Wednesday 10th december,2003 11395العدد الاربعاء 16 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العبث بالفكر من أشد الأمور قسوة وأكثرها إيلاماً « 1-3 » العبث بالفكر من أشد الأمور قسوة وأكثرها إيلاماً « 1-3 »
حمد عبد الرحمن المانع

تزدحم الأفكار في الأذهان، ما يفضي في كثير من الأحيان إلى نشوء حالة من الاحتقان ويشوب هذا الوضع أزمة مرورية، طبعا داخل الأذهان، ولو ان هناك مروراً ينظم سير هذه الأفكار لتمت الاستعانة به حيث تجد أحيانا فكرة تسير بسرعة جنونية، وتجد فكرة اخرى تعكس السير وتجد ثالثة تقطع الإشارة، غير آبهة بما تسببه من حوادث للأفكار الأخرى، ولا تستغرب إن قلت لك بأنك أيضاً ستجد فكرة تفحط وتزعج الأذهان، أردت من هذه التوطئة أن أوضح أن التنظيم أيضاً داخل ذهن الكاتب، وأقصد بذلك أن تنظيم الأفكار لا يقل أهمية عن تنظيم المرور في مسار العربات ووضع الجزاءات والمخالفات، من هنا فإن التحكم في الأفكار وسبر أغوار سرعتها من الأهمية بمكان، إذ ينبغي في هذه الحالة توخي الحذر والدقة، وكما أنك تقود عربتك بهدوء لتصل إلى بيتك سالماً وعدم إلحاق الأذى بالآخرين، فإن الكلمة أيضاً لا تقل أهمية وخطورة من المركبة، بل العكس فقد يكون تأثير حوادث السيارات واضحاً، وقد يتم بإذن الله معالجة الإصابات، إلا أن خطر هذه الحوادث أشد وطأة لأنك ترسخ بذلك مفاهيم وفقاً لقناعتك فإن جانبت الحكمة فإنك ستظلم نفسك أولاً وستحمل وزر من تأثر بكلامك، عطفاً على قوة أسلوبك وقدرتك على التأثير والتوغل بالفكر وبالتالي جرّهم معك في أتون الشك والريبة والدوران في فلك لن يستقر إدراكك على سبر أغوار غموضه وفك رموزه، ولن يبرح أن يعود إلى حيث الواقع، فلم توقع نفسك في معضلة أنت في غنى عنها، فقليل من التدبر والتعقل كفيل بالنأي بك عن هذا المسلك، والعبث بالفكر واستمالة البعض بكلام قد يكون ظاهره الرحمة وباطنه الآثام ومعصية الرحمن، فإن هذه الفكر، لم تقطع الإشارة متجاوزة النظام فحسب، بل إنها تسير في عكس الطريق مهلكة كل من يقابلها، وإذا تزعزع الاعتقاد وشاب اليقين الدرن فإن القناعة تصبح في هذه الحالة رخوة هشَّة، تميل مع الريح وتنساق في غباء مفرط، مفضياً إلى تهالك مقيم، وفعل سقيم، والفؤاد كالوعاء، اذ قد يمتلئ إيماناً وثباتاً، وقد يمتلئ شكاً وريبة، وهنا يحدث الاهتزاز، وتحين الفرصة لقراصنة الكلمة فيملؤه رجساً في لباس الحق، هل يعلم الإنسان ماذا يكسب غداً؟ الإجابة قطعاً لا، هل يعلم بأي أرض يموت وفي أي وقت؟ الإجابة أيضاً لا، هل استطاع العلم الحديث بنظرياته وآلاته درء زلازل يشق الأرض ليبتلعهم هم وآلاتهم؟ أو حتى القطع باليقين بأن زلزالا سيحدث هنا أو هناك؟ لو كانوا يعلمون ويدركون لما ذهب الآلاف تحت الأنقاض، لا إلا إله أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وفي حالات الحزن تشتد وطأة إبليس اللعين على الإنسان، فيتحين الفرصة لجرِّه إلى الهلاك من خلال زرع اليأس والقنوط في قلبه وزحزحته عن الطريق المستقيم، وفي حالات الفرح أيضاً ينشط هذا اللعين ليسوِّغ للإنسان عمل المعاصي من خلال الإفراط، وتسهيل هذا الأمر، ولم تكن السعادة قط في امتلاك شيء زائل بقدر ما تكون في امتلاك شيء ثابت يعينك ويقف معك جنباً إلى جنب في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون.


ولست أرى السعادة جمع مالٍ
ولكن التقيَّ هو السعيد

والتقوى مخافة الله سبحانه والإعداد السليم، والتهيئة للأجوبة يوم الامتحان الأكبر، فإذا كنت تكثر الأسئلة في الدنيا لتحسن الإجابة في الآخرة فطاب مسعاك وحينئذ لن يخيِّب الله رجاءك، أما إذا كنت تكثر الأسئلة لتستعجل الأجوبة، وتلوي عنق الثابت بالتشكيك تارة واساءة الفهم تارة أخرى فإنك حينئذ ستكون صيداً ثميناً لإبليس وأعوانه وحينما تقف أمام المولى عزَّ وجلَّ فإن جعبتك ستكون فارغة من الأجوبة الصحيحة لأنك استقيت الخاطئة من الشيطان وملأ فكرك بها في الدنيا نتيجة للتسرع والرعونة حينها من أعطاك الأجوبة المضلة الخاطئة سيتبرأ منك.
(يتبع)

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved