Thursday 1st January,200411417العددالخميس 9 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

معالجة الفقر.. مسؤولية من؟! معالجة الفقر.. مسؤولية من؟!
د. عبدالإله ساعاتي/ عضو مجلس إدارة الصندوق الخيري لمعالجة الفقر

يُعدّّ الفقر - أجارنا الله جميعاً منه - مشكلة بل معضلة عالمية أزلية ارتبطت بالوجود الإنساني منذ بداياته الأولى وما زالت قائمة في جميع مجتمعات العالم غنيها وفقيرها، وإن كان الاختلاف في نسبة انتشار الفقر، ففي الدول الاسكندنافية - على سبيل المثال - لا تتجاوز 2% ،بينما في بعض الدول الإفريقية تصل إلى 35%.
ويشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة إلى أن أكثر من مليار إنسان يعيشون في فقر مدقع، كما يشير التقرير إلى أن «000 ،35» إنسان يموتون جوعاً يومياً و«815» مليوناً يعانون من سوء التغذية في العالم، أما في العالم العربي فإن «6» ملايين يعيشون بأقل من دولار في الشهر.
وتتداخل وتتنوع أسباب ظاهرة الفقر، لبعضها أبعاد اقتصادية، ولبعضها أبعاد اجتماعية وثقافية، ولكن النظريات الاقتصادية تؤكد أن لمعدلات التنمية الاقتصادية دوراً أساسياً في ظاهرة الفقر؛ ذلك أن التباين بين معدل النمو الاقتصادي ومعدل النمو السكاني يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر.
وفي المملكة يُعدّ معدل النمو السكاني البالغ 7 ،3 سنويّاً من أعلى المعدلات على مستوى العالم. ومن المتوقع أن يبلغ عدد سكان المملكة في عام 2020م نحو أربعين مليون نسمة، كما أن متوسط مأمول الحياة Expectancy Life يبلغ حالياً 72 عاماً، كما أن نسبة المصابين بالإعاقات المختلفة في المملكة بلغت 3 ،6%، والعلاقة طردية بين نسبة انتشار الفقر ونسبة النمو السكاني وارتفاع أعداد المسنين والمعاقين.
ولقد شهد متوسط دخل الفرد السعودي انخفاضاً من 000 ،28 دولار في بداية الثمانينات الميلادية إلى 500 ،7 دولار في عام 2001م «جريدة الرياض العدد 12877 وتاريخ 29 رجب 1424هـ» وتشكل هذه العوامل أسباباً لظاهرة الفقر.
جولة ولي العهد
واستشعاراً بعظم المسؤولية وثقل الأمانة المعهود من سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، قام سموه - بعيدا عن البروتوكولات الرسمية - في ليلة من ليالي رمضان المباركة من العام الماضي وبالتحديد في ليلة الخامس عشر، بزيارة تفقدية مفاجئة لبيوت بعض الأسر المعوزة في بعض الأحياء الفقيرة بمدينة الرياض.
ولقد مثلت تلك الجولة التفقدية التاريخية اعترافاً رسمياً لأول مرة بوجود ظاهرة الفقر في بلادنا، وهو ما يمثِّل خطوة أساسية نحو التصدي لهذه المشكلة؛ ذلك أن الاعتراف بوجود المشكلة - كما يقول «فريدريك تايلور» - يمثل نصف الطريق إلى حلها. كما جسدت تلك الزيارة حقيقة أننا جزء من هذا العالم الصغير.. القرية الكونية Global Village نعاني مما يعاني منه ونتأثر بما يتأثر به، لسنا مجتمعاً ملائكياً مختلفاً ومنعزلاً عن باقي البشر.
وإثر تلك الزيارة التاريخية وجَّه سموه بوضع استراتيجية وطنية شاملة لمعالجة ظاهرة الفقر في البلاد، كما وجه بإنشاء صندوق خيري لمواجهة هذه المشكلة.
ولتأطير التوجيه رسمياً وتنظيمياً صدر في 25/10/1423هـ الأمر السامي الكريم رقم خ/41362 المتضمن تأسيس الصندوق باسم «الصندوق الخيري لمعالجة الفقر» كمؤسسة اجتماعية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية برئاسة معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية.
وإسناد الأمر لمعالي وزير العمل بحكم التخصص كشأن اجتماعي تختص به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ولما عرف عن معالي الدكتور علي النملة من فكر نير وحب لأعمال البر والخير.
ولقد حددت رسالة الصندوق على أنه مؤسسة اجتماعية تعمل على تحسين ظروف الفقير وتأهيله والوفاء بحاجاته من خلال عطاء نوعي متبادل يشارك فيه الفقير وتسهم الدولة في دعم وتمويل برامجه ومشروعاته إلى جانب المؤسسات الربحية والخيرية وبمساندة من الأفراد الموسرين.
كما حُددتْ أهدافه على النحو التالي:
1- التوعية بأهمية الاعتماد على النفس، وتعميق أخلاقيات العمل وكسب الرزق في نفوس أفراد المجتمع بشكل عام، والشرائح الفقيرة بشكل خاص، وتصميم البرامج اللازمة لذلك.
2- دعم الفقراء القادرين على العمل، بإقامة مشروعات استثمارية صغيرة، أو مشاركتهم في رأس مالها.
3- السعي لدى الجهات المختصة، لتيسير الإجراءات الإدارية، والمتطلبات النظامية، التي قد تحول دون قيام تلك المشروعات أو تعوق نموها.
4- دعم وتشجيع المبادرات الفردية للتأهيل والتدريب، بما يتناسب مع ثقافة المجتمع، وحاجة الفقير ومتطلبات سوق العمل.
5- العمل على تيسير استفادة الفقراء، من الخدمات الصحية والتعليمية والإسكان، وغيرها من الخدمات العامة الأساسية وتذليل ما قد يعترض ذلك من صعوبات.
6- الإسهام مع الجهات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص في توفير حد أدنى من العيش الكريم للفئات الفقيرة.
7- تفعيل مفهوم الأسر المنتجة بتشجيع الصناعة المنزلية والعمل داخل البيوت، ودعم وسائل إنتاجها وتسويقها والارتقاء بمعايير جودتها.
8- القيام بدراسات وحلقات وندوات علمية أو معارض تُعنى بمشكلة الفقر وسبل علاجها، ووسائل الحدّ من آثارها على الفرد والمجتمع.
الفرق بين الصندوق والإستراتيجية
يخلط بعضنا بين الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر وبين الصندوق الخيري لمعالجة الفقر، فلقد كانت البداية بتشكيل فريق عمل لوضع الاستراتيجية وذلك برئاسة الدكتور عبدالإله المؤيد الذي بذل جهوداً كبيرة في هذا المجال، ومعه مساعده الدكتور صالح الصغير وبقية أعضاء الفريق، والاستراتيجية تُعنى بوضع حلّ شامل لمعالجة مشكلة الفقر بالمملكة وفْق رؤية استراتيجية علمية تتضمن خططاً قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل تعالج أسباب الفقر وتحدِّد الأدوار المختلفة للأجهزة الحكومية والأهلية.
أما الصندوق الخيري لمعالجة الفقر فلقد أنشئ بهدف مساعدة الفقراء والمعوزين في مختلف مناطق المملكة وفق برامج متنوعة علاجية ووقائية غير تقليدية، ويمثل الآلية الأساسية للاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر.
رؤية ولي العهد
جاء في توجيه سمو ولي العهد الموجَّه لمعالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية بخصوص إيجاد صندوق لمعالجة الفقر، تحديد الهدف العام من إنشاء الصندوق وهو: «الحد من مشكلة الفقر».
وهذا تحديد موضوعي علمي واقعي يخرج بنا من أخطاء تتكرر دائماً حينما نبالغ في أهدافنا ونصيغها في جمل إنشائية جميلة متضمنة أمنيات رائعة، ولكنها في الأخير تظل مجرد أمنيات جميلة غير ممكنة التطبيق على أرض الواقع.
فالهدف كما حدده التوجيه الكريم - هو الحدّ من مشكلة الفقر وليس القضاء كلياً على الفقر؛ ذلك أن الحد من مشكلة الفقر وارد وممكن، بإذن الله تعالى، ولكن القضاء عليها غير وارد وغير ممكن وقد يكون ضرباً من الخيال، فالفقر موجود في كل زمان ومكان، ولا يمكن القضاء عليه كلياً في أي بلد كان بما في ذلك البلدان الغنية، بينما يمكن الحد من الفقر وتقليص آثاره وخفض نسب ومعدلات انتشاره؛ وذلك من خلال برامج تنموية متنوعة منها ما يتعلق بالرعاية الصحية، ومنها ما يتعلق بالتعليم والتدريب، ومنها ما يتعلق بالتوظيف، ومنها ما يتعلق بالمساعدات المادية والعينية المباشرة، وغير ذلك.
وجاء في توجيه سمو ولي العهد أن يتم الحد من مشكلة الفقر «بأساليب غير تقليدية» من خلال نظرة للمشكلة وأسبابها وتهيئة المناخ للحد منها بإيجاد فرص عمل وانخراط المواطنين فيما يقدرون عليه من أعمال منتجة على مستوى الأفراد والأسر.
هذه الرؤية تجسد فكراً واعياً وحلاً عملياً منتجاً، وتنسجم مع التوجيه النبويّ الشريف حين جاء رجل إلى الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، يطلب صدقة، فقال الرسول - ما معناه -: أعطوه فأساً ليحتطب.
فالأسلوب التقليدي المتمثل في مجرَّد تقديم المساعدات المالية والعينية المباشرة لن يحلّ مشكلة الفقر. ووفقاً لتوجيه سموه فإن هدف الصندوق مبني على مفهوم «مساعدة الفقراء ليساعدوا أنفسهم»، وهو التوجه الذي أقرَّته المنظمات والجمعيات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما، كما أنه التوجه السائد في العالم؛ لأنه المدخل الذي ثبتت فعاليته في الحد من مشكلة الفقر؛ ذلك أن إعطاء الفقير «سمكة» ليأكلها لن يشبعه سوى مرة واحدة بينما تعليمه كيف يصطاد يمكِّنه من أن يشبع ويُشبع أفراد أسرته على امتداد حياته.
إن هذا هو التوجُّه الصحيح إذا أردنا للصندوق أن يحقق أهدافه المأمولة، وإذا أردنا له أن يخدم المحتاجين والمعوزين خدمة فعليَّة مثمرة، أمَّا في حالات الأسر أو الأفراد غير القادرين على الإنتاج، فإن المساعدات المباشرة تمثل الحل عطفاً على وضعهم.
توجُّه البنك الدولي
من خلال خبراء دوليِّين متخصِّصين ودراسات علمية وميدانية في دول عدَّة وعلى مدى سنوات طويلة، خلص البنك الدولي إلى التأكيد على أن الحدّ من ظاهرة الفقر يقتضي توجيه المساعدات الخيرية إلى الجوانب الإنتاجية.
وفي ذات الوقت أكد تقرير حديث صدر عن البنك الدولي أن تحسين رفاهية البشرية لن يتم ما لم يتمتع الفقراء بمزيد من القدرة على الحصول على نوعية خدمات أفضل في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وإمدادات المياه والكهرباء والصرف الصحي؛ ذلك أنه بدون تحسين هذه الخدمات يظل الخلو من الأمراض والتحرُّر من الأمية أمرين بعيدين عن منال العديد من الناس.
ويرى جيمس ودلفنسون رئيس البنك الدولي أن الخلاص من الأمراض والأمية يُعدّ من أهم طرق خلاص الفقراء من براثن الفقر.
ويصف البنك الدولي الفقر بأنه «الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد للدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية، سواء في السكن، أو المأكل، أو الصحة، أو التعليم، وكل ما يدخل ضمن الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق من الحياة».
الأمم المتحدة
في ذات التوجُّه كانت الأمم المتحدة قد وضعت في عام 2000م هدف تخفيض فقراء العالم إلى النصف بحلول عام 2015م، ولكن تقرير التنمية البشرية الصادر مؤخراً عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، كشف عن عجز الجهود الرامية لتحقيق ذلك الهدف، مشيراً إلى أن بعض الدول الفقيرة ازدادت فقراً ,بل وأشار التقرير إلى أن بعض الدول الفقيرة في إفريقيا لن تستطيع الخروج من دائرة الفقر حتى عام 2165م.
ولكن الأمم المتحدة جعلت الحدّ من الفقر أساسا من ضمن أسس مفاهيم المنظمة على مدى الخمس وعشرين سنة القادمة، كما حددت يوم السابع عشر من شهر أكتوبر من كل عام يوماً عالمياً لمكافحة الفقر، مؤكدة على الجوانب الإنتاجية.
منظمة الصحة العالمية
أكد مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور «جونغ ووك لي» أن للرعاية الصحية دوراً هاماً في ظاهرة الفقر، مشيراً إلى أن دعم البرامج الصحية من شأنه أن يساهم في إعداد أشخاص منتجين؛ ذلك أن الإنسان المريض يعيقه مرضه عن الإنتاج؛ ومن ثم عن العيش فوق خط الفقر.
وقال لي: إن الأشخاص الذين يعانون من الجوع هم أكثر عرضة للأمراض؛ وبالتالي تتلاشى مقدرتهم على العمل وكسب العيش.
خطّ الفقر
يعرف البنك الدولي خط الفقر بأن: «الفرد الذي يبلغ دخله اليومي دولارين يُعتبر واقعاً على خط الفقر»، ولكن خط الفقر يختلف من دولة إلى أخرى، بل من مدينة إلى أخرى داخل الدولة الواحدة، وذلك وفقاً لمستوى المعيشة في كل منها، فما يمكن اعتباره حداً لخط الفقر في مدينة الرياض مثلاً، لا يمكن تعميمه على مدينة أخرى صغيرة في شمال المملكة أو جنوبها؛ ذلك أن تكلفة المعيشة في الرياض أكثر ارتفاعاً.
حلول لمشكلة الفقر
إن حل مشكلة الفقر يُعدّ مسؤولية الجميع في المجتمع، وتحقيق الصندوق الخيري لمعالجة الفقر لأهدافه النبيلة لن يتم بالصورة المأمولة دون تفاعل وتعاون كافة قطاعات المجتمع الرسمية الحكومية والأهلية الخاصة؛ ذلك أن مشكلة الفقر هي مشكلة ضخمة ومعقدة متداخلة ومتشابكة لها ارتباط بمعظم قطاعات المجتمع، ولذلك فإن للوزارات المعنيّة دورا هاما، وفي مقدمتها وزارات التربية والتعليم والصحة والماء والكهرباء والشؤون البلدية والقروية والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، فلهذه الجهات دور هام في توفير خدماتها للفقراء، كما أن لوزارة الصناعة والتجارة والغرف التجارية الصناعية دورا في دعم جهود الصندوق ولا سيما في مجال المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولوزارة الإعلام دور في التوعية والتثقيف والتأثير المأمول، كما أن للبنوك الوطنية دورا منتظرا في الدعم التمويلي والمساندة المالية، وكذلك فإن للموسرين من أبناء الوطن دورا في التبرع لهذا العمل الخيري النبيل، كما أن لأمراء المناطق دورا حيويا في تفعيل جهود الصندوق.
وإذا كان الصندوق قد قام بحملة إعلامية ناجحة للتعريف بأهدافه ومنطلقاته، وعقد ندوات ناجحة في عدد من مناطق المملكة بحضور أمرائها ومعالي رئيس الصندوق، فإن على وزارة الإعلام أن تساهم في هذا الإطار من خلال وسائلها الإعلامية، كما أن على وسائل إعلامنا المرئي والمقروء والمسموع دورا في ذلك.
باختصار أقول: إن مشكلة الفقر هي مشكلة الجميع، وهي مسؤولية الجميع، والحد منها يتطلب مشاركة الجميع.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved