Tuesday 6th January,200411422العددالثلاثاء 14 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيخ الأزهر: «الفقيه» و «السياسي» شيخ الأزهر: «الفقيه» و «السياسي»
أنور عبدالمجيد الجبرتي

* نحترم فضيلة شيخ الأزهر ونقدره، ولكن قد نختلف معه ونتحاور.
*أما الاحترام والتقدير فهما واجبان في حق عالم من علماء المسلمين، وشيخ لمؤ سسة إسلامية عريقة ذات مكانة، وهما الزم ما يكونان في حالة الاختلاف في وجهات النظر، فنحذر من التجاوزات والانفعالات والتشنجات، ونلتزم بقواعد الأدب، ونتجنب التنابذ بالألقاب، ونتورع عن القفز على الخطوط الحمراء، ونتعلم من علمائنا ومشايخنا كيف يحترم بعضهم بعضا، وكيف يحفظون لأنفسهم مكانة القدوة الطيبة عند الاتفاق وعند الاختلاف.
* ليس عندي ما أقوله في «الشرعي» من حديث شيخ الأزهر عن موضوع الحجاب في فرنسا، فهذا أمر ينظر فيه العلماء ويقولون، وان كنت أعتقد أنه ليس ثمة اختلاف مع الشيخ الجليل، اذ قال إن غطاء الرأس للفتيات فرض إسلامي وليس رمزاً دينيا مثل «القلنسوة» اليهودية أو تعليق الصليب أو نجمة داوود.
* بدأت مشاكل الشيخ الجليل عندما تجاوز «الشرعي» إلى«السياسي» و«الرسمي» إلى «الشَّخصي»، فدخل إلى حقل الألغام وتفجرت في وجهه التصريحات والتعليقات، واختلطت في أذهان السامعين مواقف «الفتوى» الشرعية مع موقف «التعليق» على اختصاصات السيادة الوطنية التي يتحاور حولها السياسيون و«فقهاء» العلم» و«الدستوري»، وحساسيات السياسات الداخلية الفرنسية والأوروبية التي يناقشها كتاب الأعمدة الصحفية وضيوف الفضائيات، وضجيج الشارع السياسي الإسلامي والعربي الذي يسعى إلى استقطابها خطباء المنابر وأصحاب «الأجِنْدَاتِ» الجماهيرية.
* إن من حق الدولة كل دولة ومن اختصاصات سيادتها أن تفرض قوانينها على رعاياها وتطلب منهم الالتزام بها عندما تصدر تلك القوانين من الجهات التشريعية المعتمدة. ولكن هذا أمرٌ دستوري قانوني سياسي ليست مشيخة الأزهر هي جهة الاختصاص فيه. وليس الشيخ الجليل صاحب المرجعية في أمره، إلا إذا اختار أن يتطرق إليه كرجُل سياسة، ورَأى أن من حُسن «السياسة» التعامل معَه وإبداء الرأي فيه تحقيقا لمصلحة يراها فضيلتُه. هُنا يأتي حق الاختلاف معه «سياسياً، حيث تتباين الآراء وتختلف المصالح والمواقف والظروف السياسية والاجتماعية للأقليات المسلمة المهاجرة والمستوطنة، وكيفية «التواصل» مع قضاياها، وابداء الرأي في «أولوياتها، والتحقق من «الخطاب» السياسي المناسب لها في علاقتها مع السلطات السيادية في المجتمعات التي يعيش فيها.
* اذا اختار الشيخ الجليل أن يخوض في «السياسي» ورأى أن في ذلك مصلَحة، فربما كان من المناسب أن يحتاط لنفسه فيوفر لها أدوات الخطاب السياسي وأساليبه وإجراءاته، كما يفعل السياسيون، فيطلُب مهلةً للتشاور مع ممثلين للأقليات المسلمة التي هي موضوع الخلاف، أو للحديث مع علماء المسلمين من ذوي الاختصاص في الشأن الأوروبي، أو يكون له مستشار إعلامي يحرص على مراجعة تصريحاته السياسية ويدقق فيها بحيث تحقق الأهداف الإعلامية النبيلة التي يسعى إليها وبأقل قدر من الأذى السياسي.
* لا أحد يشك في نوايا الشيخ الجليل وفي أنه حريص على مصلحة المسلمين في كل مكان. ونحن حتى إذا اختلفنا معه في بعض آرائه السياسية واختلف معه زملاؤه من الفقهاء في بعض الفتاوى الشرعية، لا نسمح لأنفسنا بالمزايدة على علمه وفضله، ولكننا نثير هنا قضية «الفقيه» و «المفتي» عندما يشتبك مع «السياسي» و«الإعلامي». فعالم اليوم شديد التعقيد، بالغ الحساسية، هائج الأعصاب. انه عالم سريع اللَوم، لايقبل الأعذار ولايفهمها، ولايعطي فرصة للتراجع أو مساحة للتنفس، يتربص بالكلمة ويقفز عليها ويرقص للشائعة ويطرب لها، ويُسيء الظن ويحكم سلبيا على النوايا، ويرعى العلم اليقيني بالخواطر في الأذهان وما تخفي الأنفُس. ونحن نريد أن نحمي «الفقيه» و«العالم الشرعي» من هذه العواصف والشبهات. ونأمل له أن يدقق عند ابداء الرأي بين «الشرعي» و«السياسي»، ويعرف الخطوط الفاصلة بينهما دون أن ننكر عليه حقه الشرعي في الخوض فيهما والحديث عنهما.
* وحتى لا يُساء الفهم، أقول صراحة:إن المقصود هنا ليس فصل الدين عن السياسة، فهذا أمر غير وارد شرعيا أو حتى عمليا، ولكن المقصود معرفة خصائص «السياسة» وملابساتها، وإتقان أدواتها، وتجنب مكائدها ومصايدها وأوساخها، والتحقق من الحدود الفاصلة والعلامات الفارقة.
* إنها دعوة أو اقتراح بأن يحتاط «الفقيه» لشروط «الطهارة» عند الاقتراب من «قذارات» السياسة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved