Saturday 27th december,200311412العددالسبت 4 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

محورية الإعلام في السياسات الإسرائيلية محورية الإعلام في السياسات الإسرائيلية
حسين قبلاوي

تحشيد الرأي العام في الغرب وزرع القناعة في الوعي الغربي بأهمية وجود اسرائيل للدفاع عن الحضارة والمصالح الغربية، وتشويه صورة العرب وقلب الحقائق وتزييفها.. عناوين رئيسية للفعل الإعلامي الخاضع للسيطرة الصهيونية والذي يجمّل صورة قاتل مجرم مثل شارون ليسوّق على أنه رجل سلام!!!
شهدت مدينة بال في سويسرا عام (1897) انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول والذي ترأسه مؤسس الصهيونية السياسية ثيدور هرتزل، وجاء في البند الثالث من مقررات ذلك المؤتمر (ضرورة العمل على نشر الروح القومية والوعي القومي بين يهود العالم وتعزيزها لديهم من أجل دفعهم للهجرة إلى فلسطين) وكانت المسؤولية الأولى لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي تقع على عاتق الإعلام الذي بإمكانه ان يقدم خدمات كبيرة للغاية على طريق تحقيق الحلم الصهيوني المنشود في إقامة دولة تجمع يهود العالم من الشتات ليتم توطينهم في أرض الميعاد التي وعدهم الرب بها كما تقول توراتهم المزيفة. ومن ذلك الوقت والإعلام الصهيوني يشكِّل حجر الزاوية ويلعب دوراً محورياً في السياسات الصهيونية، التي أخذت بُعداً آخر بعد قيام اسرائيل عام 1948 حينما اندمج الإعلام بشكل كامل ومطلق بالسياسة الخارجية الاسرائيلية التي كان هدفها الرئيسي هو الحفاظ على وجود الدولة الاسرائيلية وضمان أمنها، وتكريسها حقيقة واقعة في ظل الإمكانات الضخمة لرعايتها من قبل الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
وتدرك اسرائيل أن مصيرها يتوقف بدرجة كبيرة على قبول العالم الخارجي لها، ولما كان الاعتراف الدولي وحده لايضمن وجودها، فإنها أخذت تبحث عن ضمان آخر وانتهى بها البحث إلى ضرورة خلق إحساس لدى الرأي العام العالمي بأن سلام العالم وأمنه وتقدمه يرتبط بحد كبير ببقائها والمحافظة عليها، ولقد نجحت اسرائيل في مسعاها ذاك كثيراً عندما تمكنت من خلق هذا الانطباع لدى الغرب مستغلة الامكانيات الهائلة التي بين يديها متمكنة من خلالها من تحقيق أهداف السيطرة والهيمنة وفرضها على العقل الأوروبي، ويأتي في مقدمة تلك الإمكانيات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الممتلكة من قبل امبراطوريات إعلامية مترامية الأطراف وذات الانتشار الواسع والتي لها نفوذ كبير عليها، تمكنت من استغلاله خير استغلال لكي تقوم بتقديم الصورة المطلوبة عنها لتقلب بذلك الحقائق بما يتساوق مع توجهاتها وأهدافها حيث يتم تصوير ممارسات القوات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل إلا من إرادة المقاومة على أنها تندرج تحت إطار الدفاع عن النفس لا تحت إطار العدوان. لقد تمكن الإعلام الصهيوني ولفترة طويلة من الزمن من لعب دور أساسي في عملية تحشيد الرأي العام وخصوصاً في الغرب خلف المخططات الاسرائيلية عن طريق تزييف الحقائق بالادعاء ان اسرائيل تشكل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط ولذلك فإن ضمان بقائها مسؤولية غربية لأنها هي القادرة على الدفاع عن المصالح الغربية في وجه أية أخطار من الممكن ان تتهددها، وهذا ما أكده هرتزل عندما قال: إن الدولة اليهودية ستكون حائطاً يحمي أوروبا في آسيا وسوف يكون حصناً منيعاً للحضارة في وجه الهمجية، بينما يقوم حاييم وايزمان بتمثل القيم الحضارية لأوروبا التي تريد جلب الحضارة للشعوب المتخلفة ويسقطها على الحركة الصهيونية فيقول: إن القضية الصهيونية هي قتال الحضارة ضد الصحراء وكفاح التقدم والفاعلية والصحة والتعليم ضد الجمود الفكري.
لقد عمل الإعلام الصهيوني على ترسيخ مقولة رئيسية أنه ليس للغرب في الشرق الأوسط أفضل من الغرب نفسه كما يتمثل ذلك في اسرائيل التي اعتمدت منذ البداية على الدول الغربية والدفاع عن مصالحها، وهذا ما يؤكده الأكاديمي جورج رودر حين يقول: (إن بقاء اسرائيل كقوة غربية رادعة تعتبر مسألة بالغة الأهمية للدفاع عن أوروبا وعلى المدى الطويل عن أمن الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن اسرائيل مستعدة وراغبة في مشاركتنا أهدافنا الدفاعية، والغرب مطالب بالدفاع عنها في وجه التهديدات التي تأتيها من الدول العربية التي تستهدفها وتحاول القضاء عليها إذا ما سنحت لها الفرصة للقيام بذلك) وعملية تأليب الرأي العام العالمي ضد الدول العربية لتأكيد نظرية استعداء هذه الدول لاسرائيل هي سياسة يتم صياغتها بعناية فائقة من قبل المسؤولين الاسرائيليين ساسة وأكاديميين إذ نجد البروفيسور بنيامين عزار يقول: (إن الايحاء للعالم باستمرار العداء من قبل العرب لاسرائيل يخدم جملة من التصورات والمفاهيم التي تقوم على أن الدول العربية تريد إبادة اسرائيل وازالتها من الوجود، وهو شيء علينا ان نعمل على إقناع شعبنا والرأي العام به بكل الوسائل التي بين أيدينا، لأن ذلك يعد من مصالح دولتنا العليا).
إن القول السابق يهدف إلى إضفاء الشرعية على وجوب أن تعمد اسرائيل على توفير كل أسباب القوة وحيازة مختلف أنواع الأسلحة لكي تتمكن من الدفاع عن وجودها ضد الأخطار التي تتهددها كما تدّعي، حتى وصل بها الأمر إلى عسكرة وتجييش الداخل الاسرائيلي بالكامل، ونجد ان الإعلام الصهيوني كان ولايزال يتخذ من تلقين الذهن اليهودي بعقدتي الخوف من العرب وادعاء التفوق التكنولوجي والقيمي عليهم وسيلة لتحقيق أهدافه، ويعمد إلى تحويل عقدة الخوف من العرب إلى اسطورة عملت وسائط الإعلام على غرسها في ذهن كل يهودي أينما كان من أجل تنمية الشعور بالحقد والكراهية ضد كل ماهو عربي حيث يتم الترويج لمقولة التفوق القيمي والتكنولوجي على العرب من خلال التركيز على إظهار العرب همجاً متعطشين للدماء لايفهمون إلا لغة القوة ومع ذلك تتمكن اسرائيل الدولة الصغيرة من هزيمتهم في كل حرب يبدؤونها أو تضطر هي إليها للدفاع عن أمنها بفضل تميزها وتفوق جنودها، حيث سادت لفترة طويلة مقولة الجيش الذي لايقهر، إلا أن صور التضحية والفداء التي يسطرها أبطال انتفاضة الأقصى في مواجهاتهم اليومية ضد ذلك الجيش المدجج بالسلاح حتى الأسنان، أسقطت تلك المقولة وأثبتت عدم صحتها.
والمتابع للإعلام الاسرائيلي لابد ان يلاحظ المساحة الواسعة المتاحة أمام الكتّاب والصحفيين والعاملين في المحطات الإذاعية والتلفزيونية وتنوع آرائهم وتحليلاتهم إلا ان جميعها تجري تحت إطار عام سبق ان حدده المؤتمر الصهيوني الأول عندما اختار الإعلام كواحد من أهم أساليب تحقيق الحلم الصهيوني من العدم تقريباً وحدد لمرحلته الأولى مهمة نشر الروح القومية والوعي القومي بين اليهود في كافة أرجاء العالم. إن الإعلام الصهيوني الموجه للعرب يحاول ان يصل بهم إلى الاقتناع بعدم جدوى الخيار العسكري مع اسرائيل لتحقيق هدف نهائي يتمثل بالمضي بهم إلى قمة اليأس من إمكانية التخلص من الأوضاع التي يفرضها عليهم التفوق الاسرائيلي التقني والعسكري ومن ثم تحطيم أي أمل في نفوسهم بإمكانية تغيير الواقع أو حتى التفكير في تحسين الظروف الذاتية والموضوعية التي من الممكن ان تحقق لهم استعادة حقوقهم كاملة.
وكان اسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق يرى: أن السياسة الإعلامية والدبلوماسية الاسرائيلية يجب ان تنطلق من ان اسرائيل قد أصبحت حقيقة ثابتة في المنطقة العربية، وان مهمتها تتجسد في مواجهة العرب بتلك الحقيقة على الصعيد العالمي، وتوضيح مقدار عجز العرب في تغيير هذه الحقيقة المؤكدة التي يجب ان يقروا بها ويتصرفوا على ضوئها. وفي ظل الأوضاع السائدة اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومع استمرار انتفاضة الأقصى، ونتيجة لاهتزاز صورة اسرائيل في غير مكان من العالم الذي يشاهد المجازر الوحشية التي ترتكبها القوات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، رأت الحكومة الاسرائيلية ضرورة إعادة ترميم تلك الصورة وأوعزت لوسائل الإعلام الغربية التي تأتمر لإمرتها بالعمل على تقديم المسوغات اللازمة لتبرير ما تقوم به من ممارسات لمواجهة العنف الفلسطيني كما تسميه، وقامت كذلك الحكومة الاسرائيلية بتوجيه دعوات لكبار الصحفيين الذين لهم حضور قوي في بلدانهم واستضافتهم على نفقتها ضمن برنامج تم اعداده مسبقاً لتعمل على إعادة صياغة نظرتهم للأمور وفقاً لمنظارها ورتبت لهم لقاءات مع عائلات القتلى الاسرائيليين الذين سقطوا في العمليات الاستشهادية، لممارسة نوع من الضغط والتأثير المعنوي عليهم ومن ثم عكسه من خلالهم على الجمهور في بلدانهم. إنه هدف آلة إعلامية هائلة تريد قلب الحقائق وصياغتها من جديد لتقدم القاتل بصورة الضحية وتحول الفعل الوحشي إلى فعل مبرر لدى الرأي العام الذي يتم إعادة تشكيله من جديد بهدف إحداث التأثير المقصود، ومستخدمة تقنيات دعائية متطورة تلقى الدعم والتأييد من الغرب الرسمي.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved