Saturday 3rd January,200411419العددالسبت 11 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سنة جديدة سنة جديدة
باسل سمير السويركي

ليس ضرورياً أن يكون الآتي أفضل من الماضي، بل على العكس فثمة حكمة تقول ان الأمر الذي تعرفه أفضل من الذي تتعرف عليه، وعلى قاعدة الوضوح سيد الأحكام بالنسبة للذين لم يعودوا قادرين على المغامرة واكتشاف الناس والحياة.
على هذا الأساس نقول ان السنة التي ودعناها أفضل من السنة التي احتفلنا بقدومها بالأمنيات والآمال في الأحسن، والمسألة ليست بحاجة إلى عبقرية كي نكتشف الفرق بين ما كنا في وداعه وما ذهبنا لاستقباله.
فشبح الحرب لا يزال في المنطقة ويطغى على كل شيء وطبوله جاهزة لتقرع مرة أخرى ولا يمكن لأحد أن يعرف متى تأتي ساعة الصفر ليعود الخوف والدمار والموت ليخيم على السنة الجديدة كما السنة الماضية.
صحيح ان خوض الحروب موروث من السنة السابقة وعلى الأصح من السنوات السابقة، لكن الصحيح أيضاً هو ان من بين أفضال هذه السنة الجديدة انها لم تنقل التهديد إلى حيز التنفيذ للحرب الأمريكية الجديدة.
على الأقل في الأشهر الأولى سنبقى بعيدين عن الدمار والرعب والرماد، لكن الأكيد ان خلف هذه الابتسامة العريضة الفرحة بقدوم عام جديد وجها براقا وانيابا فتاكة لا يمكن لأحد أن يتوقع منذ الآن ما يمكن أن تقوم به من نهش وهتك وسفك للدماء، خاصة بعد سقوط العراق واستمرار سقوطه إلى أجل غير مسمى واستعداده لخوض حرب أهلية طبولها أصبحت مسموعة حتى ولو من على بُعد.
كل هذا يبقى مندرجا ضمن سياق الأوهام والمصطلحات البشرية الواهية فالسنوات القديمة والجديدة لعبة يمارسها البشر منذ ملايين السنين دون أن يكون لها أي مرتكزات علمية دقيقة والدليل على هذا ان ثمة دراسات تاريخية تثبت ان السنة عند البعض أكثر من غيرهم فهي تراوحت بين ثلاثين شهراً وأربعة وهكذا فمن الممكن الاحتفال بطي الصفحة القديمة ثلاث مرات في السنة أو مرة كل سنة ونصف.
أكثر من هذا لو افترضنا ان رجلاً ما كان بسبب وضع صحي معين في غيبوبة استمرت يومين ليس أكثر يقع على المفترق بين سنة تمضي وسنة تطل إلا يحدث الانتقال من عام إلى آخر بالنسبة إلى هذا الرجل غير المدرك أبداً لمسيرة أوراق الرزنامة ولا لما يجري حوله ؟
في مطلق الأحوال ثمة شعوب كاملة وليس رجلاً واحداً تعيش حالة غيبوبة كاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً، ومع هذا فهي تنتقل من عام إلى آخر وتفرح لقدوم الجديد الغامض مع انها وفق مقياس ريختر الحضاري مستقرة غائبة عن الوعي وغير مدركة أبداً حقيقة ما يجري حولها من حركة وضجيج. ومع أن وسائل الاعلام الحديثة حولت العالم إلى قرية إلا أن هناك بعض المجتمعات التي هاجرت خارج هذه القرية لتسكن المريخ ولتبتعد عن الإحساس بالماضي والتفكير في الحاضر والحلم بالمستقبل، وشعارهم هو «عش اللحظة بكل ما تملك من طاقة، ودع الخلق للخالق».
هل هذا يعني انه يجب على السنة الجديدة ان تكون مفترقاً أو شرفة نطل منها على سنة مختلفة عن الماضية؟ على عمر جديد؟ على أمل جديد؟ الحقيقة ان القدامى من الريفيين كانوا يقولون ان كل انسان يزرع حقله في عقله، وهذا يعني ان كل امرئ يخطط كما يرى وينفذ كما يعتقد ويحصد ما يظن ان يديه قد زرعتاه، وفوق كل هذا هو يعتقد ان ما أنجزه يشكل فتحا جديداً لم يصل إلى مستواه أحد.
وعلى تلك القاعدة كل منا يزرع سنته الجديدة على ذوقه فينظر إليها كما يريد ويتوقع منها ما يشتهي ويحصد من حقولها ما يمكن أن يرضيه، وفوق كل هذا هو مؤمن بأن ما حصل عليه ماركة مسجلة على اسمه ومقدر له أن يحصل عليها دون غيره، بهذا المعنى وهذه القواعد يمكن أن نعتبر السنة الجديدة صفحة بيضاء كل منا يملأها بالطريقة التي ترضيه والمقدرة له ويسطر في ارجائها الكلام الذي يعبر به عن ذاته، على أمل أن يصل في خاتمتها إلى تحقيق طموحاته. ومع ان القلة هي التي تصل إلى طموحاتها باعتبار ان الإنسان مفهوم لا يشبع فإن الأمل بأن تكون أعوامنا كلها صفحات بيضاء جميلة ساطعة ناصعة نكتب فوقها ما نشاء، هو الأمنية التي نرجو تحقيقها بالنسبة لكل من احترف زراعة حقله بعقله في الماضي والحاضر والمستقبل.
وفي النهاية ومثل كل عام نأمل أن تكون هذه السنة هي السنة التي تخرج منها الحروب من أرضنا وتذهب لمجرة أخرى، ويدخل إليها السلام، سنة أولى محبة وإخاء، وكل عام وأنتم بخير بإذن الله.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved