Wednesday 10th december,2003 11395العدد الاربعاء 16 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ضحايا التجارب ضحايا التجارب
د. موسى بن عيسى العويس/ الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض

مجموعة من الفتاوى والرسائل الشرعية تلقتها النوادي والمنتديات، عدها المنظرون والمرجعيون للفكر الجهادي بعد مراجعة مع النفس ومحاسبة مع الذات تجارب حياة مروا بها وحسب، سواء صرح لهم بإجرائها أم لم يصرح، وسواء صُدروا لها أم لم يصدروا. ولا ادري وقد اختلط على الكثير الحابل بالنابل أنعد منفذيها من بني البشر هم شهداء التجارب، أم الضحايا الأبرياء الذين سقطوا في عملياتها، واكتووا بلهيب فجورهم وتفجيراتهم: إذا احتريت يوماً وفاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها لا يكفي أن نبكي ونتباكى، لنستعطف الآخرين أمام المشاهد الأليمة، والمواكب الحزينة التي مرت بنا، وتناقلتها وسائل الإعلام، والتي ربما حبكت خيوطها الأساسية وتبريراتها بنسيج عاطفي أملتها أحداث معينة، في الشيشان، وفلسطين، والعراق، وأفغانستان، وغيرها من الأقاليم المنكوبة، والعبرة إزاء الأحداث ليست بتنفيس المشاعر، وتفريغ العواطف، ولكن العبرة بالبحث عن مصالح الأمة، ودرء المفاسد عنها. بأي زمان، وفي أي مكان، وفي أي شرعة ومنهاج كان الإنسان محط تجارب، بواسطته يتبين المنظر للفكر أو المنفذ له فشل أو نجاح التجربة. وفي أي مناخ فكري نبتت هذه التجارب وأينعت وآتت أكلها، وما الظروف التي أحاطت بنشأتها وتكوينها في هذه البلاد وغيرها من البلدان الإسلامية، ومتى وجدت لها رواجاً وتطبيقا على مر العصور، وفي عهد مَن مِن الصحابة والتابعين، وعلى لسان مَن مِن العلماء والدعاة والمصلحين كُتب لها النجاح إن صح بهم عليهم الاستدلال.
تساؤلات تنتظر من يتصدى لها، ويستجلي الحقائق منها والزائف، وينزلها على واقع الأمة بدراسة علمية مقارنة وموازنة. السير الذاتية للمنظرين من هؤلاء الحركيين، ومراحل تطور فكرهم، والعلماء الأفاضل الذين تتلمذوا على أيديهم وعرفوا بالاعتدال والوسطية تنبىء عن حلقات مفقودة مدعاة للتساؤل الذي يفرضه أسباب نشوز بعض هؤلاء العلماء عن سنن سلفهم، وضعف التواصل معهم، واستيعاب ظروف عصرهم بكل أبعاده. لا ينبغي أن ننساق هروباً من المشكلة وتخلصاً من المسئولية وراء من يصمهم بأنصاف العلماء، أوعلماء غير معتبرين، أو أنهم اتخذوا من الكهوف والمغارات ملجأً وملاذاً، لتمرير أفكارهم على السذج والبسطاء من الناس، ونفرط في تصنيفهم وتوصيفهم، هل هم بغاة، أو خوارج، أو موارق، أو عصاة، ونستعرض نشوء هذه الحركات على مدار التاريخ وتطورها، والموقف الديني، الاجتماعي، والسياسي منها، وبين عشية وضحاها نناقض أنفسنا على الملأ من خلال سرد سيرهم في وسائل الاعلام المسموعة والمقروءة، العالمي منها والمحلي، ونكتشف فيما بعد انهم يعيشون بيننا، وتلقوا جزءاً من تعليمهم من بعض
أئمة بلدنا، في مساجدنا، ومعاهدنا، ومدارسنا، وجامعاتنا. نعم كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون، والرجوع إلى الحق خير من التمادي بالباطل، والعالِم كغيره من سائر البشر معرض للزلل بالقول والفعل، واجتهاده محفوف بالمخاطر، ورأيه ليس بمأمن من العثرات والكبوات، والهفوات والنبوات، لكن كما قيل: يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل، فعثرته بالرأي تذهب رأسه وعثرته بالرجل تبرأ على مهل. وقول الآخر: إذا لم يكن عوناً من الله للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده، رؤوس كثيرة سقطت، ونفوس معصومة استبيحت، وتعاليم إلهية نحيت، ومبادئ سامية شوهت، وقيم عديدة انتهكت، وكلها تدعونا للقول: إن أخطر أنواع الاجتهاد أو التجارب، كما ساغ لأحدهم التعبير بها، ما يكون مرتبطاً بمصير أمة أو مجتمع بأكمله، ولاءً أو براءً، كفراً أو إسلاما. سلماً أو حربا. وما أجمل هذا القول أمام المبهمات: علمتُ بتجريبي أموراً جهلتها وقد تجهل الأشياء قبل التجارب ومن ظنّ أمواه الخضارم عدبة قضى بخلاف الظن عند المشارب. ليس علماء الدين وحدهم معنيين بمراجعة المواقف والتصدي لها، بل السياسيون وعلماء النفس، والتاريخ، والاجتماع، والاقتصاد، وكل من أنيطت به مسؤولية الأمن بشقيه عسكرياً وفكريا. وأخطر ما يمكن أن نفعله أو نقوله تجاهل المبررات أو الأسباب التي هيأت الظهور لهذا الفكر، ومهدت له، سواء كانت شبهات أو شهوات قبل أ ن يتحول ويترجم إلى رسائل عملية، سواء من أصيب من هذه الفئات بحرمان علمي، أو اجتماعي، أو عاطفي، أو ديني، أو مادي، فهذه قضايا قابلة للطرح، والنقاش، والحوار، ولا ننتظر من العلماء الربانيين فقط معالجتها، أو نتركها لمنظمات أخرى أجنبية تدس رؤوسها فيها، وتثير فضول المجتمع وعواطفه بمناغاتها، في ظل تغييب عقل الأمة. أزمة مرّت بسلام إلى حد ما، أُحبطت بعوامل كثيرة وفندت، قبل أن تحبطها أجهزة الأمن وتحاصرها، لكن من يضمن عدم خروجها بلباس آخر، وبأسلوب مغاير، وتربة جديدة، فتطور الوسائل والأساليب والمناهج التي انتهجوها عبر عقود ماضية حرية بالتأمل. أزمة على وشك الانفراج بإذن الله، لكن علينا ألا ندفن الآلام والمآسي، والفرقة والتحزب التي أوشك الناس الوقوع فيها، فنندم ساعة لا ينفع الندم.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved