Wednesday 31th december,2003 11416العدد الاربعاء 8 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وتاليتها...؟ وتاليتها...؟
د. هند بنت ماجد بن خثيلة

هذا زمان المندثرين الذين أناخوا بجبال من الهموم على صدور أبناء هذه الأمة لعقود طويلة وفصّلوا الشهور بل والأيام على ثوراتهم، وجعلوا لكل يوم مسمىً خاصاً لهواجسهم وانقلاباتهم، وأهوائهم الشخصية، فما أكثر الحركات التصحيحية المرتبطة بالتواريخ! وما أكثر الثورات على الذات وعلى الآخرين! وما أشد الاغتيالات والنفي والسلب! بينما ظلت الكراسي هي هي، وظلت الجثث التي تتربع فوقها كما هي: سيوف مسلطة على الرقاب، وسجون تغص بالشباب «والشياب» ومجازر طوت أفئدة طرية من النساء والأطفال.
وما ظن هؤلاء أنهم إلى اندثار، وما صدقوا أنهم يوماً ما زائلون، حتى أثبت صدام حسين بتلك اللحظات البائسة التي اعُتقل بها وهو يقف في حفرة لا يتجاوز عمقها طوله إلا قليلاً، أثبت أنه لا المعارك ولا «أُمّها» ولا شقيقاتها يمكن أن تصنع تاريخاً مشرفاً ولا زعامة حقيقية لقيادة الشعوب!
ومنذ الفاتح من سبتمبر والعقيد القذافي يجلدنا وطنيةً وثوراتٍ وخطاباتٍ وكتباً خضراء، حتى أنه وضعنا في مأزق الذاكرة حين طلب منا أن نحفظ ما لا يحفظ: «الجمهورية العربية الاشتراكية الليبية العظمى» بدلا من لبيا، وأعتقد أنني قد أخطأت في سرد هذا المسمى لأنني والله يشهد لم أستطع حفظه منذ أن فصّله كما أراد على ذاكرة لا تتسع إلا إلى الهوس.
أربعة وثلاثون عاماً وهو يشغل الأمة في معارك جانبية مع العالم ومع نفسه، وصل إلى إيرلندا، ونيكاراجوا، وتشاد، وموزانبيق، وبنما، وكوريا، وما خفي كان أعظم. تبرأ من أفريقيا وأراد فرض الوحدة مع كل دولة عربية بالقوة. ثم تبرأ من الجامعة العربية وتذكر أن ليبيا دولة أفريقية وأن خطأً تاريخياً جعلها تحت مظلة العربية وأنفق موارد دولة بحالها لثلاثة عقود على شراء الأسلحة وتخزينها لمحاربة الإمبريالية والصهيونية العالمية، وكان يخرج من مؤتمرات القمة العربية والإسلامية غاضباً لأنه لم يجد أحداً يقف إلى جانبه لصنع القنبلة الذرية، وكان دائماً يرفع شعار: الجماهيرية صخرة تحطم الإمبريالية ونهاية الصهيونية.
وذات صباح استيقظنا على دعوة القذافي للبرادعي لزيارة ليبيا والتفتيش المفاجئ لكل منشآته العسكرية والأسلحة بأنواعها المختلفة التقليدية والدمار الشامل، وأعلن طواعيةً نزع أسلحته كلها.
في اليوم التالي طالب العقيد الدكتور بشار الأسد أن يحذو حذوه فينتزع ما لديه من أسلحة دمار شامل لأن هذا وحده يجعل العرب أمة مسالمة يرضى عنها الغرب.. وتحفظ الكراسي لتبقى الجثث عليها لمواسم أخرى قادمة.. وتاليتها..؟

فاكس: 2051900

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved