Wednesday 31th december,2003 11416العدد الاربعاء 8 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحوار الوطني.. خلال جلساته عن الإعلام والتطرف الحوار الوطني.. خلال جلساته عن الإعلام والتطرف
تهميش حرية الرأي تسبب انفلاتاً فكرياً يغذي الفتنة والغلو
الركابي: يجب معرفة باطل الغلاة.. حتى تقع زلزلة فكرية داخل عقولهم

* مكة المكرمة عبيدالله الحازمي عمار الجبيري أحمد الأحمدي:
واصل اللقاء الثاني للحوار الوطني الذي ينظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حالياً بمكة المكرمة تحت عنوان «الغلو والاعتدال رؤية منهجية شاملة» جلساته أمس حيث عقدت جلستي العمل التاسعة والعاشرة. وجرى خلال الجلسة التاسعة مناقشة عدد من البحوث منها البحث المقدم من الدكتور علي بن شويل القرني بعنوان «الخطاب الإعلامي السعودي دراسة تحليلية لتعددية الرؤية الاجتماعية»، والبحث المقدم من زين العابدين الركابي بعنوان «هل هناك منهجية إعلامية واضحة لمعالجة ظاهرة الغلو» والبحث المقدم من الدكتور أحمد بن نافع المورعي الحربي بعنوان «حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام وأثرها على فكرة الغلو والتطرف» فيما خصصت الجلسة العاشرة لمناقشة وحوار المحور الإعلامي. وتناول د. علي بن شويل القرني الخطاب الإعلامي السعودي من خلال قراءة الفكر وتحليل المعرفة لما تجسده وسائل الإعلام وتزخر به من عرض مواقف وطرح آراء وتبني سياسات وصياغة استنتاجات. وتحديداً تقدم الدراسة تحليلاً لمدى تفاعل وسائل الإعلام والصحافة خاصة مع الأحداث الكبرى التي مرّ بها العالم قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، ومرت بها المملكة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وخصوصاً تفاعل الإعلام مع تداعيات أحداث مايو «المعروفة بتفجيرات الرياض» التي مثلت بداية مرحلة جديدة في التفكير السعودي على المستويات كافة.
وحلل د. القرني مضموناً لصفحات الرأي في صحيفتي الرياض والوطن بشكل خاص، باعتبارهما نموذجاً للصحافة السعودية وذلك للتعرف على صناعة الرأي السعودي سواء على شكل افتتاحيات صحافية، أو مقالات لكتاب الأعمدة، أو لرسائل واستجابات مقالية من طرق المسؤولين، أو عبر رسائل القراء في هاتين الصحيفتين، كما بنت الدراسة على استنتاجات أخرى لأبحاث عن مختلف وسائل الإعلام السعودي خلال هذه المرحلة أو في فترات زمنية سابقة.
واستعرضت الدراسة بعض التوجهات الإعلامية التي تم استنتاجها من القراءة المنهجية للصحافة السعودية كنموذج لوسائل الإعلام الأخرى من الاستنتاجات الرئيسية في هذه الدراسة ان هناك توجهاً عاماً بين وسائل الإعلام السعودية وبشكل خاص في الصحافة في دعم الخطاب التجديدي في المؤسسات الاجتماعية. وقد عكست هذه الدراسة ما نسبته 95% من توجهات عامة نحو حركة التجديد في المؤسسات والفكر والممارسة والتطبيقات. وفي الاتجاه نفسه، فإن خطاب الوضع القائم لم يحظ بنسبة تذكر في مساحة الرأي في الصحافة السعودية، ما يدل على ان وسائل الإعلام ترجح وبنسبة طاغية التوجه الاجتماعي نحو التجديد والتطوير والتقدم في كافة مجالات الحياة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.
وأشارت الدراسة الحالية إلى ان الخطاب الذي يغلب على اتجاهات الصحافة في المملكة العربية السعودية هو خطاب ليبرالي يميل إلى الانطلاق نحو الحرية وعدم التقيد في ظروف مكانية وزمانية. وفي الوقت نفسه ينبغي التأكيد على ان المساحة نفسها في الرأي قد تجسدت كذلك في خطاب آخر وصفته هذه الدراسة بالخطاب الوسطي، وهو خطاب مبني على فكرة التطور وفق معادلات وثوابت العقيدة وتقاليد المجتمع. ويمكن وصف هذا التوجه بالخطاب المحافظ المعتدل، ويمكن اجمالاً التأكيد على ان وسائل الإعلام السعودية في العموم يتنازعها خطابان رئيسيان، هما الخطاب الليبرالي، والخطاب المحافظ بدرجات متقاربة في المساحة والإبراز.
وأوضحت الدراسة الحالية ان وسائل الإعلام المطبوعة المتمثلة في الصحافة، ما تزال تعيش في كنف المؤسسات السياسية، وهذا ينعكس بشكل مباشر في كون المرجعيات التي تحيل هذه المضامين في الصحافة السعودية عادة ما تكون إلى المؤسسات السياسية في الدولة، وهذا يمكن فهمه في سياق ان عمليات التغيير والتطور التي تنادي بها وسائل الإعلام تحال على شكل رؤية وتوصيات وأفكار واقتراحات موجهة إلى المؤسسة السياسية، حيث إن المجتمع السعودي الذي يمثل مجتمعاً تنموياً ناشئاً يعتمد كثيراً على وصاية المؤسسة السياسية على مختلف أوجه الحياة وأنماط التفكير الاجتماعي، ولهذا لم يكن غريباً ان تكون هذه الاحالات إلى هذه المؤسسات، رغم وجود مؤسسات مجتمعية أخرى يمكن ان تكون موئلاً لمثل هذه الاحالات المرجعية.
واستعرض د. القرني المقارنات بين التغطيات المقالية لفترة ما قبل مايو «التي تمثل بداية ما يمكن وصفه بالإرهاب الداخلي» وفترة ما بعد هذا التاريخ الذي يمثل تداعيات هذه الأحداث في المجتمع السعودي. وقد أشارت هذه النتائج إلى الملاحظات التالية:
نمو متزايد في الإحالات المرجعية نحو المؤسسات الدينية بعد أحداث مايو مقارنة بما قبلها، وعلى الرغم من كون هذه الاحالات محدودة في مجملها، إلا انها تعد مؤشراً مهما في هذا الخصوص.
انخفاض ملفت في الإحالات المرجعية نحو المؤسسات السياسية، فقد كانت حوالي 55% قبل أحداث مايو إلا انها انخفضت إلى حوالي 34% بعد بداية هذه الأحداث. وجاء هذا نتيجة تنوع الإحالات إلى مؤسسات مجتمعية أخرى مثل المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات الإعلامية وغيرها من المؤسسات الأخرى.
لم تشر نتائج الدراسة إلى اختلاف يُذكر بين الفترتين المشار إليهما بخصوص الخطاب التجديدي وخطاب الوضع القائم، فقد ظلت الأمور كما هي عليه خلال فترتي الدراسة التي امتدت خلال الثلاث سنوات الماضية، أي منذ شهر سبتمبر عام 2000م.
فيما يتعلق بأنواع الخطاب، أشارت الدراسة إلى ان الخطابين الليبرالي والوسطي ظلا مسيطرين على الخطاب الإعلامي قبل أحداث مايو وبعدها، إلا ان هناك فروقات بسيطة، حيث شهد الخطاب الليبرالي زيادة بنسبة ثلاثة في المائة في فترة ما بعد الأحداث مقارنة بما كان عليه قبل هذه الأحداث. وأشارت النتائج إلى ظهور محدود للخطاب المتطرف ولكن لم تصل في أفضل الأحوال عن اثنين في المائة من مجمل التكرار الخطابي في عينة الدراسة على الصحافة السعودية. كما شهد الخطاب الوسطي انخفاضا بنسبة خمسة في المائة بعد أحداث مايو، ولا تستطيع ان الخطاب الوسطي في تراجع بينما الخطاب الليبرالي في ازدياد.
من الملاحظ ان الحالة النقدية التي يمكن استنتاجها من نتائج الدراسة الحالية بخصوص المقارنات الزمنية تشير إلى ان زيادة ملحوظة في اجمالي المقالات النقدية بعد أحداث مايو، ولكن الملفت للنظر في ضوء هذه النتيجة ان النقد الموجه إلى شخصيات قد تضاعف تقريبا بعد الأحداث وكذلك زادت تكرارات النقد المؤسسي، بينما انخفضت تكرارات النقد الموجه إلى الدولة بعد أحداث مايو.
من أهم النتائج التي أشارت إليها تحليلات مضمون الرأي في الصحافة السعودية ان مجمل الرأي المحلي قد انخفض بنسبة حادة أكثر من خمسين في المائة إلى حوالي 22% بعد أحداث مايو، وشهدت الدراسة في المقابل زيادة في نسبة التغطيات المقالية في المجالات الخارجية سواء عربياً أم إسلامياً أم دولياً، وهذه نتيجة مهمة قد نستدل منها إلى ان أفضل طريق للخروج من حساسية الوضع الداخلي هو الهروب إلى الخارج، وقد يعكس هذا انحساراً في هامش حرية التعاطي مع الحدث المحلي، ما يؤدي إلى تناول الأحداث الخارجية.
ربما بعد تاريخ أحداث مايو حدث فارقاً بين نوعين من التغطيات الإعلامية بخصوص القضايا الداخلية، فقد تضاعف الاهتمام بقضايا المرأة ثلاث مرات بعد أحداث مايو، وتضاعف كذلك نسبة الاهتمام بموضوعات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك موضوع البطالة. وفي المقابل انخفضت نسبة الاهتمام بالمشكلات الخدمية والتنموية إلى حوالي ثلث حجم الاهتمام بهذه الموضوعات قبل أحداث مايو، أما بخصوص القضايا الخارجية فقد انخفضت تكرارات الرأي في قضايا 11 سبتمبر وما تلاها من حرب أفغانستان من 25% إلى عشرة في المائة، وانخفضت التغطيات المقابلة لحرب العراق من 18% إلى خمسة في المائة، بينما ارتفعت نسبة التناول المقالي لأحداث فلسطين من 57% إلى 85%، ما يعكس بكل تأكيد اهتماماً ثابتاً في الإعلام السعودي بقضية فلسطين والصحافة بشكل خاص.
وأكد د. القرني على ان تكون وسائل الإعلام أدوات لتداول الرأي والفكر بين مختلف شرائح المجتمع، وكلما اتسعت مساحة حرية طرح هذه الأفكار والآراء كلما تقلصت الوسائل التي تستخدمها هذه الجماعات والشرائع عبر وسائل خارجية أو عبر وسائل غير شرعية أحياناً، ومن هنا ندعو هذه الدراسة إلى توسيع هامش حرية الإعلام السعودي ليكون أكثر جرأة وأقرب إلى هموم الناس وقضاياهم الحقيقية، ليصبح هذا الإعلام منبرا لكل سعودي، ولكل من يحمل رأياً ولديه مشروع وطني يتوافق مع ثوابت العقيدة والوطن والمجتمع.
والقاعدة الأساسية في هذا الخصوص انه كلما انغلقت وسائل الإعلام وهمّشت جماعات وشرائح وقطاعات في المجتمع، كلما اسهمت وسائل الإعلام سلباً في ان تبحث هذه الجماعات والشرائح عن وسائل أخرى للتعبير عن ذاتها، والعكس صحيح، حيث إنه كلما انفتحت وسائل الإعلام على كل ألوان الطيف الاجتماعي والفكري والسياسي كلما استقطبت كل هذه الفئات وأعطتها المشروعية الإعلامية المطلوبة؛ تكون قد نجحت في رسالتها الاجتماعية في ايجاد مظلة عامة يستظل بها الجميع مهما اختلفوا في الآراء والمواقف والاتجاهات.
منهجية إعلامية لمعالجة الغلو
من جانبه تطرق أ. زين العابدين الركابي لايجاد منهجية فكرية إعلامية واضحة ومتكاملة لمعالجة الغلو من خلال:
أولاً: تصور الظاهرة وتكييفها بحسبان ان صحة التصور هي مبتدأ التعامل مع كل ظاهرة أو مشكلة أو قضية.. وخلاصة تطور الظاهرة هي: مجموعة تصورات خاطئة، عززت بمفاهيم إسلامية مؤولة تأويلاً فاسداً، وقد انبنى على هذه التصورات والمفاهيم أفعال شريرة وإجرامية.
ثانياً: ضرورة «زلزلة اليقين بهذه المفاهيم الخاطئة» فلن ينفك الغلاة عن هذه المفاهيم حتى تقع زلزلة فكرية في داخل عقولهم، ولهذه الزلزلة الواجبة ركيزتان: معرفة باطلهم بوضوح، إذ ان معرفة الباطل قاعدة صحيحة وضرورية لنقضه، أما الركيزة الأخرى فهي: معرفة الحق الذي به ينقص الباطل، لأن نقص الحق، أو غموضه، أو ضعف حجته، ذريعة إلى تقوية الباطل.
ثالثاً: نقض الانحراف بالدين: بالإسلام الحق.. فالغلو: إما ينقض بغلو مثله يتمثل في التساهل في الدين والتفريط في ثوابته وعزائمه.. وهذا خدمة للغلو، لا نقض له.. وإما ان ينقض الغلو بالإلحاد.. وهذا خيار يخدم الغلو أيضاً.. يضاف إلى ذلك انه خيار غير وارد في دولة مثل المملكة يقوم كيانها كله على الإيمان، لا الإلحاد.. وإما ان ينقض الانحراف بالدين: بالإسلام الحق. وهذا هو الخيار المعقول والمشروع والعملي.
رابعاً: الفصل الحاسم في الفهم والمعالجة بين أنواع الغلو، فالغلاة ليسوا سواء.. فهناك الغالي المحصور غلوه في ذاته: يتشدد ويتنطع ويقسو على نفسه، وهناك الغالي الذي يدعو غيره إلى الغلو.. ولكن كليهما لا يعنف، بمعنى انهما لا يحملان السلاح، والتعامل مع هذين النوعين يكون بالتبصير بمنهج اليسر، وتكثيف الإعلام الموجه إليهما تكثيفاً متصلاً يحمل مضامين الإسلام في النأي عن التشدد وتحميل النفس ما لا تطيق.. ولهؤلاء ان يعبروا عن آرائهم بشروط ثلاثة: ألا يكفروا غيرهم.. وألا يحملوا السلاح، وألا يكونوا ردءاً للذين يحملون السلاح.
أما النوع الثالث فهو الذي يحمل السلاح. والتعامل مع هذا النوع يكون بالإجراءات الأمنية التي لا تدخل في نطاق هذا البحث ويكون بالردع الفكري الذي لا مجاملة فيه، ولا معاذير، ولا فتور.
خامساً: اقتران النقد والنقض بجرعات مشبعة ومروية من الأمل والرجاء وفرص النهوض والاستبشار، فالذين اجتالهم أو لوثهم الفكر الغالي هم سعوديون من أبناء الوطن، ولا مصلحة للبلاد في ان تطول فجيعة أهليهم وبلادهم فيهم، ولا مصلحة ولا مسرة في ان يهلكوا في تفجير أو مواجهة أو يموتون على خطيئة.
سادساً: التصوير أو التناول الموضوعي للظاهرة، أي دون تقليل من حجم الظاهرة وأثرها، ودون تهويل في ذلك، يولد انطباعاً بأن 90 أو 80% من السعوديين: غلاة.
سابعاً: تفجير نهضة علمية وفكرية شاملة كاملة عمادها «تأصيل مفهوم الاعتدال ونشره في أوسع نطاق» حتى يكون سيد المفاهيم، ومنبعها، وقائدها وهاديها.. تأصيل هذا المفهوم بحسبانه مفهوماً «كونياً ودينياً وعلمياً واجتماعياً وسياسياً» لا ينتظم الكون، ولا تصح حياة الناس ولا تدينهم إلا به.
ثامناً: إحياء «العقلية النقدية» فيما يتعلق بالأفكار والمسالك الدينية، وذلك لئلا يُقر المخطئون على خطئهم.. ولئلا تربط اخطاؤهم بالإسلام فتكون فتنة.
تاسعاً: الكف الإعلامي الإرادي المستنير والحصيف عن تصوير المجتمع والدولة في «صورة ملائكية». فهذا الغلو ينشئ غلوا مضادا كرد فعل فالسعوديون حكاما ومحكومين بشر ممن خلق الله، يصيبون ويخطئون، وحسب السعوديين: ان يكون المعيار باقيا، والمنار قائماً، لتقويم المسيرة العامة ونقدها بصفة دورية، وسبب الكف عن الصورة الملائكية هو ان هذه الصورة تحدث فجوة هائلة بين الواقع والمثال. وهذه الفجوة تحدث هزة نفسية اضطراباً شديداً يستغله المرجفون الغلاة ويوظفونه في خدمة برنامجهم المرتكز في الأساس على المقارنة بين مثال خيالي وبين الواقع الموجود مع ما في هذه المقارنة من مفارقات وايحاءات تثير الاستفزاز والاحباط.
عاشراً: النظر إلى الغلو «بعيون سعودية» وهي عيون مسلمة بطبيعة الحال لا بعيون خارجية أو أجنبية، ذلك ان استعارة عيون أجنبية يقضي بالاضطرار إلى استعارة المعلومات المغلوطة، والتفسيرات غير النزيهة، والنقد الهدام الذي تنظر تلك العيون من خلاله إلى ما يجري في المملكة، فيما يتعلق بظاهرة الغلو وتداعياتها، ويلحظ ها هنا ان الغلاة يقيسون بلدهم على بلدان أخرى على الرغم من وجود فروق كبيرة ويحكمون عليه من ثم بالحكم ذاته، ثم يحاربونه بموجب هذا الحكم!
حادي عشر: رفع استعداد الناس وتهيئتهم للتكيف السوي مع التطورات العصرية المتلاحقة في العلوم والتقنيات والاتصالات والأفكار والعلاقات.. إلخ، لأن ضعف الاستعداد السوي مع هذه التطورات المذهلة في ايقاعها وسرعتها، يصيب الناس برجات فكرية ونفسية صاعقة أو صادمة، وحين تقع الرجات تضطرب النفوس والعقول. وبتأثير من ذلك يغدو الناس اشتاتا، ويكون منهم من يقوم برد فعل مثقل بالغلو والعنف: كمقاومة سلبية يائسة لهذه التطورات.
ثاني عشر: الاطراد الزمني. ويعني طول النفس، والانتظام، والمثابرة في تناول ظاهرة الغلو وعلاجها، فالاطراد الزمني هو البديل العلمي والعملي والواقعي للمعالجات الموسمية المتقطعة التي لا تظهر إلا إذا ارتفع صوت الغلو، وتفجر عنفه.
وأوصى الركابي بوضع استراتيجية فكرية إعلامية واضحة في ضوء مفاهيم البحث ونظائرها .
وتكون فريق وطني متكامل التخصصات والتمثيل يعهد إليه برسم هذه الاستراتيجية وفق مدى زمني محدد سقفه الأعلى.
حرية الرأي الإعلامي وأثره على الغلو
من جانبه أوضح د.أحمد بن نافع المورعي الحربي في ورقة عمل بعنوان حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام واثرها على فكر الغلو والتطرف أن المجتمعات العربية والإسلامية عانت طويلاً من غياب او تهيمش حرية الرأي والتعبير حتى اضحت الشمولية والاحادية والتبرم بالرأي الآخر- وان تفاوتت الدول والأنظمة فيما بينها - من الخصائص التي اتصفت بها الأمة الإسلامية في عالمنا المعاصر ولسنا بصدد استقصاء اسباب هذا الوضع المؤسف ومظاهره اذ انها تحتاج إلى بحث آخر مواز يوفيها حقها بالبحث والتحليل والدراسة والخروج بالتوصيات الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة السلبية في مجتمعاتنا.
وبين ان الآونة الأخيرة شهدت طفرة في الاتجاه المعاكس، فانعكست انفلاتاً في حرية التعبير ولم تكن تلك الطفرة افرازاً لتحولات ايديولوجية او استجابة لمطالب شعبية او نتاجاً لتعديلات تشريعية بل فرضتها على مجتمعاتنا افرازات التقنية الحديثة التي اصطلح على تسميتها بالثورات الست، التي وفرت مساحات غير محدودة لطرح الافكار وتبادل الآراء وقد تواكبت تلك التطورات مع ضغوط القوى المتنفذة في عالمنا على حكومات العالم الثالث لفتح مجالات اكبر للحرية فوجدت تلك الحكومات الفرصة للاستجابة الجزئية لتلك الضغوط مما يمثل في المقابل تنفيساً للمشاعر المكبوتة لدى الشعوب.
وقال وجدنا أنفسنا أمام فوضى فكرية تنذر بعواقب وخيمة تهدد الأمن والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية في مجتمعاتنا الهشة ابتداءً والتي تعاني من مشاكل اقتصادية وتوترات سياسية لا ينقصها سوى صب القليل من الزيت على وميض النار المختفي تحت الرماد حتى تفرز تداعيات أمنية يعلم الله وحده مداها وعواقبها. ويأتي هذا البحث ليناقش إحدى الجزئيات التي اصابتها شظايا هذا الانفلات الفكري والذي يؤدي - على غير رغبة نافخي ناره - الى إذكاء الفتنة وتغذية فكر الغلو والتطرف لدى الشباب الذين لاذوا برحاب الدين الحنيف فراراً من واقع قاتم ومستقبل غامض ونظريات اثبتت بجدارة فشلها في قيادة مجتمعاتنا باتجاه النهضة والتنمية والتحرر الوطني، لذا فإن المساس بالمقدسات الدينية يمثل استفزازاً لمشاعرهم واستنفاراً لعداوتهم خاصة اذا افتقرت الآراء المخالفة الى الحكمة والموضوعية والدقة العلمية او انزلقت الى مهاوي الاسفاف والانحطاط كما هو مشاهد الآن وللاسف من بعض ادعياء الليبرالية والعلمانية الذين دفعتهم الرغبة في مناهضة الصحوة الإسلامية الى ادارة ظهورهم لاهم مبادئهم الداعية للتعددية والديمقراطية وقبول الآخر!
كما يمثل البحث مساهمة ومحاولة لعلاج قضية فكرية معاصرة ابتليت بها الامة الإسلامية منذ امد بعيد ولم تجد لها فكاكاً بل اشتدت وطأتها واستحكمت حلقاتها على الامة في العصر الراهن وهي آفة الاستبداد بالرأي وتفرق الافكار المؤدي إلى الخلاف والاختلاف المذموم.ومضى قائلاً ان من اهم الموازنات التي ابتليت بها الامة: ضرورة المحافظة على وحدة الامة في ظل الممارسة الكاملة لحرية الرأي والتعبير عنه فوحدة الامة ضرورة وواجب يفرضه الاسلام على ابنائه وحق إبداء الرأ ي هو ضرورة ايضاً بل يصبح واجباً في كثير من المواقع، يأثم المؤمن بكتمانه وعدم إبدائه للناس.
وأبان أنه لا تقدم ولا حرية بدون مسؤولية ولا خطر على الحرية اشد من سوء استخدامها ولا ضمانة لاستمرارها افضل من ضوابطها، بهذه الكلمات بدأت مقدمة البحث التي تعبر عن مضمونه حيث يهدف البحث الى تسليط الأضواء على امرين: اولهما، حرية الرأي، وحق التعبير في الإسلام، وثانيهما الاستخدام الجائر لحرية الرأي وحق التعبير مما يترتب عليه تغذية فكر الغلو والتطرف وتسعى الدراسة لاستقصاء الضوابط التي تحمي حرية الرأي والتعبير وتحول دون استخدامها بشكل يسيء إلى المجتمع وثوابته.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved