Wednesday 31th december,2003 11416العدد الاربعاء 8 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أنت أنت
مجالات التغيير: تصريح المسؤول.. توطين الوظائف نموذجاً
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

قرأت لمفكر العرب الكبير عباس محمود العقاد «إن الأذن العالية تسمع ولا تتمعن».. وهو بذلك يقصد أن المسؤول الكبير بما له وما عليه من مسؤوليات ومهام لا يتبقى لديه للتمعن فيما يسمع إلا مساحة قليلة.. ولذلك كان الدعاء الدائم لولي الأمر أن يحاط بالبطانة الصالحة التي تملك العقل للتفكير وتملك سعة الوقت للتمعن وتملك الأخلاق والحس الإنساني للنصح.. وتملك الولاء والإخلاص وصدق النية التي تجعل ولي الأمر مرتاحاً واثقاً بالنصح والمشورة.
أخذت التصاريح الصحفية المرتبطة بتوطين الوظائف نموذجاً لموضوع المقالة لأسباب أهمها: إن توطين الوظائف هي أهم قضية وطنية قائمة.. بعد الإرهاب.
* نشرت الصحف مؤخراً دعوة لرجال الأعمال وأصحاب المنشآت الخاصة إلي توظيف السعوديين... وفي نفس الخبر ذكر أنه سيتم الاهتمام بأي شكوى من فصل تعسفي.. أين الخطأ؟.
الخطأ هو دعوة وحث رجال الأعمال لتوظيف السعوديين وفي نفس الدعوة تهديدهم أنه سوف يتم الاهتمام بأي شكوى من فصل تعسفي.. أي أن هذا الموظف السعودي قد يتحول إلى مشكلة و (ورطة) في حالة عدم رغبة صاحب المنشأة به.. ومن سوف يستجيب لدعوة.. إذا كانت محملة بتهديد محتمل؟.
ثم إن من المفهوم أن يكون هناك شكوى من فصل تعسفي في إطار العمل الحكومي.. فالمدير والموظف أفراد يعملون لدى الدولة..وقد يكون للعلاقة الشخصية دور في أي فصل تعسفي..لكن في حالة رجال الأعمال.. فصاحب العمل يبحث عن مصلحة عمله أولاً.. ولن يفصل أحداً من موظفيه لمزاج شخصي.. وان كان هذا من حقه.. وحيث ان رجل الأعمال الناجح تفكيره عملي لا مزاجي.. فهذا التهديد المبطن قد يدفعه إلى أن يبتعد عن (الداب وشجرته) كما يقولون.
* تصريح آخر يدعو رجال الأعمال إلى توظيف السعوديين حتى لو كان ذلك على حساب ربحيتهم.. وهذا التصريح يمكن أن يحمل إيحاءات سلبية.. أحدها موجه إلى رجال الأعمال وهو أن السعودي عالة.. وأن الدعوة إلى تشغيله هي نوع من الرعاية الاجتماعية والصدقة.. ولا أظن أن المسؤول الكبير يرى ذلك.. فالسعوديون المدربون المؤهلون ناجحون جداً ويتسابق عليهم الجميع.. وذلك واضح للعيان في البنوك والشركات المساهمة.
الإيحاء الثاني موجه للشباب طالبي الأعمال.. وهو أن المشكلة ليست فيهم وقلة تدريبهم وضعف انضباطهم.. إنما المشكلة في رجال الأعمال الذين تنقصهم الوطنية.. وان من واجب الحكومة حمايتهم من هؤلاء.. ويظهر ذلك جلياً في ثلاثة تحقيقات صحفية نشرت قبل عام.. في صحف عيد الأضحى الماضي.. لم أملك من شدة انحراف الرؤية فيها إلا أن أسجلها في دفتر مذكراتي.. كمثال قاطع جامع مانع على كيف يعيش بعض أفراد المجتمع في ظروف ويرون أنفسهم في ظروف أخرى غير حقيقية ولا صحيحة للأسف.
وكان أولها تحقيق عن بائعي «حطب السمر» والفحم وأنهم غير سعوديين.. مع نشرآراء وطلبات بعض الشباب السعودي.. تهيب بالحكومة منع هؤلاء أي بائعي الحطب والفحم الموسميين من البيع.. وقصرها على السعوديين.
أما التقرير الصحفي الثاني فكان عن السباكين والكهربائيين الذين امتهنوا مهنة موسمية في العيد حيث تحولوا إلى جزارين خلال ثلاثة أيام العيد.. ورافق التحقيق صف آخر من الشباب السعودي الذي يطالب الحكومة بالتدخل ومنع غير السعوديين من مزاولة هذه المهنة أيام عيد الأضحى.
وأخيراً التقرير الثالث كان تحقيقاً فيه صور عن حلاقة بعض الحجاج لبعضهم.. وطالب صف الشباب المشارك الحكومة بالتدخل!؟ ومنع الحجاج من حلاقة بعضهم بعضاً!.
وإني أتطلع لصحف عيد هذا العام وهل ستستجد التقارير الصحفية بفهم خاطئ آخر.. أم أننا اقتربنا إلى تشخيص الحالة الحقيقية المسببة للبطالة في بلد هو قبلة الوافدين.
من تلك التحقيقات يتضح أن رسالة توطين الوظائف لم تصل إلى الشاب المواطن.. بمفهومها الصحيح.. وفهمها على نحو خاطئ.. والأدهى من ذلك أن الصحافة والصحافيين وكثيراً من الكتَّاب أيضاً فهموا موضوع توطين الوظائف فهماً قاصراً إن لم يكن خاطئاً.
ولأن الرسائل كلها موجهه للقطاع الخاص فقط.. زرع ذلك في ذهن الشاب طالب الوظيفة مفاهيم خاطئة.. أحدها أنه غير مطالب بتنمية نفسه وتطوير قدراته.. وأسوأها غرس مفهوم «إن أمنه الوظيفي هو العمل في الحكومة».. وفاته أن الأمن الوظيفي الحقيقي هو في ذاته.. وفي ما يكتنزه من علم وتجربة ومهارات وسلوكيات مهنية.
الإيحاء الثالث موجه للمجتمع.. وأنهم غير مطالبين أو ملامين بما آلت إليه حالة أبنائهم من قلة التدريب وضعف الالتزام والجهل بأخلاق وسلوكيات العمل.
حينما تكون الرسالة الموجهة من الحكومة للقطاع الخاص.. قائمة على التحفيز والحث بأسلوب النخوة والفزعة والمواطنة وانتماءاتها.. وليس للمصلحة التي سيجنيها القطاع الخاص.. وحينما تكون الرسالة محملة بالتهديد بقوة النظام.. وليس لرغبة أو حاجة القطاع الخاص.. فإن الرسالة تكون قد فقدت جزءاً مهما من مفعولها.. بل فقدت مفعولها كله.. والخطر هو في ردة الفعل التي سوف تشجع على الاستثمار الخارجي لا الداخلي.
تصريح المسؤول هو أحد أهم وسائل توجيه الرأي العام.. وهو الصوت الذي يقود بقية الأصوات المساندة والداعمة لتوجه الفكر الذي يمثله صاحب ذلك الصوت.. وبارتفاع أهمية ذلك المسؤول ترتفع أهمية التصريح وتأثيره.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved