Saturday 27th december,200311412العددالسبت 4 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

16/3/1391هـ الموافق 11/5/1971م العدد 342 16/3/1391هـ الموافق 11/5/1971م العدد 342
غزو الكواكب
معلَّقة إنسانية جديدة لشاعر سوريا الكبير الأستاذ شفيق جبرى
بقلم/ محمد علي الطاهر/بيروت

شفيق جبرى أديب العرب الخالد وشاعرهم الكبير وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق، وعميد كلية الآداب الأسبق في جامعة سوريا، الذي حجب شعره ونثره، أو حجبتهما الظروف، في السنوات الأخيرة عن مسرح الشعر والأدب، ولعل الأوساط العربية في عالمنا العربي المعاصر قد عطشت لجدول من شعره الإنساني الحكيم الذي ينساب من منهله العذب يروي ظمأها ويترجم الأحاسيس من أمانيها.. هذا وانه ليسرني ويسعدني ان أقول: اني سمعت أخيراً القصيدة الجديدة التالية من شعر الأستاذ جبري فالتقطتها من أفواه بعض الزوار السوريين الذين أصبحوا بفضل العهد الجديد يزوروننا، فدونتها بعد ان استظهرتها حفظا لها، ككنز من أثمن الأعلاق الثمينة من شعرنا العربي الرفيع، الذي جفت مواسمه، بعد عزله أستاذنا شفيق جبرى، إلى ان أوحت قريحته بهذه الاغرودة العصماء التي طاول بها شعرنا الإنساني كواكب العالم العلوي معنى ونظما وبيانا وسحراً:


ما للغزاة على الأفلاك تزدحم
أجرهم أمل أم غرهم حلم
أضاقت الأرض من آثام آثمهم
ألم يروا كم جنوا فيها وكم أثموا

* * *


يا راكب الريح تطويه وتنشره
كأنه كرة تلهو بها قدم
ما أنت والقبة الزرقاء تقحمها
أما على جنبات الأرض مقتحم
أتعبت فكرك ما في جوها نسم
تعدو عليهم إذا طابت لك النسم
لا العشب ينضر في آفاق تربتها
ولا البحار عليها الموج يلتطم
ما تسمع الأذن حسا في مسارحها
ولا ترى العين ما يجري به القلم
لا الجن في جوفها يعلو عزيفهم
إذا سجا الليل أو ماجت به الظلم
ولا على الانس خوف من مصارعهم
إذا تلهبت الهيجاء واصطدموا
فما يجول بها وحش يروعها
ولا يعيش بها ذئب ولا غنم
فلا الأسود تدوي في مفاوزها
ولا العنادل يبدي شجوها النغم

* * *


كنا نعيش على وهم يخامرنا
والناس في غبطة ما وهموا
لو قلت للقبح أنت الحسن أجمعه
لراح من قولك الخلاب يبتسم
دنيا الحقائق ما تنفك مؤلمة
فكم تمادى على أفيائها الألم
لا تحسبن كمال الحسن في قمر
غنى به الشعر وازدانت به الكلم
فما على وهده غير التراب ولا
على الاهاضيب غير الصخر ينحطم
خابت ظنونك أين الحسن تطلبه
فليس يصفح عن بدر التمام فم

* * *


ما أعظم الكون، من يدري مجاهله
ضاعت على وجهه الأحقاب والأمم
هب ادركت همة من سره طرفا
أليس تغنى على أطرافه الهمم
أمنتهى الكون شمس نستضيء بها
أما شموس وراء الشمس تضطرم
فهل لعالمنا حد نحيط به
أما ترامت به الأحداث والقدم
غصن الشباب فلم تذبل نضارته
ولا ألم به شيب ولا هرم
غابت عن العين أفلاك مبعثرة
تظنها العين فوضى ليس تنتظم
لكنها ان نأت عنا وان شمخت
فما تضل على أجوازها النجم

* * *


بئس العلوم إذا الاهلاك مطمحها
فليت من علموا في الخلق ما علموا
متى نرى الخلق في سلطان دولتها
تمضي الليالي وقد لذوا وقد نعموا
أغاية العلم ان نفنى بمخترع
من الصواريخ في نيرانها العدم
فكم أزاحوا رجالاً عن ديارهم
فهل حوتهم على جنح الدجى الخيم
وكم أبادوا شعوباً في مرابعهم
فسل جهنم هم في العلم هل رحموا
برد وجوع فكل العمر في سقم
فما الحياة إذا أودى بها السقم

* * *


أينفق المال في الافلاك عن سعة
والناس في البؤس لا نعمى ولا نعم
ضاقت قلاعهم في الأرض فالتمسوا
لهم قلاعا عن الأنظار تنكتم
كي يصبحوا بأمان في فضائهم
فلا يبالون ما هدوا وما هدموا
أيزعمون سبيل العلم وجهتهم
أما لهم وجهة غير التي زعموا
غزو الكواكب كشف العلم ظاهره
والله يعلم ما أخفوا وما كتموا!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved