذية بقطاعنا العام السعودي بحاجة الى اعادة هيكلة كاملة تبنى على قانون القيمة المضافة للعمليات الادارية وللموظفين أنفسهم. لقد انتهى الوقت الذي كنا ننظر فيه الى بعض الوظائف في القطاع العام على أنها ضمان اجتماعي. لابد من تجاوز مثل هذه النظرة غير الواقعية والعمل للحد من التضخم الوظيفي ومن البيروقراطية العامة، والابقاء فقط على القوى العاملة التي تضيف لقيمة العمل ولقيمة المنتج أو الخدمة التي تقدمها تلك الأجهزة. نعم اقتصادنا يحقق معدلات نمو جيدة ولكن لن تكتمل الصورة إلا بتحقيق التنمية الحقيقية الموازية لذلك النمو.. تنمية تتجاوز مجرد الانفاق على مشروعات الى بناء قاعدي حقيقي للاقتصاد يتمثل في نقل وتوطين التقنية وخلق القدرات الوطنية الفاعلة.
بغض النظر عن مدى دقة ما أشرتم اليه فيما يختص بالدين العام فإن هذا الدين ومن خلال ما نعرفه لا يشكل معضلة أمام اقتصاد قوي كاقتصاد المملكة خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ان الدولة لجأت اليه كبديل للاقتراض الخارجي وإذا أخذنا في الاعتبار الخيارات العديدة المتاحة للتعامل مع هذا الدين سواء اللجوء لاطفائه عن طريق آلية التخصيص وهي سياسة أكدت حكومتنا أنها جادة في تنفيذها من خلال خطة محكمة تم اقرارها مسبقاً، أو امتصاصه تدريجيا من خلال الفوائض المالية التي تحققها الموازنات المالية، وليس أدل على ذلك ما أعلن من انخفاض العجز الفعلي لموازنة العام الماضي مقارنة بما كان متوقعاً.
ومع كل تلك الخيارات التي أشرنا تظل معضلة الدين العام بالحجم المشار اليه بحاجة الى وقفة. وربما ان أهم الوسائل الناجعة في مواجهة هذه المعضلة تتمثل في اعادة النظر في المصروفات العامة وترشيدها ووضعها في اطار مهني يضمن موضوعية التخطيط وموضوعية الهدف المتمثل في خفضه الى المعدلات المعقولة. بصريح العبارة نحن بحاجة ماسة لاعادة النظر في ادارة المال العام وصولاً الى التوازن المطلوب بين مواردنا المتاحة ومصروفاتنا على مختلف القطاعات.
إن اقرار مشروع نظام السوق المالية المزمع تدشينه بحلول العام الجديد يأتي في اطار حزمة من الاصلاحات الهادفة لتعزيز قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وتهيئته لمواجهة التحديات القادمة. والمشروع يمثل تطوراً نوعياً لسوق الأسهم السعودية ويعزز التوجهات لتحسين بيئة الاستثمار في الأوراق المالية، كما أنه يشجع المستثمرين الأجانب على الدخول في السوق السعودية. ومن شأن وجود سوق مالية قوية ان يشجع على عودة وجذب الأموال المهاجرة الى البلاد ويحد من هروبها، مما سينتج عنه دعم نمو الاقتصاد الوطني. لست متأكداً من المقصود باعادة هيكلة رأس المال الوارد في سؤالك لكن هذا التوجه لانشاء سوق مالية على أسس جديدة يأتي ضمن سياسة لاعادة هيكلة شاملة للبيئة الاقتصادية ومن المؤمل أن تسهم بفعالية في جذب رؤوس الأموال المهاجرة واعادة استثمارها محلياً.
ولابد من الاشارة الى ان السوق المالية الجديدة ستدعم برامج التخصيص وتساهم على توسيع شريحة المستثمرين المحليين وذلك عبر خلق سوق أسهم وسندات شفافة وعادلة، اضافة الى خلق عشرات الفرص الوظيفية للشباب السعودي، هذا بالاضافة الى أنها ستقدم خدمة تمويل المشاريع الكبرى مثل محطات الكهرباء وتحلية المياه والسكك الحديدية، وتحد من تكاليف الدين العام وسندات التنمية الحكومية.
اعتقد ان المملكة وهي بالمناسبة أكبر اقتصاديات السوق الحرة في منطقة الشرق الأوسط «تمثل 25% من الناتج القومي الاجمالي للدول العربية»، ليست استثناء في منطقة تعاني برمتها من ظروف استثنائية. ومع ذلك رأينا من خلال أداء اقتصادنا الوطني كيف تمكنت المملكة من تجاوز الآثار السالبة للأزمة. وعليه فقد أصبح مناخنا الاستثماري أكثر جاذبية من ذي قبل بعد صدور نظام الاستثمار الأجنبي سواء للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء. وعلى سبيل المثال تشير احصائيات الهيئة العامة للاستثمار انها تمكنت منذ انشائها من منح تراخيص لأكثر من 2000 مشروع استثماري يقدر حجمه بنحو 15 بليون دولار أمريكي. هنا نحن نتحدث عما قيمته نحو 50 مليار ريال من الاستثمارات الجديدة تمكنت الهيئة من جذبها خلال الفترة القصيرة منذ انشائها. ومن المتوقع ان تتجاوز قيمة الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة خلال العشرين عاما القادمة حسب ما يقول المسؤولون تريليون دولار أمريكي تتوزع في قطاعات الكهرباء والمياه والاتصالات والبنية التحتية والبتروكيماويات والغاز والزراعة وسكك الحديد وتقنية المعلومات والسياحة والتعليم واستخراج المعادن.
ومع كل هذا فإن الأمر يتطلب اعادة هيكلة كثير من الاجراءات الادارية في الأجهزة التنفيذية العامة واعادة صياغتها بشكل ينسجم مع ظروف ومعطيات العصر الذي نعيشه، وهو أمر سوف يساعد ليس فقط على جذب الاستثمارات الأجنبية بل أيضا على حفز وتشجيع المستثمرين المحليين للاستثمار في المشاريع المتاحة في قطاعات محلية واعدة.
د. عبدالوهاب أبوداهش
يشخص التقرير حالة الاقتصاد الوطني خلال العام الماضي وينطوي على بيانات تدعم الأداء الجيد للاقتصاد الوطني خلال سنة فاتت. فقد حقق الاقتصاد الوطني نمواً حقيقياً ايجابياً لكنه ما زال ضعيفاً، إلا ان نمو القطاع الخاص الايجابي يدفعنا الى التفاؤل بقدرة القطاع الخاص على قيادة النمو متى ما اكتملت عملية الاصلاح الاقتصادي المتعددة. ومن الواضح ان الاقتصاد السعودي قد تجاوز الآثار السلبية للأحداث التي شهدتها المنطقة، وخصوصا في الربع الأول منه. فالاقتصاد الوطني أخذ في التنامي السريع بعد انخفاض مخاطر الحرب على العراق. فسوق الأسهم تجاوز مستويات تاريخية قديمة وحقق أرقاماً ومستويات هي الأعلى في تاريخه، وزاد نشاط القطاع الخاص بوتيرة متسارعة حيث اتضح ذلك على ربحية الشركات في الربعين الثاني والثالث من العام الحالي.
من المتوقع ان تحقق الموازنة العامة فائضاً خلال العام الحالي، وأن تحقق الموازنة التقديرية عجزاً في سنة 2004م حيث من المتوقع ان تتبنى الحكومة سعر نفط وانتاج منخفضين في تقديرات الموازنة لعام 2004م مع زيادة في المصروفات عن تقديرات عام 2003م، مما قد يؤدي الى عجز في الموازنة.
وفي اعتقادي ان الأنظمة الجديدة المتعلقة بتناقل المنافع بين التأمينات الاجتماعية، ومعاشات التقاعد وتسريع عملية التخصيص، وزيادة نمو القطاع الخاص، واستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية سيساهم في ايجاد فرص وظيفية جديدة ويسهل من حركة تنقلات العاملين وبالتالي يخفف الضغط على المصروفات الحكومية الجارية مثل الأجور والمكافآت.
اطفاء الدين يحتاج الى تبني استراتيجية طويلة المدى، تبدأ بخفض العجز في الموازنة العامة للدولة عن طريق تبني استراتيجية متوسطة المدى تعمل على:
1- التحكم في النفقات، بحيث لا تتجاوز النفقات الفعلية النفقات التقديرية التي تقدر في بداية كل عام بأكثر من 5%.
2- تحييد النفط وعائداته عن طريق تبني أسعار نفط وانتاج منخفضين.
3- التركيز على العائدات غير النفطية عن طريق تفعيل طرق التحصيل، واستهداف خفض العجز بين العائدات غير النفطية والنفقات كهدف رئيسي عند وضع الموازنة العامة.
4- تبني صندوق لاستقرار أسعار النفط، لتجنب التذبذب فيها وتأثيراتها السلبية على العائدات النفطية.
5- العمل على تسريع تخصيص القطاعات العشرين، من أجل الاستفادة من عائدات بيع الأصول الى القطاع الخاص بتسديد جزء من الدين العام مباشرة.
يبدو ان استراتيجية التخصيص غطت جوانب كثيرة وهامة إلا أنها أغفلت الجانب الزمني للتنفيذ، وهو ما ينقص معظم القطاعات التي تم تخصيصها حتى الآن، بما فيها الاتصالات. وتجربة تخصيص الاتصالات واجهت مشكلتين كبيرتين: الشريك الأجنبي والكم الكبير من الموظفين، وهما العاملان اللذان أديا الى اتسام تجربة تخصيص الاتصالات بالبطء والضغف في التنفيذ، وتقديم خدمات متواضعة مقابل رسوم عالية. ولا يمكن اعتبار تجربة الاتصالات مثالاً جيداً للتخصيص فهي صناعة قابلة للنجاح، وبيئة النجاح متوفرة.
إن التحديات ستكون أكثر حدة في تخصيص الكهرباء والخطوط السعودية والقطاعات الخدمية الأخرى. لذا فإن من السابق لأوانه تقديم تقييم منصف لتجربة التخصيص في المملكة فهي في البدايات.
نظام سوق الأوراق المالية يضع لبنة أخرى قوية للقطاع المالي في المملكة. وباعتقادي بأنه سيشكل قناة استثمارية وتمويلية هامة ستساهم وبشكل كبير في النمو الاقتصادي للمملكة. وسيعتمد نجاحها في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية على الاجراءات والأنظمة التي ستصدره هيئة السوق، حيث ستكون أهمية تلك الاجراءات في مدى قدرتها على جذب وتحفيز الاستثمارات المهاجرة والأجنبية، وهو الأمر الذي سيعزز الثقة في السوق المحلي.
الاستثمارات الأجنبية تبحث عن البيئة الاستثمارية المناسبة التي ترتكز على معدل العائد وعلى الأطر التنظيمية والاجرائية. وفي نفس الوقت، تستهدف القطاعات ذات الميزة النسبية. وبناء عليه، فإن الاستثمارات الأجنبية ترقب بتلهف تحسن البيئة الاستثمارية في المملكة الآخذة في التغير الى الأفضل، ولكن برتم بطيء. وأعتقد ان انحسار القلاقل في المنطقة وتوجهها نحو الاستقرار سيفيد كثيراً في عملية جذب الاستثمارات.
ويبدو أن حزمة الاصلاحات الاقتصادية والتنظيمية، بما فيها اقتراب موعد انضمام المملكة الى منظمة التجارة العالمية، ستسرع من وتيرة تنفيذ تلك الاصلاحات مما يساهم في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية والمهاجرة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved