Friday 19th december,200311404العددالجمعة 25 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دور الإعلام في تعرية وفضح الجرائم الإسرائيلية دور الإعلام في تعرية وفضح الجرائم الإسرائيلية
حسين قبلاوي

حقيقة أن الآلة الإعلامية الغربية ما تزال مسخرة لدعم المشروع الصهيوني في استهدافه الأمة العربية أرضاً ووجوداً وحضارة، لا تغيب إسهام الإعلام ولا سيما في انتفاضة الأقصى في كشف التزييف الذي كان يمارس ضد الحقيقة، وفي إزالة القناع عن الوجه الوحشي للصهيونية كحركة عنصرية تقوم على محاولة إلغاء شعب بأكمله.
تلاشت الصورة التي عملت إسرائيل على رسمها وتسويقها من خلال وسائل إعلامها لدى العالم عن ديمقراطيتها وأخلاقيات جندها الذين وصفهم ذات يوم رئيس وزرائهم ارييل شارون بأنهم أكثر الجنود أخلاقاً في العالم، وتمزقت وانحسرت تلك الصورة عن الوجه الحقيقي لتلك الدولة القائمة على القتل والتدمير والإبادة الجماعية وجرائم الحرب الموصوفة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني صباح مساء منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في (28/9/2000م) وتمكن العالم أن يرى ويسمع من خلال الكلمة والصورة الحية دون أية رتوش تجميلية، الممارسات التي يقوم بها هؤلاء الجند والأخلاق التي يتحلون بها، تلك الأخلاق التي تخولهم مواجهة النساء والأطفال المسنين بالحديد والنار دون أن ترتعش لهم يد أو يرف لهم جفن.
ونتيجة التطورات التي شهدها العالم في العقد الأخير من القرن الماضي في مجالي التكنولوجيا والمعلومات والتي تجسدت ثورة حقيقية ظهرت بشكل جلي عبر وسائل الإعلام التي حققت قفزات نوعية نحو الأمام وخصوصاً في مجال البث التلفزيوني الفضائي الذي تمكن من دخول كل منزل.
نجد ان التحصينات الشكلية التي كانت تقف أمام الإعلام أصبحت من مخلفات الماضي، حيث إن الإعلام اليوم أصبح حقائق تمشي على الأرض وتسبح في السماء ولا تغيب عنها عين أو أذن، وأصبحت الحروب والصراعات يدار قسم كبير منها عبر وسائل الإعلام، التي تجاوز دورها ووظيفتها مجرد التغطية إلى المشاركة الفعلية في الأحداث والتدخل أحياناً في مسارها إما سلباً أو إيجاباً، وبات لها دور لا يستهان به في صياغة ردود الأفعال عليها، فصورة الطفل محمد الدرة الذي تم قتله بدم بارد من قبل جنود الاحتلال الصهيوني أصابت العالم بالذهول وروعت الشعب العربي من محيطه إلى خليجه، وعملت على تحشيد الشارع العربي في مظاهرات واعتصامات ومسيرات منددة بالجرائم الإسرائيلية والصمت الذي تقابل به من قبل العالم والمنظمات الدولية التي لا تحرك ساكناً لوقف الدم الذي يسفح على أيدي القوات الصهيونية، صحيح أن الهمجية الإسرائيلية معروفة منذ زمن بعيد وليست بجديدة، إلا أن تلك الهمجية لم تظهر للعالم كما ظهرت الآن من خلال انتفاضة الاقصى حيث لم يعد بإمكان الإعلام الصهيوني والغربي الذي يؤازره من إخفاء الحقائق كما كان يتم في الماضي، وتمكنت وسائل الإعلام العربية المتواجد معظمها في قلب الحدث ومن خلال طواقمها الإعلامية العاملة هناك والتي أضحت تتمتع بدور رئيسي ومحوري من المساهمة وبقوة في تعرية إرهاب الدولة الذي تمارسه حكومة الاحتلال بجيشها وكل مؤسساتها ضد الشعب الفلسطيني. الأمر الذي دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى كيل الاتهامات بالجملة لوسائل الإعلام العربية على اعتبار انها منحازة وبعيدة كل البعد عن الموضوعية، وهذا ما حاول أن يؤكده سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة أثناء مناقشة مقترح تقدم به الأمين العام للمنظمة الدولية كوفي عنان بشأن مكافحة العنصرية في وسائل الإعلام إذ صاح حينها قائلاً: إن وسائل الإعلام العربية تتسم بالعنصرية وتشجع ثقافة العنف والحقد ضد اليهود مما يذكر بالدعاية المناهضة لليهود في عهد النازية الألمانية!! وهو اتهام لا أساس له من الصحة فلقد بات الكثيرون في العالم يعرفون أي إعلام هو المنحاز والذي يساهم في نشر ثقافة الحقد والكراهية، فالإعلام الصهيوني أُسس على الحقد والكراهية، منذ سنوات طويلة ضمن استراتيجية عدوانية عنصرية تعمل على تكوين البناء النفسي لليهود للتأكيد على رفعتهم عمن سواهم من البشر من حيث انهم شعب الله المختار كما يزعمون ويتوهمون.
ولم تقتصر الاتهامات الإسرائيلية على وسائل الإعلام العربية بل هي تتوجه باتهاماتها أحياناً كثيرة حتى إلى بعض وسائل الإعلام العالمية، لتخوض معها معركة من نوع آخر في محاولة منها للسيطرة على نوعية الأخبار والصور التي ترسل من فلسطين المحتلة إلى الخارج، حيث يرى مدير المكتب الصحفي في الحكومة الإسرائيلية ان عدداً من المراسلين الأجانب يعملون لصالح وكالات دولية مثل رويترز وسواها منحازون للعرب ويخوضون ضدنا الحرب بواسطة تقاريرهم الكاذبة والضارة.
وعلى الرغم من انحياز الكثير من وسائل الإعلام الغربية لصالح الرؤية الإسرائيلية الرسمية، إلا أن الحكومة الإسرائيلة تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا ما حاولت بعض هذه الوسائل أن تأخذ الجانب الشكلي من الموضوعية وقول نصف الحقيقة لا كلها، وهذا ما حدث ذات مرة لمدير شبكة ال C N N الفضائية ووكالة (أميركا أون لاين) عندما صرح في مقابلة صحفية قائلاً إن الفلسطينيين والإسرائيليين يمارسون الإرهاب ضد بعضهم البعض وهم متورطون فيه. وانطلقت الأصوات الصهيونية منددة مستنكرة مثل هكذا أقوال ودعت إلى مقاطعة ال C N N فيما أخذت محطات تلفزيونية إسرائيلية تعمل بنظام الاشتراك بالتهديد بإلغاء عرض أنباء المحطة المذكورة وهدد يهود آخرون وأنصار لهم في أمريكا ببيع أسهمهم في وكالة (أميركا أون لاين) وإلغاء الاشتراك بها إذا لم يتم الاعتذار فبادرت الأخيرة إلى الاعتذار معتبرة أن تصريحات المدير لا تمثل إلا شخصه، فيما قدم هو اعتذاراً علنياً جاء فيه أنه يأسف على ما تضمنه قوله من أن الأعمال التي تقوم بها إسرائيل لحماية شعبها مساوية للإرهاب، ورأيه أن هناك فرقاً أساسياً بين ما تقوم به وما يقوم به الفلسطينيون.
لقد أدركت الحكومة الإسرائيلية مقدار الضرر البالغ الذي من الممكن أن تلحقه وسائل الإعلام بصورة إسرائيل في العالم والتي بذلت الجهود طويلاً على تكريسها في ذهنية المشاهد العالمي الخاضع لما يراه ويسمعه ويقرأه، فرصدت مبلغ (250) مليون دولار على شؤون الدعاية الهادفة إلى تحسين تلك الصورة وترميمها في عيون العالم الذي شاهد الطائرات الحربية وهي تقصف المناطق السكنية وتقتل وتدمر البيوت فوق رؤوس قاطنيها من النساء والأطفال تحت حجة وجود مطلوبين مختبئين فيها، وتحولت السفارات الإسرائيلية ومكاتب تمثيلها في الخارج إلى ورش عمل تسعى إلى مخاطبة الرأي العام ومخاطبة القطاعات المهمة والمؤثرة في البلدان التي يتواجدون فيها بعد النجاح الذي حققته وسائل الإعلام خصوصاً في الأشهر الأولى من الانتفاضة، عندما نجحت في مواكبة الحدث ونسجت علاقة متبادلة بين مجموعة المشاهد البصرية التي تنقلها من فلسطين المحتلة إلى الجمهور المتلقي أينما كان هذا الجمهور، وبين الحدث حيث كانت الصورة في حد ذاتها تمثل خطاباً مستقلاً قابلاً أن يتلقاه المشاهد حتى دون مواكبة صوتية مما خلق حالة من التعاطف والمؤازرة من قبل الرأي العام الحر غير المقيد بالانحياز إلى الرواية الإسرائيلية، لتشهد إسرائيل لأول مرة ربما في تاريخها ومنذ إنشائها تلك المظاهرات ضدها في غير مكان من العالم، ولتفاجأ كذلك بنتيجة الاستطلاع الأوروبي الذي أكدت نتائجه أن 59% ممن شاركوا فيه يعتبرون أن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى في تهديد الأمن والسلم العالميين.
ولمعرفة إسرائيل أن هناك في العالم أناساً قادرين على الرؤية والتحليل بشكل سليم وصحيح وتسمية الاشياء بأسمائها الحقيقية ويميزون بين الارهاب والمقاومة المشروعة بين محتل غاصب ومجرم، وبين شعب يناضل ولا يستسلم بات من الضروري كما يرى الإعلامي الصهيوني ديفيد مردخاي (بأنه يجب أن تكون هناك توجهات واضحة ودؤوبة في السياسة الإسرائيلية من أجل كسب الأصدقاء في العالم ومد الجسور مع من فقدتهم بسبب ما يجري من أحداث عنف في الضفة الغربية والقطاع والدور الذي يقوم به جيش الدفاع في التصدي لها والحيلولة دونها، وهنا يجب أن يلعب الإعلام ووسائط الاتصال الدور الأكبر في هذه المهمة، من حيث انه أداة أساسية لاستقطاب الرأي العام العالمي الذي بدأنا نلحظ تراجعاً في تأييده لنا نتيجة الدعاية التي يقوم بها أعداؤنا ضدنا).
إلا أن الحقيقة الحية التي تصرخ يومياً في فلسطين وتطالع العالم بحقيقة إسرائيل باتت عصية على التزييف مهما بذلت الحكومة الإسرائيلية ومن يساندها في العالم ويشاطرها توجهاتها ورؤاها من جهود حثيثة في سبيل ذلك، فالزمن لم يعد كما كان سابقاً، فوسائل الإعلام باتت تلعب دوراً كبير في فضح الممارسات الهمجية للقوات الإسرائيلية ونقل الحدث في حينه حتى قبل أن يجف الدم الفلسطيني المسفوح، حيث باستطاعة الناس رؤيته وهم يعلمون يقينا أنه دم بشري حقيقي، لا مشهداً تمثيلياً في أحد الأفلام التي تتحفهم بها استوديوهات هوليود كل حين وحين.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved