Wednesday 31th december,2003 11416العدد الاربعاء 8 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مع الشاعر العسعوس في ديوانه «وطن من ذهب» مع الشاعر العسعوس في ديوانه «وطن من ذهب»

«وطن من ذهب» عنوان الديوان السادس للشاعر السعودي حمد العسعوس. والمتابع لشعر الشاعر سواءً في ديوانه الأخير هذا أو في دواوينه السابقة.. وما ينشره في الصحف منذ ما يقرب من العشرين عاماً.. لابد من أن يدِّون ملاحظتين جديرتين بالتدوين..أولاهما: محافظة الشاعر على تقاليد القصيدة العربية في نظامها الوزني ولغتها الجزلة ذات الألفاظ القوية والتعابير المشرقة الواضحة.. فهو لا يشذّ عن هذا المنهج منذ أن أصدر أول دواوينه الشعرية عام 1407ه.وربما له محاولات تخرج عن هذا الإطار.. بل له محاولات شعرية أخرى.. لكن جاء مستواها العام أقل.. مما كان متوقعاً من شاعر عربي متمكن وجادّ «كحمد العسوس»..
الملاحظة الثانية: مسارعة الشاعر في الفترة الأخيرة إلى جمع اشعاره وطبعها في كتاب.. ففي السنتين فقط عام 1418هـ و1424هـ طبع ثلاثة دواوين شعرية.. هذه المسارعة جعلت الشاعر يكرر بعض القصائد في أكثر من ديوان ربما لملء الفراغ وزيادة الصفحات وسوف نشير إلى مثل هذا التكرار لاحقاً..أما ديوان «وطن من ذهب» لشاعرنا الأخ حمد العسعوس فقد ضم إحدى وعشرين قصيدة.. وجاء الإهداء في الصفحة السابعة على الشكل التالي:«إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض وإلى كل متلقٍ وعاشق للوطن أهدي هذه المشاعر والقصائد الوطنية»..وأسلوب الإهداء وعنوان الديوان يؤكدان تأكيداً قاطعاً وطنية الشاعر ومدى حبه العميق لتراب وطنه الذي نشأ فيه وعليه درج لكن هناك ثلاث قصائد حشرها الشاعر حشراً لا تمت إلى بقية قصائد الديوان بأي صلة وهي علي التوالي:«قصة حب» ص 64 و«الشميم ص66» و«رشا» ص70 مع التنويه بأن القصيدتين الأخيرتين تكرر نشرهما في ديوانه السابق «ثلاث غيمات» عام 1424هـ.والحديث عن التكرار - أي تكرار نشر القصيدة في أكثر من ديوان - يدعونا إلى القول بأنه «حشو» لا مبرر له.. فالشاعر في غنى عن هذا التكرار.. فالمهم ليس إصدار ديوان شعر بل الأهم من ذلك أن يتحف مريديه ومحبي الشعر بالجديد من القصائد حتى وإن قلَّتْ.. فقصيدة «حائل والمليحة» أعيد نشرها في «وطن من ذهب» رغم أنها منشورة عام 1418هـ في ديوان «بعض الفصول».وكذلك قصيدة «المهرة النافرة» تكرر نشرها مرتين في الديوانين الأخيرين.. نعود إلى ديوان العسعوس المطبوع في مطابع الإيناس بالرياض عام 1424هـ ونحن بصدد قراءته تطالعنا قصيدة «قصة الأمجاد» كفاتحة أولى يفتتح بها الشاعر ديوانه «وطن من ذهب».. وقد جاءت في «41» بيتاً عمودياً من البحر البسيط وهي نواة ملحمة كبرى حاول خلالها الشاعر أن يسطِّر أمجاد هذا الوطن مشيراً في البداية إلى الجهل والفقر والمرض والتشرد التي عايشها ابن الجزيرة قبل أن يأتي عبدالعزيز - بفضل الله - كالصقر فدانت لحكمته أرجاء البلاد ثم جاء أبناؤه من بعده فبنوا حضارة تخلب العقول والعيون معاً.


عبدالعزيز الذي دانت لحكمته
أرجاؤها وأطاعت حينما أمرا
عبدالعزيز الذي صاغ الحكاية في
صحراء نجدٍ.. وفيها عزُّه ظهرا
فشاد بالنية البيضاء مملكةً
وشاد بالوثبة الملكَ الذي اندثرا
وجاء من بعده أبناؤه فبنوا
حضارة تخلب الألباب والبصرا

وفي قصيدة أخرى موجهة إلى خادم الحرمين الشريفين لمواقفه البطولية عنوانها «البشارة».. يقول العسعوس:


يا فهد كل القوافي حولك احتفلت
وما أجلّ القوافي حين تحتفلُ
يا فهد تهفو لك الأرواح ظامئةً
شرَّفت أمتنا يا أيها البطلُ

والملاحظ على هذه القصيدة «اللامية» اشارة الشاعر إلى فاجعةٍ حلّتْ بالأمة عام «90» ميلادي.. ألا وهي فاجعة غزو الكويت من جارةٍ عربية شقيقة:


حرب الخليج سداها طرد مغتصبٍ
والعدل لحمتها لما انبرى الخطلُ
يا سلّم الله يمناك التي ضربتْ
لم يثن قوتها خوفٌ ولا وجلُ
كأن مرارة غزو الخائن انفجرت
في داخلي وشفاها منكم العسلُ
لولا إباؤك يا فهدٌ لما وقفت
جحافل الغدر.. إن الغدر ينتقلُ

وفي نهاية القصيدة يؤكد الشاعر مبدأ العدل.. وأنه سلاح يقوِّم كل ظالم.. ويدحر كل ظلم واعتداء.


إن جار قوم على قومٍ وفي يدنا
سلاح عدلٍ.. فإن الظلم ينخذلُ

وفي «وطن من ذهب» مرثية أو بكائية على رحيل أمير الشباب فيصل بن فهد «رحمه الله».. وقصيدة بعنوان «عشرون» بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز مقاليد الحكم.. وهي قصيدة عينية مميزة تليق بمن وجهت إليه.. ويحق للشاعر بعدُ أن يزهو بها ويفخر..ويتضح مفهوم الشاعر للوطن ومعناه الذي يتجاوز أرضه وبلاده التي ولد فيها وعاش إلى الوطن العربي الكبير إذا تمعنّا جيداً بالديوان وما ضمّنته قصائده من أسماء لعواصم وبلدان عربية شهيرة مثل:
دمشق.. اللاذقية.. لبنان.. فلسطين.. بغداد.. طرابلس.. كما أن وجود أعلام بارزة في بعض القصائد كعمر المختار وطارق بن زياد.. وديك الجن وغازي القصيبي وأبي العلاء المعري وعبدالله بن ادريس وغيرهم - أقول: وجود مثل هذه الأسماء يدل على مدى تواصل الشاعر واتصاله المستمر بالحاضر والقديم في هويةٍ يمكن وصفها بالهوية العربية المسلمة.
أما «رشا» فهي عنوان قصيدة قصيرة لكنها جميلة بدت على إحدى صفحات الديوان كأنها جوهرة تتلألأ على صدر حسناء طاهرة عفيفة:


القلب داهمه الإلهام فانتعشا
والسرّ ما عاد سراً أعلنته «رشا»
رفّ الفؤاد وقد لاح الجمال له
واختلّ في نبضه وانشلّ وانكمشا
الليل ما عاد ليلٌ شق ظلمته
بدر قد اكتملت أوصافه ومشى
إن المحبين لا يحدو قوافلهم
إلا الجمال إذا أعطى لهم وغشى

ويصرّ الشاعر في قصيدته هذه على إقحام «الشام» في ثنايا أبياتها دليلاً على تغلغل حب الأوطان العربية المسلمة في أعماقه وهو حب دائم وهاجس قد يؤرق الشاعر لكنه بالتأكيد أرق لذيذ يوقظ مارد الإلهام ويستنهض الإبداع.


جئنا إلى «الشام» تغرينا كواكبه
وأنتِ كوكب صب قلبه ارتعشا
هذا الجمال تناجيني بلا بله
فأنحني.. إن صفا للروح وافترشا
رشّي علينا من الأطياب يا رشأً
وأمطرينا فإنا نشتكي العطشا

لكن العطش هنا غير العطش المعروف.. إنه أسمى من الماء الذي يحتاجه الجسد.. إنه عطش الروح إلى ينبوع الجمال المطلق حيث الحب والحرية والفن البديع..
بدر عمر المطيري
أديب سعودي البدائع

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved